مزقت الأيام مرارة هؤلاء الفتيات اللائى يشربن نبيد الآلام ، وتراطمت أجسادهن في قوارب المعاناة وسط الشوارع لكي يعبرن إلى ضفة المال ببيع أجسادهن التي كانت كأعواد الثقاب وصار ككهف أفلاطوني مكبل بالألم والصراخ. فتيات الدعارة التي تساقطت أعينهن على الأزقة والأرصفة لم يعد لهن سوى جسد كقربان في كل ليلة، يقدمنه في شكل طبق جنسي، لكي يكسبن بعرق أجسادهن حياة بئيسة، رديئة ، مزيفة. فاطمة من بين هؤلاء الفتيات التي تسلقت أشجار ثمار الحياة، بثوبها الشفاف، وساقيها العارية، التي تكشف ماوراء الرموز، ومستحضرات التجميل، التي تنعب في المكر والحيل، وأحمر الشفاه، الدي يصرخ كبحيرة دم، لكي تسقط فيه فريستها المكراء، في الحانات، أوالشوارع الظلماء. تجوب فاطمة، في غسق اليل لكي تقتات المال، كقطة تموء بجسدها، لكي تغري آلاف الرجال، وتعود في وهج النهار إلى البيت، كالوردة اليتيمة وخصلات شعر دابلة بالسمر، والتيه والتعب. ورائحة النبيد تفوح منها كالإعصار، من على فمها المنسكب بالنار والآه. تثمل المرارة حتى تسقي عروقها الندامة وتخرج في كل ليلة كالحمامة البيضاء، تلطخ بدم القهر، وتحقن بجرعة الجمر. خديجة، هي أيضا ارتمت في أحضان الدعارة، بعدما أن هجرت أسرتها في البادية بدعوى الفقر وتفيض به الأيام من وديان الحاجيات لسد رمق الشفاه. فأعلنت الثورة على جسدها لكي تطير كعصفورة في مدينة الضوضاء والليالي الحمراء، حملت سيجارتها في المقاهي والحانات، وأغلقت عفتها، بالمفتاح لكي تخرج أنياب أنوثتها التي تفتك في كل رجل يراود دلك المكان. تعتبر نفسها، في مهمة رسمية وجسدها مكسبها وسلاحها، الدي يقتلها شظايا جسد تائه في صحراء العداب. هن بمثابة سراب بأرواحهن لكن أجسادهن تغتصب، بقهر الزمن، وبطش القدر. ولوم كل فناة لن ينقدها من دوامة الضجر، يكفي أنها تسقط كأوراق الخريف في سبات الشوارع وأزقة المضاجع.