رأيتها تجلس على الرصيف ، كما هي لم تتغير ، ملابسها البالية المتسخة تكشف أكثر مما تستر ، شعرها الطويل الأشعث الذي يغطي وجهها ، تمسك لقيمة خبز تكالب عليها الذباب من كل حدب و صوب ، رائحتها الزاكمة للأنوف لم تتغير ، انزويت بسيارتي جانبا ، أخذت أنظر إليها ، (لبيبة الهابلة) ؟
عبرت أفق خيالي حكايات جدتي عنها ، قالت أنها كانت و كانت و كانت ، فجأة ، شق فضاء الصمت من حولي صرخة عالية ، نبهت قلبي من غفوته ، أعادتني عنوة إلى ( لبيبة ) ، نظرت إليها فإذا بجنود الأمن المركزي يلتفون حولها ، يجذبونها من ملابسها البالية ، فتحت باب سيارتي و نزلت أجري إليها ، أحاول أن أمنعهم من إيذائها .
صرخت : حصل إيه ؟ بتعملوا فيها كده ليه ؟ ( عندها جذبني أحدهم من قميصي فألقاني فوقها ، وجدتني أحاول أخذ و لو فرصة واحدة فقط لالتقاط أنفاسي ما بين هذا الكم الهائل من الركلات و اللكمات المتبل بخليط من السب و القذف ، لم أتبين للحظات أطرافي من أطراف (لبيبة الهابلة) ، فجأة توقف كل شيء ، نظرت إلى أعلى ، حاولت استبيان الأمر من خلال خيوط الدم التي سالت على عيني ، وجدت عملاقا و قد حجب الشمس عنا ) صرخ فيهم : انتباه يا أغبيا يا بهايم ، بتضربوه ليه ؟
يا فندم الولية دي مش راضية تمشي ، قمنا جرجرناها بالعافية ، لقينا الافندي ده بيحوش عنها و مش عاوزنا نشوف شغلنا .
( عندها بدأت ملامح المشهد تتضح أمامي ، وجدت ضابطا صبوح الوجه ، مد يده لي مبتسما ، أوقفني ) و انت دخلك إيه يا أستاذ ، ما تروح لحالك . ( تغيرت تعابير وجهه و هو يصرخ في وجه (لبيبة) ، كأنه شخص آخر ) و انتي يا روح أمك ، قومي من هنا و إلا تلاتة بالله العظيم أخليهم يدغدغوك ، ( صرخ حتى بح صوته ) قومي .
عندها انتفضت واقفة ، لملم أحد الجنود حاجياتها من فوق الرصيف و ألقاها بوجهها ، رحلنا نحاول الاستناد إلى بعضنا البعض ) أخذت تتمتم : ماشي ، ماشي ، بس لما يجي يا ولاد الكلب ، و الله لأخليه يقطعكم حتت حتت كده ، طيب ، حاضر ، الصبر حلو ، ماشي ، بقى تعملوا فيا أنا كدهوه ؟ حاضر ، عليا النعمة لقايلة له ، انتم فاكرين إني مش ها أقوله ؟ و الله لقايلة له ، و انته فكرك انه ها يسكت ، و الله لو كان يرضى هو بقى إنهم يعملوا كده في أمه يبقى القيامة ها تقوم بقى ، بقى كدهوه ؟ همه مش عارفين أنا مين ؟
( عندها حاولت التخفيف من ثورتها ) معذورين برضه ، ما همه مش عارفينك يا خالة (لبيبة) . أيوه بس هو ما يرضاش ، إنت على بالك يعني إنه هايسكت ، و حياة رحمة أمي ما ها يسكت ، و أنا أهوه و انته أهوه ، إذا ما كان يجيب لي حقي و يجيبهم واحد واحد يبوس رجلي صباع صباع ، يبقى لا ابني و لا أعرفه ، و يحرم عليه يبوس رجلي ليوم الدين . هو مين ده يا خالة ؟ إنته أهبل ياله و الا بتستهبل ؟ ياله روح من هنا ، روح ....
( دفعتني بعيدا عنها ، عندها انفجرت الضحكات من صدري ، حاولت السيطرة عليها حتى نجحت ، عدت أسير بجوارها ثانية )
معلش خديني على قد عقلي . اللي قوموني عشان خاطره ( الواد علي ) ، علي مين ؟ ( نظرت لي نظرة احتقار ) معلش يا خالة (لبيبة) استحمليني الله يخليكي ، أصل أنا فهمي على قدي .
( عندها وصلنا إلى مقهى بأحد الحواري الداخلية ، ذهبنا إلى إحدى الطاولات ، قالت في حزم و هي تهم بالجلوس ) و الله ما أنا مكملة و لا كلمة إلا لما تطلب لي شاي و شيشة الأول . حاضر ، من عينيه .
( صفقت ، و عندما حضر النادل تغير وجهه و حاول جذبها )
قومي ياله من هنا يمجنونة يا بنت المجانيين . ( حاولت هي التخلص من بين يديه ) سيب هدومي يا اهبل يا ابن الهابلة ، و الله لقايلة لعلي يشق راسك نصين، بس لما يجي ، حاضر ، ماشي ، ماشي . ( عندها تدخلت ) سيبها قاعدة لو سمحت ، دي جاية معايا ، و هات لنا اتنين شاي في الخمسينة وشيشة .
( ذهب النادل يضرب كفا بكف بينما يصيح ) و عندك اتنين شاي في التربنتينة و شيشة . ( عندها التفت إليها أسألها ) مين بقى الواد علي ده يا خالة لبيبة اللي قوموك عشانه؟ اللي انتم مسمينه (أوباما) . ( عندها انفجرت ثانية في الضحك ) ها ها هاي ...( أوباما) ها ها .. يبقى ابنك ؟ ها ها هوه .
( عندها احمر وجهها و قالت غاضبة ) و الله العظيم أنا غلطانة إني جيت و قعدت مع واحد مخبول زيك ، ما انتم كلكم زي بعض . ( همت بالوقوف و الرحيل ، عندها أمسكت يدها أجلسها ) معلش حقك علي يا خالة (لبيبة) ، أنا آسف ، خلاص بقى .
بس لو ضحكت تاني و الله ما أنا قاعدة معاك .
حاضر خلاص أهوه ( وضعت كفي على فمي أغلقه ) ، بقى ( أوباما ) رئيس أمريكا ابنك ؟ ابني بالرضاعة يا أهبل .
إزاي بقى إن شاء الله ؟ لما اتولد كانت أمه تعبانة و مش قادرة ترضعه ، فصعب عليا و رضعته ، ( فجأة صرخت) يا نور عيني ... ( هجمت على التلفاز تحتضنه و تقبله ، أخذت تصرخ ) وحشتني يا ابن الكلب ، و الله كنت ها أتجنن و أشوفك ، ( تقبل الشاشة ) كده برضه ؟ ( تحتضن التلفاز كالمتلهفة أكثر و أكثر ) كدهوه ، ( نظرت إلى التلفاز أحاول استيضاح الأمر ، فإذا بوجه ( أوباما ) ، أخذت تقبله و تصيح ) و لا تسأل عليا و لا تبعت حتى و لو جواب صغير تطمني عليك ؟
( تقبل الأسلاك ) زعلانة ؟ طب تلاتة بالله العظيم زعلانة ، ( تتوقف عن تقبيل التلفاز ) روح بقى ، و هوه انته فكرك إنك ها تضحك عليا بكلمتين ؟ ( تتمنع ) لا سيبني ، و الله زعلانة ، بقولك روح بقى ( تدفع التلفاز فإذا بالرسيفر يسقط أرضا و تتوقف الصورة ، عندها اخذ الناس يضحكون ، ساد الهرج و المرج ، أخذ النادل يصرخ بوجهها ، يدفعها بعيدا ، صاح مناديا ) عاوزين نسمع خطاب (أوباما) يا عالم ، ما تيجي يا مثقف تشيل خالتك .
( عندها قمت أقنعها بالرجوع إلى الطاولة ، حتى وافقت و عادت معي ، جلسنا ثانية بينما لم تحرك عينيها عن التلفاز الذي عادت إليه الحياة ) مالك كده خاسس يا وله يا علي ؟ همه ما بيأكلكش و الا إيه ؟ يا كبد أمك ، ليكون عندك ديدان البلهارسيا يا وله ، و الله لمن بكره الصبح آخدك و نروح المستشفى ، أني مش ها اسكت لو موتوني ، لا ماهو كله إلا صحتك ، ده أنته الحاجة الوحيدة اللي فاضلة لي في الدنيا ،
( وجهت كلامها لي ) بذمتك مش خاسس ؟ الصراحة خاسس شوية بس أكيد هوه اللي عامل رجيم . رجيم إيه و زفت منيل على عينك إيه ، أنا اللي عارفاه ، هوه كده طول عمره أكلته ضعيفة بعيد عنك من صغره و هوه عنده ديدان ، ياما ضربته عشان ما ينزلش الترعة ، و لا هو هنا ، مكبر دماغة و عاطيها الطرشة ، بس أما أشوفه .
( أتى النادل بأكواب الشاي و (الأرجيلة ) وضعها أمامها ، عندها بدأ خطاب ( أوباما ) ، أخذت تشرب الشاي و تدخن (الأرجيلة) بينما تعلق على كل كلمة يقولها المترجم ) صوتك متغير كده ليه يا وله ؟ ده صوت المترجم يا خالة ، عشان هو بيتكلم انجليزي . بتتكلم انجليزي ليه يا عين أمك ؟ ما تعيش عيشة أهلك يا وله و تكلمنا عربي ، دا أنا عمري ما قلتلك و لا كلمة انجليزي .
( عندها نطق (أوباما ) بالعربية ) السلام عليكم ( وقفت تهلل ) أيوة كده ، شفت ؟ مش قلتلك ؟ ده ما يسمعش كلام حد في الدنيا قدي ، و انته فكرك هوه جاي مصر ليه يعني ؟ عشان سواد عيونكم ؟ جاي عشان يجيب لي حقي ، أيوه أمال إيه ؟ بس اسمع ها يقول إيه دلوقتي ، هوه اللي ها يرجع لي (العشة) اللي كنت ساكنة فيها و طردوني منها و أخدوها ولاد الأبالسة .
( عاد أوباما يتحدث بالانجليزية ، عندها نظرت تجاهي يملأ الخجل وجهها ، لمحت بعينيها صورتها و هي تبحث له عن مبررات ، فجأة غمزت لي بعينها و قالت ) بس عشان العالم كله يفهم .
( أخذ المترجم يترجم كلامه بالعربية ، عندها بدأت تدخن و تنصت ) ( قال أوباما ) و ينص القرآن الكريم على ما يلي : ( اتقوا الله و كونوا مع الصادقين ) ( أخذت تصفق و تهلل و تصرخ ) شفت ؟ مش قلت لك اسمه (علي) ؟ أهوه حافظ القرآن أهوه يا عالم يا هوه ، وحياتك ما حد ها يرجع لي ابني اللي ما شفتوش من سبعة و ستين إلا هوه ، بس اصبر و ها تشوف ها يعمل إيه .
( قال أوباما ) امكانية انتخاب شخص مثلي يدعى ( باراك حسين أوباما ) ( أمسكت بكفي ، ضغطت عليه بقوة كأنها ستقول لي سرا ) كده و كده يعني ، بعيد عنك لازم ما يقولش إنه مسلم و إلا كانوا شالوه من الرياسة ، إوعى تقول لحد إنه اسمه ( علي حسين أوباما ) . هو أنا عيل ؟ سرك في بير .
( بعدها بقليل أخذتها سنة من النوم ، أخذت أستمع للخطاب ، حتى قال أوباما ) و نجد في القرآن الكريم ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر و أنثى و جعلناكم شعوبا و قبائل لتعارفوا ) ( وجدتها و قد استيقظت من نومها و أخذت تقفز و تهلل و تصرخ ) مش قلت لك مسلم ؟ لسه حافظ القرآن أهوه يا جدعان ، الله يرحمك يا شيخ صالح ، هوه اللي محفظه في الكتاب ، و الله اللي ها يقول إنه مش مسلم بعد كده لأحط في بقه جزمة قديمة .
( أخذ الناس يسبونها و يأمرونها بالجلوس صامتة ، جذبتها أجلسها حتى لا يزداد غضبهم و سخطهم عليها ، أخيرا جلست ، مالت برأسها ناحيتي تسألني ) بذمتك مسلم و الا مش مسلم ؟ ده مسلم ابن مسلم ، بس اهدي شوية خلينا نسمع بقية كلامه عشان ممكن يجيب سيرتك دلوقتي . معاك حق يا وله ، و الله انته جدع ، اطلب لي بقى واحد سحلب . من عيوني حاضر ، ( ناديت ) اتنين سحلب يا ريس .
( عدنا نستمع إلى الخطاب إلا أنه ختم خطابه و أخذ يلوح للمتواجدين في القاعة يمينا و يسارا ، عندها أخذت تصرخ ) شوف شوف شوف ، الواد بيدور عليا بين الموجودين إزاي ، شايف عينه بيتلفت عليا يا ولاداه ، يا نن عين أمك يا با ، و الله حرام عليكم ، بتمنعوني ليه يا عالم يا هوه ؟ خايفين لأقوله على اللي عملتوه فيا ؟ طب تلاتة بالله العظيم ما ها أقوله أيتوها حاجة ، بس سيبوني أشوفه حرام عليكم ... ( أخذت تجري بعيدا و تصرخ ) سيبوني أشوفه يا عالم يا هوه ، حرام عليكم ، و الله العظيم حرام ، حرام و الله ، و الله حرام .....