يبدو أن أزمة الفراغ السياسي في لبنان.. في طريقها للحل، بعد تأييد أكثر من تيار سياسي لترشيح ميشيل عون رئيسا للجمهورية، ومنها تيارات بارزة مثل المستقبل وحزب الله وأعوانهما، بل وبعض القوي الإقليمية التي لها مصلحة مباشرة لما يحدث في لبنان، مثل دول الخليج وإيران، والحل هذه المرة ينهي أكثر من عامين من خلو مقعد الرئاسة بعد الرئيس.. ميشيل سليمان، وبعد أكثر من 40 جلسة برلمانية فشلت كلها في اختيار خليفة له، منها 5 جلسات في الشهرين الأخيرين فقط! ولا يخفي علي المتابع للشأن اللبناني، أن كل ما يدور ويحدث علي الساحة السياسية هناك هو بين جبهتين.. أو قل تيارين أساسيين.. أولهما هو تيار 19مارس ويتزعمه سعد الحريري وهو مدعوم من دول الخليج بوجه خاص، وبعض القوي الإقليمية الأخري والدولية أيضا وعلي رأسها أمريكا وبعض الدول الأوروبية التي لها مصالح مباشرة داخل لبنان منذ عقود وأبرزها فرنسا. والثاني: هو تيار ال8 من مارس ويتزعمه زعيم حزب الله الشيعي حسن نصر الله، ومعه رئيس مجلس النواب نبيه بري وميشيل عون المرشح للرئاسة مؤخرا والرئيس المرتقب للبنان بعد توافق كل القوي السياسية علي انتخابه. وعون.. أو القائد السابق للجيش اللبناني، صاحب سيرة سياسية لا تخطئها العين، وله علامات بارزة خاصة مع نهايات الثمانينيات من القرن الماضي، وبداية الألفية الحالية، فقد تم اختياره رئيسا لحكومة مؤقتة.. كما تقول وكالة الأنباء الفرنسية.. في العام 1988، من قبل رئيس الجمهورية وقتها أمين الجميل، ليتسلم الرجل منصبه ويخوض الكثير من المعارك ضد خصومه وقتها، وضد القوات السورية التي كانت لا تزال متواجدة علي التراب اللبناني.. ولكن حربه تلك الأخيرة لم تحقق ما أراده، بل جاءت بالسلب علي مسيرته السياسية كلها بعد ذلك.. فقد توصل وقتها الفرقاء اللبنانيون إلي اتفاق برعاية سعودية، هو اتفاق الطائف الشهير الذي أنهي الحرب الأهلية اللبنانية عمليا علي الأرض، ولتنتهي معها مسيرة عون مؤقتا وهروبه للعاصمة الفرنسية باريس حتي العام 2005. وعاد عون للبنان.. ليدخل مجلس النواب اللبناني عن طريق تياره السياسي الذي أطلق عليه »التيار الوطني الحر».. وليواصل مسيرته التصادمية مع كل الطوائف السياسية اللبنانية الأخري، وليضرب بكل الأعراف المسيحية التقليدية عرض الحائط، بتحالفه الفريد مع حزب الله في العام 2006، ومع النظام السوري أيضا.. ثم مع طوائف مسيحية أخري أبرزها: تيار سمير جعجع قائد فصيل القوات اللبنانية الأسبق.. ومن خلف كل هؤلاء الحليف الإقليمي: إيران. والآن.. تم طرح اسم الرجل المثير للجدل لكرسي الرئاسة وسط اعتراضات من جهة وترحيب من جهة أخري. والترحيب جاء _ كما تقول صحيفة الواشنطن بوست الأمريكية_ أولا من أنصاره داخل البيت اللبناني وعلي رأسهم بالطبع حسن نصر الله وأعوانه وبعض الطوائف المسيحية وإيران، إضافة إلي ترحيب روسي بل ودعوة من الرئيس بوتين ذاته لعون لزيارة موسكو في الوقت المناسب له.. إضافة لترحيب نظام بشار الأسد بترشيح عون الذي وجد فيه فرصة لعودة العلاقات اللبنانية _ السورية إلي مسارها الطبيعي. ويضاف لذلك كله.. دعم سعد الحريري المشروط لعون، وهو أن يكون الحريري رئيسا للوزراء، وإن كان حزب الله يتحفظ علي ذلك وهو ما يعني أن وصول عون الحقيقي لمقعد الرئاسة اللبنانية، قد يتعطل لبعض الوقت وحتي وصول الحريري لمقعد رئاسة الوزراء، أو تقديم بديل مناسب له تتوافق عليه كل الأطياف السياسية اللبنانية. والموقف البائس الذي يمر به لبنان منذ أكثر من عامين، له خصومه أيضا.. بمعني فهناك من يتحفظ علي وصول عون للرئاسة، وأبرز هؤلاء هم: الولاياتالمتحدة علي شخص عون في المقام الأول، وشكوكها حول توجهاته خاصة تجاه كل من نظام بشار في سورياولإيران وروسيا، إضافة لتحفظها علي طبيعة شخصية الرجل العصبية. المعارضون لاختيار عون.. يرون أن الرجل لا يعبر عن سياسات محددة، أو هو صاحب تيار سياسي له توجهاته المحددة، بل هو مرشح الضرورة عند بعض الأطراف.. بل وإن كل من يؤيدونه أصحاب توجهات سياسية وطائفية وإقليمية ودولية متناقضة، وهي الأمور التي يمكن أن تؤدي بلبنان البلد المقسم فعليا: لمزيد من الانقسامات الحادة، بل وذهب البعض إلي أن وصول عون لكرسي الرئاسة، سيكون إيذانا للتواجد الإيراني المباشر في سدة الحكم اللبناني، ونفوذ أكبر لحزب الله الشيعي.