رئيس الوزراء يشهد توقيع أمر شراء الوقود النووي لمحطة الضبعة واتفاقية البرنامج الشامل للتعاون    المشاط: تطوير البنية الرقمية الحكومية ركيزة أساسية لتحقيق النمو والإنتاجية    قناة السويس تمد العمل بتخفيضات رسوم عبور عدة أنواع من السفن حتى يونيو 2026    البورصة المصرية تربح 4 مليارات جنيه بختام تعاملات الأربعاء 19 نوفمبر 2025    هجرة مليون بريطانى خلال 4 سنوات من المملكة المتحدة لهذا السبب    اتصال هاتفى بين وزير الخارجية ونظيره الايطالى    العارضة تضيع على الأهلي والمقاولون استثمار 8 فرص بالدوري    الإسماعيلي ينفي شائعات طلب فتح القيد الاستثنائي مع الفيفا    بالأسماء، ضحايا حادث الطريق الصحراوي الغربي في قنا    حبس أم ألقت طفلتها الرضيعة وسط القمامة في الشرقية    المسلماني: برنامج دولة التلاوة تعزيز للقوة الناعمة المصرية    بعد أزمته الصحية.. حسام حبيب لتامر حسني: ربنا يطمن كل اللي بيحبوك عليك    أحمد المسلماني: برنامج الشركة المتحدة «دولة التلاوة» تعزيز للقوة الناعمة المصرية    خالد عبدالغفار: دول منظمة D-8 تعتمد «إعلان القاهرة» لتعزيز التعاون الصحي المشترك    الصحة: مصر خالية من الخفافيش المتسببة في فيروس ماربورج    ارتفاعات وشيكة في أسعار الذهب.. اشتري قبل فوات الأوان    أمين مجلس الجامعات الأجنبية: استكمال القرارات الجمهورية ل 11 فرعا و10 طلبات قيد الدراسة    معرض رمسيس وذهب الفراعنة في طوكيو.. الأعلى للثقافة: دليل على تقدير اليابان لحضارتنا    فيلم بنات الباشا المقتبس عن رواية دار الشروق يُضيء شاشة مهرجان القاهرة السينمائي    الطقس غدا.. ارتفاع درجات الحرارة وظاهرة خطيرة صباحاً والعظمى بالقاهرة 29    بعثة زيسكو الزامبي تصل القاهرة الخميس لمواجهة الزمالك    إزالة تعديات وإسترداد أراضي أملاك دولة بمساحة 5 قيراط و12 سهما فى الأقصر    روسيا: أوكرانيا تستخدم صواريخ أتاكمز الأمريكية طويلة المدى مجددا    الأهلي يحصل على موافقة أمنية لحضور 30 ألف مشجع في مواجهة شبيبة القبائل    حقيقة عودة كهربا إلى الأهلي في يناير    شقيق إبستين: كان لدى جيفري معلومات قذرة عن ترامب    انطلاق فعاليات المؤتمر السنوي العاشر لأدب الطفل تحت عنوان "روايات النشء واليافعين" بدار الكتب    أول رد فعل من مصطفى محمد على تصريحات حسام حسن    اسعار كرتونه البيض للمستهلك اليوم الأربعاء 19نوفمبر 2025 فى المنيا    وصفات طبيعية لعلاج آلام البطن للأطفال، حلول آمنة وفعّالة من البيت    فرق الصيانة بالسكة الحديد تجرى أعمال الصيانة على القضبان بشبرا الخيمة    جامعة قناة السويس تحتفي بأبطالها المتوجين ببطولة كأس التميز للجمهورية    قصور ومكتبات الأقصر تحتفل بافتتاح المتحف المصرى الكبير.. صور    جامعة قناة السويس تدعم طالباتها المشاركات في أولمبياد الفتاة الجامعية    رئيس الأركان يعود إلى أرض الوطن عقب مشاركته بمعرض دبى الدولى للطيران 2025    أسطورة ليفربول يكشف مفاجأة عن عقد محمد صلاح مع الريدز    وزير الري يلتقي عددا من المسؤولين الفرنسيين وممثلي الشركات على هامش مؤتمر "طموح إفريقيا"    بث مباشر.. بدء مراسم وضع هيكل الاحتواء لمفاعل الضبعة النووية    مصرع 3 شباب في تصادم مروع بالشرقية    الصحة تغلق 11 مركزًا غير مرخص لعلاج الإدمان بحدائق الأهرام    السياحة العالمية تستعد لانتعاشة تاريخية: 2.1 تريليون دولار إيرادات متوقعة في 2025    تعرف على أهم أحكام الصلاة على الكرسي في المسجد    هشام يكن: أطالب حسام حسن بضم عبد الله السعيد.. وغير مقتنع بمحمد هاني ظهير أيمن    حزب الجبهة: متابعة الرئيس للانتخابات تعكس حرص الدولة على الشفافية    مقتل 6 عناصر شديدى الخطورة وضبط مخدرات ب105 ملايين جنيه فى ضربة أمنية    إقبال واسع على قافلة جامعة قنا الطبية بالوحدة الصحية بسفاجا    بريطانيا تطلق استراتيجية جديدة لصحة الرجال ومواجهة الانتحار والإدمان    حريق هائل يلتهم أكثر من 170 مبنى جنوب غرب اليابان وإجلاء 180 شخصا    ندوات تدريبية لتصحيح المفاهيم وحل المشكلات السلوكية للطلاب بمدارس سيناء    «اليعسوب» يعرض لأول مرة في الشرق الأوسط ضمن مهرجان القاهرة السينمائي.. اليوم    جيمس يشارك لأول مرة هذا الموسم ويقود ليكرز للفوز أمام جاز    إطلاق أول برنامج دولي معتمد لتأهيل مسؤولي التسويق العقاري في مصر    مواقيت الصلاه اليوم الأربعاء 19نوفمبر 2025 فى المنيا    شهر جمادي الثاني وسر تسميته بهذا الاسم.. تعرف عليه    آسر نجل الراحل محمد صبري: أعشق الزمالك.. وأتمنى أن أرى شقيقتي رولا أفضل مذيعة    حبس المتهمين في واقعة إصابة طبيب بطلق ناري في قنا    داعية: حديث "اغتنم خمسًا قبل خمس" رسالة ربانية لإدارة العمر والوقت(فيديو)    مواقيت الصلاه اليوم الثلاثاء 18نوفمبر 2025 فى المنيا....اعرف صلاتك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جميل مطر يكتب : خفايا السياسة اللبنانية بعد الانتخابات
نشر في الشروق الجديد يوم 18 - 06 - 2009

الفائز الحقيقى فى الانتخابات اللبنانية لم يعلن عن نفسه بعد، ولن يعلن. تقول النتائج إن التيار الذى يتزعمه سعد الحريرى فاز بأغلبية مقاعد مجلس النواب وبفارق ليس كبيرا، ويستطيع الآن تشكيل حكومة بأسماء مختلفة فى الحكومة الراهنة، ولكنه ملتزم بالقواعد والوعود التى تعهد باحترامها خلال الحملة الانتخابية، ليكون لكل فصيل طائفى شارك فى الانتخابات تحت شعارات تيار المستقبل نصيبه العادل فى مناصب الحكم.
ويتحمل «الشيخ» سعد مسئولية اتخاذ القرار فى شأن تحديد نوع مشاركة المعارضة وحجمها فى هذه الحكومة، أو على الأقل فى شأن وضع صيغة تفاهم متبادل تضع تصورا للعلاقة بين الحكومة والمعارضة خلال الشهور والسنوات المقبلة.
أما وقد بقيت صورة الحكم فى لبنان على ما هى عليه، يصح أن يسأل اللبنانيون أنفسهم ما إذا كان ضروريا إجراء هذه الانتخابات. وبالفعل وجدتهم يسألون أنفسهم هذا السؤال، ويكتشفون، موالاة ومعارضة، أن الانتخابات كانت مفيدة لأطراف لبنانية وأجنبية متعددة، ووجدت مراقبين ومحللين أجانب ولبنانيين مؤيدين هذا الرأى ويقولون «خرجنا من الانتخابات أكثر فهما وتقديرا للتطورات الإقليمية وأكثر معرفة بأبعاد ما يحدث على صعيد العلاقات الدولية العربية وكذلك العلاقات العربية العربية». مرة أخرى يحدث فى لبنان ما يؤكد اقتناعنا بأن لبنان كان، وسيبقى، مرآة يرى فيها أهالى الشرق الأوسط أنفسهم بوضوح أشد، أو يرون أنفسهم على حقيقتها.
***
هل انتصر أم سمح له بالانتصار؟
احتل هذا السؤال بشقيه بؤرة اهتمام المحللين السياسيين منذ أن اعترف حسن نصر الله بالنتائج. كانت الأجواء الإعلامية والسياسية قبل الانتخابات تمهد لانتصارات يحققها التحالف الذى يقوده حزب الله. ولا شك أن حزب الله نفسه شارك فى صنع هذه الأجواء ومعه جماعة ميشيل عون. بل بدا أن بعض تصرفات تيار سعد الحريرى كان يتعمد التلميح إلى أنه هو نفسه يتوقع انتصار حزب الله وميشيل عون. سمعت لبنانيا يروج شائعة تقول إن هذا التلميح من جانب جماعة سعد الحريرى كان جزءا من خطة دقيقة ومحكمة ساهم فى صنعها خبراء أجانب. وأن هذه الخطة كان هدفها تعميق الشعور بالخوف لدى المواطن من طائفة السنة من أن يصل حزب الله إلى السلطة ويصبح ناطقا باسم المسلمين جميعا فينعزل سنة لبنان عن محيطهم الأوسع فى الإقليم.
خرج آخرون يدافعون عن حزب الله محاولين تبرير هزيمته فى الانتخابات. يقولون إن النتائج بالأرقام لا تعكس حقيقة الواقع على الأرض. صحيح أن تيار الحريرى حاز أغلبية المقاعد فى مجلس النواب، ولكن بقيت أغلبية اللبنانيين مؤيدة لتيار يقوده حزب الله. تنافس المنظرون والأكاديميون كعادتهم حول مدى «علمية» هذا الرأى واتساقه مع أصول الديمقراطية الانتخابية، وما إذا كان الناس على الأرض يصنعون السياسة والقرار، أم يصنعها هذا العدد من النواب الذين وقع انتخابهم؟ وبعد أيام من الجدل توقف أنصار حزب الله عن ترويج هذه النظرية وتشجيع النقاش حولها، وإن ظلوا على اقتناعهم بأن الحزب بخير وأغلبية اللبنانيين تقف إلى جانبه.
إلا أن عددا آخر من أنصار حزب الله فضل أن يمارس النقد الذاتى. فالحزب فى رأى هذا النفر من المحللين، لم يقم بواجبه على الوجه الأكمل. كانت إدارة العملية الانتخابية ضعيفة وغلبت عليها العشوائية فى اتخاذ القرارات والغطرسة أو الاعتماد على الشعبية التى يحوز عليها رئيس الحزب، والمبالغة فى تقدير قوة تيار الزعيم ميشيل عون فى الشارع المسيحى. انتقدوا أيضا الاطمئنان الزائد فى أوساط قيادات الحزب إلى أن سوريا وإيران لن تتخليا عنه. لم يصدق المخططون فى حزب الله أن الكنيسة المارونية سوف تتجاسر وتخرق قوانين الانتخابات فتتدخل صراحة وعلنا فى العملية الانتخابية، وهو ما حدث فعلا عشية يوم الانتخابات حين أدلى البطريرك بتصريح شكك به فى مستقبل هوية لبنان فى حال فاز حزب الله وميشيل عون.
براءة أم سذاجة تلك التى دفعت قياديى الحزب إلى انتقاد تصريحات البطريرك صفير. أثار فضول الكثيرين أن قادة حملة الإدانة التى شنتها المعارضة بشقيها الشيعى والمسيحى على تدخل البطريرك المارونى فى الانتخابات تجاهلوا حقائق مستقرة فى السياسة اللبنانية، وفى مقدمتها حقيقة أن حزب الله يقوده ويوجه دوره فى الانتخابات السيد حسن نصر الله، وهو رجل دين بامتياز، وأن رجال الدين من طائفة السنة لم يتوقفوا عن مباركة تيار سعد الحريرى وحلفائه من المسيحيين والدروز، حتى إن بعض الصحف الممثلة للمعارضة نشرت خبرا عن تلقى كثير من رجال الدين السنة مكافآت عن جهودهم فى دعم تيار المستقبل قدرت بخمسة آلاف دولار لكل شيخ من شيوخ السنة. لا أحد فى لبنان كما علمتنا التجارب السابقة يحق له أن يتهم طائفة من الطوائف بأنها استخدمت الدين فى الانتخابات، فالطائفة بحكم التعريف تكوين دينى، والطائفية وليس أى شىء آخر أساس الحكم فى لبنان.
سمعت وقرأت أن عدم فوز حزب الله كان قرارا اتخذته قيادة حزب الله قبل إجراء الانتخابات، ولعله أغرب ما سمعت وقرأت عن انتخابات فى أى دولة أو نقابة أو حزب سياسى. تصورت للوهلة الأولى أن الدافع وراء هذا التبرير المذهل للفشل محاولة لإنقاذ ماء وجه حزب الله والتحالف الذى يقوده والمحافظة على تماسك قاعدته الشعبية. تماما كما تصورت من قبل أن إنقاذ ماء الوجه كان الدافع وراء القول بأن الفشل جاء نتيجة سوء إدارة الحملة الانتخابية. ثم جاء من يحاول إقناعى بأن الفشل كان متعمدا ومخططا له بروية وعزم. تركزت محاولة إقناعى فى أربع نقاط أولاها: أن الحزب قرر فى الأيام الأخيرة أن إسرائيل قد تتعلل بفوز حزب الله وتوليه الحكم فى لبنان فتضرب البلد وتدمر بنيته التحتية كما فعلت فى غزة بسبب تولى حماس الحكم فيها. ستقول اسرائيل وقتها إنها لا يمكن أن تسمح بولاية إيرانية على حدودها وستجد ترحيبا وتأييدا من الولايات المتحدة وربما من دول عربية.
ثانيها: أنه تغلبت فى الحزب الآراء التى تعتقد أن قطاعات معينة فى الطائفتين السنية والمسيحية لن تقابل راضية فوز حزب الله وتوليه السلطة بعد شهور من التعبئة الطائفية المستمرة ضد الشيعة وحزب الله وإيران، ويخشى أصحاب هذه الآراء من أن يتحول عدم الرضا بفعل فاعل خارجى أو داخلى إلى فتنة دموية، لا أحد فى الحزب يريدها.
ثالثها: أنه ترددت داخل الكوادر العليا فى الحزب حقيقة أن الحزب لا يملك عددا كافيا من كفاءات مدربة على الحكم، بمعنى آخر أنه رغم امتلاكه ثروة بشرية مثقفة لا بأس بعددها أو نوعيتها، فإنها لم تشارك بعد فى مسئوليات إدارة دولة.
أعربت هذه الكوادر عن خشيتها من أن يؤدى الفوز إلى انكشاف عدم أهلية الحزب للحكم فى الظروف الحالية. وتحدثت عن سياسات وقرارات صعبة كان سيتعين على حزب الله وحلفائه اتخاذها فى حالة الفوز، وضربوا أمثلة منها الموقف من التسويات التى سيطرحها أوباما فى قضية فلسطين، والموقف من التوطين وتعقيدات الحكم المتوقعة فى ظل مقاطعة أمريكية وأوروبية وسعودية للبنان.
رابعها: يوجد تيار داخل الحزب لا يمكن التقليل من شأنه، ويقال إنه قريب من فكر رئيس الحزب، يعتقد أن تردى العلاقات مع مصر تحديدا يسىء إلى سمعة الحزب وشعبيته فى لبنان، حتى داخل الطائفة الشيعية.
ويبدو أن هذا التيار تصور أن الفوز فى الانتخابات والوصول إلى الحكم سيضع الحزب أمام امتحان عصيب فى السياسة الخارجية، وعلى الأخص السياسة الإقليمية، إذا لم يحل أولا مشكلته مع مصر.
***
سوريا وإيران.. مواقف جديدة ومتباينة؟
انتقدت كل الأطراف اللبنانية التدخلات الأجنبية وحملتها مسئولية فوز هذا الطرف وفشل الآخر. انتقدت المعارضة تدخلات أمريكا وأبرزها ثلاثة تصريحات، أحدها من هيلارى كلينتون والثانى من جوزيف بايدن نائب الرئيس، والثالث من أوباما شخصيا، وانتقدت تدخلات من المملكة العربية السعودية ابتداء من حملة التشهير بحزب الله وزعامته وعقيدته وانتهاء بأموال طائلة تدفقت فى الأسابيع الأخيرة السابقة على يوم الانتخابات، بعض هذه الأموال ذهب مباشرة إلى جيوب قادة المرشحين، وبعضها إلى رجال دين من السنة وأقرانهم من الموارنة، وبعض آخر سدد قيمة بطاقات سفر المغتربين الذين جلبوا خصيصا من أمريكا اللاتينية وغرب أوروبا والخليج للتصويت لصالح تيار المستقبل الذى يقوده الحريرى. ولم تسلم الحكومة المصرية من انتقادات المعارضة التى اتهمتها بالمبالغة فى إخراج تفاصيل المؤامرة المتهم فيها حزب الله بتهريب أسلحة وتدمير منشآت فى سيناء.
فى الوقت نفسه انتقدت أحزاب وطوائف الحكومة، أى الأغلبية، تدخلات إيرانية مثل تصريحات الرئيس نجاد عشية الانتخابات. وهى التصريحات التى يعترف بعض أنصار المعارضة أنها كانت سببا من الأسباب الرئيسية فى إثارة مزيد من خوف طائفتى السنة والموارنة على مستقبل لبنان ودوره فى الإقليم واحتمالات الزج به تحت قيادة حزب الله فى آتون صراعات وتوازنات دولية وإقليمية لا صالح له فيها. انتقدت أيضا، بحكم العادة، التدخل السورى. وسأشرح بعد قليل لماذا استخدمت عبارة «بحكم العادة». قالوا إنها سهلت مرور الأموال وقدمت المعلومات الاستخباراتية التى يحتاج لها مخططو الحملة الانتخابية فى المعارضة. ومثلها مثل تحالف الأغلبية انتقدت المعارضة حجم الأموال التى تدفقت على خزائن الحزب للصرف على استدعاء مغتربين من طائفتى الشيعة والموارنة من غرب أفريقيا وأمريكا اللاتينية والخليج للتصويت لصالح حزب الله وتيار الجنرال ميشيل عون، ومغتربين من أرمن كاليفورنيا قدر عددهم بإثنى عشر ألفا للتصويت لصالح مرشحى الجنرال ميشيل عون.
بمعنى آخر نسخت الانتقادات بعضها البعض الآخر، فالأموال الأجنبية تدفقت للطرفين وإن بنسب متفاوتة، والتدخلات الخارجية لم تستثن منها قوة لها مصلحة فى نتائج الانتخابات، ورجال الدين لم يقصر الكثير منهم فى التدخل لصالح مرشح أو آخر من أبناء طائفته.
ورئيس الجمهورية تدخل بطرق شتى وحصل على نصيبه من الاعتراضات، بعضها يتعلق بالدور الذى لعبه شقيقه محافظ البقاع وبعضها الآخر يتعلق بتشجيعه الضباط والجنود على دفع عائلاتهم للتصويت لصالح مرشحين معينين.
هذه الانتقادات والاعتراضات شكلت فى مجملها حقيقة انتخابات عادية تجرى فى لبنان منذ استقلاله، لم تتغير عددا أو شكلا إلا فى أسماء دول وأسماء أشخاص.
***
حزب الله إلى أين؟
ليس سرا أن عملية مراجعة شاملة تجرى حاليا داخل صفوف حزب الله. ينفى القريبون من الحزب أن تكون المراجعة متضمنة خطاب الحزب السياسى، مؤكدين أن الخطاب السياسى مسألة محسومة وغير قابلة للجدل أو إعادة النظر.
بمعنى آخر لن يكون مقبولا فى ظل واقع عدم الفوز أن تقترب التيارات السياسية الأخرى داخلية كانت أم خارجية من قضية سلاح المقاومة أو طبيعة «الوظيفة القتالية» التى تميز حزب الله عن غيره من الأحزاب والتيارات السياسية فى لبنان، أو من موقفه فى الصراع العربى الفلسطينى ومن حق الفلسطينيين فى العودة، ومن هنا ولأسباب أخرى، يتأكد موقفه من مسألة رفض توطين الفلسطينيين فى لبنان.
يسود فى بيروت انطباع بأن الفترة المقبلة سوف تشهد هدوءا ورغبة عامة فى الابتعاد عن كل ما يمكن أن يثير الفتنة والاضطراب، ودليلهم على ذلك السرعة التى تحركت بها معظم القوى السياسية لمنع تدهور الموقف فى مدينة صيدا فى أعقاب محاولة الاعتداء على سيارة ابنة النائب أسامة سعد، زعيم التيار الناصرى. يعللون الرغبة فى الهدوء بأن الشعب، بجميع طوائفه، لا يريد الزج به فى حرب أهلية جديدة وأن حزب الله لا مصلحة له فى إضاعة مكتسباته على الأرض بعد أن أضاع فرصته فى الانتخابات النيابية، كما أنه لا مصلحة للمسيحيين فى الدخول فى مغامرات عنف بينما هم كطائفة فى أشد الحاجة إلى استعادة دورهم فى الحياة السياسية، والتخلص من وصمة «الذيلية السياسية» التى يوصمون بها. فالشائع الآن القول بأن المسيحيين فى لبنان يتورطون فى تحالفات داخلية يلعبون فيها دور التابع، سواء كانت تحالفات حكومية أم تحركات معارضة، على عكس الحال قبل أربعين أو خمسين عاما.
من ناحية أخرى، يبدو أن رسائل متعددة وصلت إلى بيروت من واشنطن، إحداها تلمح لشيعة لبنان بأن الاتصالات مفتوحة ومباشرة بين واشنطن والإمام خامنئى شخصيا، بما يوحى بأن إيران ربما تكون نصحت حزب الله بتهدئة حركته السياسية والابتعاد ما أمكنه عن مواجهات حاسمة أو حامية مع تيارات فى الداخل والخارج. قيل أيضا إن الرسائل ربما طلبت عدم إعطاء إسرائيل حجة للتدخل فى لبنان أو غيرها، وعدم تعميق الخصومة مع مصر التى تقوم بتنفيذ مهمة صعبة مع الفلسطينيين وإنها أى واشنطن وعدت جميع التيارات اللبنانية بأنها تعارض مبدأ التوطين وتتمنى عدم إثارته كقضية خلافية فى لبنان أو خارجه على الأقل خلال الشهور القليلة المقبلة.
مؤشرات النية إلى التهدئة عديدة، منها مثلا التوقف الكامل من جانب أجهزة الإعلام الحكومية التابعة لسعد الحريرى منذ إعلان نتائج الانتخابات عن الحديث عن سلاح المقاومة والغزو الفارسى للبنان وغزوة 7 مايو حين نزلت قوات حزب الله واحتلت معظم أحياء بيروت حتى إن أوامر صدرت بإزالة جميع الملصقات التى كانت تذكر أهل بيروت باحتلال حزب الله لها يوم السابع من مايو وعبارة السيد حسن نصر الله التى أثارت هلع أهل السنة حين وصف هذا اليوم بأنه يوم مجيد.
***
سوريا.. أى دور لها؟
لم يصدر عن الأحزاب الموالية لسعد الحريرى والحكومة أى انتقاد جدى يثبت أن سوريا تدخلت فى الانتخابات اللبنانية. الأكثر من ذلك، لا يشعر الزائر للبنان بأن سوريا كانت موجودة فى أى شكل ظاهر خلال الانتخابات أو قبلها مباشرة أو بعدها. يتحدثون فى لبنان عن هذه «الحقيقة الظاهرة» كدليل على أن سوريا لم تلعب أى دور فى هذه الانتخابات، على عكس جميع الانتخابات التى جرت فى لبنان منذ حصوله على الاستقلال.
على الرغم من هذا الاقتناع السائد فى لبنان، أجد نفسى غير مرتاح إلى خلاصته وإن كنت لا أختلف على تفاصيله أو على ما تردد حول الدوافع التى ربما دفعت سوريا إلى تجنب التدخل فى هذه الانتخابات. أعتقد أن سوريا بعدم تدخلها المباشر والصريح فى هذه الانتخابات أثرت فى مساراتها ونتائجها بأكثر مما كان يتصور أو يتوقع الكثيرون من خصومها.
فسوريا عندما لا تتدخل فى الشأن اللبنانى فإنها بعدم تدخلها تكون قد حرمت أطرافا سياسية وشخصيات فى لبنان من مزايا تدخلها، وعندما تحرم سوريا هذه الأطراف والشخصيات من الاستفادة المعتادة من تدخلها تكون قد منحت أطرافا أخرى فرصا لم تكن تتوافر لهم لو تدخلت سوريا كما تعودت أن تفعل. إن بعض نتائج هذه الانتخابات التى أثارت دهشة الكثيرين يعود الفضل فيها لسوريا التى لم تتدخل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.