ِبعد إعلان نتائج الانتخابات الإسرائيلية كان العامل الأبرز فى أغلب الصحف العالمية هو الانقسام والتشرذم داخل إسرائيل، الذى انعكس على الأصوات الانتخابية، وأدى إلى المأزق السياسى الراهن، حيث فازت وزيرة الخارجية السابقة تسيبى ليفنى بأغلب المقاعد لكن ليس الفوز الذى يمكّنها من تشكيل حكومة ائتلافية، وأقرب المتنافسين معها كان بنيامين نتنياهو اليمينى رئيس الوزراء السابق، وكلاهما أعلن فوزه وتمسكه برئاسة الحكومة المقبلة وأصبح لزاما على الرئيس الإسرائيلى شيمون بيريز تكليف أىٍ منهما بتشكيل الحكومة الجديدة. ومن ناحيتها، اعتبرت صحيفة «إندبندنت» البريطانية أنه رغم أن ليفنى زعيمة حزب كاديما المنتمى ليمين الوسط فازت بأغلب الأصوات لكن فرصتها ضئيلة فى التمكن من تشكيل حكومة ائتلافية، لأنها لن تجد مؤيدين كافين لها بعكس نتنياهو الذى قد يجد الأحزاب التى تدعمه بسهولة. وبالتالى يرى المحللون أنه سواء التحالف الذى قد تشكله ليفنى أو ذلك الذى قد يشكله نتنياهو فستكون النتيجة النهائية «تحالفا مهتزا». وصباح اليوم التالى للانتخابات نشرت صحيفة «يديعوت أحرونوت» صور ليفنى ونتنياهو على صفحتها الأولى وكل منهما يعلن فوزه فى الانتخابات. ونقلت عن بعض المعلقين قولهم إن ادعاء المتنافسين الفوز أظهر أن «إسرائيل خسرت»، فالشىء الوحيد الواضح الآن هو أن النظام السياسى تشرذم، وبقى أن يقرر الرئيس شيمون بيريز من سيتولى تشكيل الحكومة الجديدة. والاحتمال الأقوى طبقا للإعلام الإسرائيلى هو أن يدعم بيريز نتنياهو، لأن أغلب الأحزاب اليمينية ستسانده بعكس ليفنى. وفى نفس الإطار، قال كارلو سترنجر فى مقال بصحيفة «جارديان» البريطانية إن الانتخابات الأخيرة تركت إسرائيل «دون حكومة، ومشرذمة ومشلولة» فالكنيست الجديد سيتألف من 12 حزبا لا يملك أىٌ منها نسبة توازى ربع المقاعد بما يضمن له تأثيرا فى التصويت واتخاذ القرارات. وأضاف أن تلك النتائج عكست الارتباك واليأس الموجودين فى المجتمع الإسرائيلى نفسه. فبعد حملة انتخابية اعتمدت بالأساس على التخويف لم يكن هناك أى رسالة أمل فى إمكانية إرساء سلام مما جعل إسرائيل اليوم غير قادرة على التفكير فى أى خطوات جديدة نحو السلام. وأكد الكاتب أن المشكلة الأساسية اليوم هى أن الفلسطينيين والإسرائيليين على حد سواء لا يتمتعون بقيادات قوية قادرة على التحرك نحو الاتفاق فالفلسطينيون لا يقودهم شخص يشابه نيلسون مانديلا، والإسرائيليون ليس لديهم من هو قريب الشبه ب«دى كلارك»، وبالتالى فالطريقة الوحيدة لتفادى الكارثة هى أن تتدخل الولاياتالمتحدة وتضغط على إسرائيل والفلسطينيين للدخول فى عملية سلام تتعاون فيها الجامعة العربية لتحقيق اتفاق شامل وقابل للتطبيق لأزمة المنطقة. وفى إطار مشابه، قالت صحيفة «إنترناشيونال هيرالد تريبيون» الأمريكية إن كلا من نتنياهو وليفنى فى مأزق الآن، حيث يخوضان معركة شرسة على قيادة الحكومة الجديدة، واعتبرت أن تشكيل تحالف حكومة سيتم بصعوبة كما سيستغرق وقتا. وتركت الصحيفة السؤال مفتوحا حول من أقرب للفوز برئاسة الحكومة، مشيرة إلى أن كليهما لديه فرصة متقاربة: ليفنى «الداعمة للسلام مع الفلسطينيين»، ونتنياهو «الأكثر تشددا». ونقلت عن معلقين قولهم إن الفوضى السياسية ستظل لأسابيع. فالطبيعى هو أن يتم تكليف رئيس الحزب الفائز فى الانتخابات بتشكيل الحكومة، إلا أن كتلة الأحزاب اليمينية التى تؤيد نتنياهو تمثل عقبة صعبة فى طريق وزيرة الخارجية السابقة، حيث فاز اليمين بمقاعد أكثر من اليسار، وبالتالى إذا أيدت الأغلبية نتنياهو فسيكلفه بيريز بتشكيل الحكومة المقبلة. وأشارت صحيفة «حريت» التركية إلى المأزق نفسه، مؤكدة أن المحصلة النهائية للانتخابات الإسرائيلية هى «لا فائز ولا خاسر»، ووصل المناخ السياسى فى إسرائيل إلى حالة من الجمود يمكن أن تستمر لأسابيع وهو ما من شأنه أن يضر بالجهود المبذولة للتوصل إلى هدنة فى قطاع غزة. فكل من ليفنى ونتنياهو فى نظر «حريت» فاز وخسر فى الانتخابات فى نفس الوقت. فمع فوز كاديما بأكبر عدد للمقاعد خسرت الأحزاب اليسارية ولم تتمكن من الحصول على 60% من مقاعد البرلمان، مما يؤهلها لتشكيل ائتلاف بسهولة، وعلى العكس خسر نتنياهو وحزبه «الليكود» المركز الأول فى عدد المقاعد فى الكنيست إلا أن الأحزاب اليمينية المؤيدة له كسبت عددا من المقاعد أكبر من تلك التى فاز بها اليسار. والآن الكرة فى ملعب الرئيس شيمون بيريز ليقرر من سيشكل الحكومة الجديدة. وعلى صعيد متصل، ذكرت صحيفة «كريستيان ساينس مونيتور» الأمريكية أن ليفنى قد تكون رئيسة الوزراء الإسرائيلية الأولى منذ السبعينات حين قادت جولدا مائير الحكومة، لكنها تواجه مأزقا كبيرا فى تشكيل الائتلاف الحكومى، خاصة إذا كانت تريد ائتلافا يمكنه الاستمرار فى عملية السلام مع الفلسطينيين والجيران العرب. ويرى المحللون أن الأحزاب اليسارية لا تمتلك عددا كافيا من المقاعد لتشكيل مثل هذا الائتلاف وقد تحتاج أن تطلب من منافسها حزب الليكود أن يكون جزءا من الحكومة أو حزب «إسرائيل بيتنا» اليمينى المتطرف الذى أصبح ثالث أكبر الأحزاب الإسرائيلية. ونقلت الصحيفة عن جادى ولفسفد أستاذ العلوم السياسية فى الجامعة العبرية بالقدس قوله إن «ليفنى ستواجه صعوبة أكثر من نتنياهو فى تشكيل تحالف حكومى، لأن الأخير لديه حلفاء طبيعيون من اليمين المتطرف بعكس ليفنى التى لن يمكنها تشكيل حكومة بدون المقاعد الخمسة عشر التى فاز بها حزب إسرائيل بيتنا بقيادة أفجيدور ليبرمان». وعلى صعيد آخر، اهتم ديفيد بلير بالتركيز فى صحيفة «تليجراف» البريطانية على وضع حزب العمل الإسرائيلى بعد الانتخابات التى ظهر خلالها ضعيفا إلى حد كبير وتراجع كثيرا، وبالتالى كانت النتيجة هى «إذلال» الحزب اليسارى، وتركت علامة استفهام كبيرة حول مستقبل وزير الدفاع ورئيس الحزب إيهود باراك، الذى أعلن قبل الانتخابات بوضوح قاطع أنه فى حال عدم فوز حزبه ب20مقعدا فلن يقبل الاستمرار فى منصبه كوزير للدفاع. وبعد النتيجة كانت نبرته مختلفة كثيرا، حيث أعلن أنه «سيستمر طالما كانت لديه القوة»، مؤكدا أن على الحزب «التعلم من أخطائه».