تنتظر إسرائيل مرحلة صعبة ومعقدة ، سواء كان من سيكلف بمهمة تشكيل الحكومة المقبلة هو بنيامين نيتانياهو زعيم المعارضة أو تسيبي ليفني وزيرة الخارجية. فقد أدت النتائج المتقاربة للانتخابات التي أجريت يوم الثلاثاء إلى حدوث مأزق سياسي , ودفعت كلا من الأقل حظا في الفوز ليفني زعيمة حزب كاديما - من أحزاب الوسط - والأوفر حظا في الفوز نيتانياهو زعيم حزب الليكود المتشدد إلى أن يعلن كل منهما الفوز. وقالت ليفني - 50 عاما - إنها فازت لأن حزبها حصل على 28 مقعدا محتفظا بموقعه كأكبر حزب بالكنيست البالغ عدد مقاعده 120 مقعدا. أما نيتانياهو - 59 عاما - فقد أعلن أنه فاز لأن حزبه الليكود ضاعف عدد مقاعده لتصل إلى 27 مقعدا , وأن كتلة الجناح اليميني التي يتزعمها الحزب صارت تستحوذ على أغلبية المقاعد - 65 مقعدا - بعد أن كانت تمثل أقلية بمقاعدها الخمسين في البرلمان الإسرائيلي ، الأمر الذي يمنحه فرصا أفضل بلا أدنى جدال في تشكيل ائتلاف. وهكذا عادت كتلة الجناح اليميني بقوة وهي التي كانت تحتل موقع المعارضة على مر الأعوام الثلاثة الماضية وتجد نفسها الآن تقترب من سدة السلطة , أما أفيجدور ليبرمان وهو من الصقور والذي خاض حملته رافعا شعار طرد عرب إسرائيل من البلاد وعدم التهاون مثقال ذرة تجاه حماس في غزة وحزب الله في لبنان والقدرات النووية الإيرانية فإنه يبرز كرئيس لحزب قومي متطرف قوي. ويمكن القول إن جناح اليمين بات الآن قويا مثلما كان في 2003 تقريبا , عندما كان يملك غالبية المقاعد - 69 مقعدا - في الكنيست منها 38 مقعدا لحزب الليكود الحاكم آنذاك برئاسة رئيس الوزراء آرييل شارون. وكان شارون قد أطاح قبل ذلك برئيس الوزراء الأسبق إيهود باراك زعيم حزب العمل الذي يمثل يسار الوسط , وذلك في انتخابات منفصلة خاصة باختيار رئيس الوزراء في فبراير 2006 , والتي تم إجراؤها بعد شهور فقط من اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية عقب المأزق الذي وصلت إليه مفاوضات السلام. وفي ظل استمرار الانتفاضة حقق حزبه الليكود فوزا كاسحا في الانتخابات البرلمانية بعد ذلك بعامين وآلت له السيطرة على الكنيست. وجاء رد فعل الزعماء ووسائل الإعلام في أوروبا والدول العربية وفي غيرها من بقاع العالم مفعما بالصدمة والفزع والتشاؤم إزاء هذا الجنوح نحو اليمين في إسرائيل. وفيما يتعلق بالانتخابات الأخيرة قال الخبراء السياسيون في إسرائيل إن هذا الانعطاف الحاد نحو اليمين في هذه الانتخابات هو بالمثل نتيجة لغياب الثقة في عملية السلام , ونتيجة لتجدد العنف المتمثل في تصاعد الهجمات بالصواريخ التي تطلق من غزة عقب فوز حركة حماس في الانتخابات البرلمانية الفلسطينية واستيلائها على القطاع فيما بعد. وفي حين تجعل الأغلبية اليمينية القادرة على عرقلة القرارات في الكنيست مسألة تحقيق أي اختراق في عملية السلام في الأعوام القادمة تبدو بعيدة المنال فإن هذا التعادل الفعلي بين ليفني ونيتانياهو قد أثار المخاوف أيضا من حدوث حالة من الشلل السياسي الداخلي في إسرائيل. وواقع الحال يقول إن الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز ، الذي يتعين عليه اختيار مرشحا لتشكيل الحكومة القادمة في غضون سبعة أيام من إعلان النتائج النهائية ، يواجه قرارا صعبا , والمرشح الأكثر احتمالا سيكون نيتانياهو لكن في الوقت نفسه سيكون من الصعب على بيريز تجاهل الإنجاز غير المتوقع من جانب ليفني بحصولها على أكثر المقاعد. والآن هناك احتمالان رئيسيان ممكنان بالنسبة لتشكيل الائتلاف : ائتلاف يميني بقيادة الليكود الذي يتزعمه نيتانياهو أو حكومة وحدة وطنية موسعة تتألف أساسا من الليكود و كاديما - سواء تكون برئاسة نيتنياهو أو ليفني أو بالتناوب بينهما كل عامين , ويمكن أن تضم هذه الحكومة أيضا حزب شاس الديني المتطرف أو حزب العمل أو ليبرمان أو جميعهم. لكن السيناريو الأول لا يرغب فيه نيتانياهو لأنه لا يريد أن يعتمد كلية على المزاج المتقلب لليبرمان والأحزاب اليمينية الصغيرة الأخرى , كما أن ذلك من شأنه أن يؤدي إلى توتير علاقاته بالإدارة الأمريكيةالجديدة وأوروبا. أما السيناريو الثاني أي تشكيل حكومة وحدة وطنية موسعة فيعد مقبولا بصورة كبيرة , ليس فقط بالنسبة لليفني ولكن أيضا بالنسبة لنيتانياهو حيث يمكنه من مجابهة التحديات الرئيسية التي تواجه إسرائيل حسب تقديره. فإذا كان يريد مهاجمة المنشآت النووية في إيران لمنعها من امتلاك القدرة على صنع قنبلة ذرية فإن الحصول على اتفاق واسع في الآراء بدلا من الاكتفاء بموافقة حكومة يمينيه محدودة سيفيده بشكل أفضل , وإذا كان يريد مهاجمة حماس في غزة فيمكنه الاستفادة من خبرة وزير الدفاع إيهود باراك زعيم حزب العمل أو قائد الجيش السابق الذي ينتمي إلى حزب كاديما شاؤول موفاز , وفي ظل الأزمة المالية العالمية سيؤدي تشكيل ائتلاف موسع إلى تسهيل تمرير الموازنة وخطط التحفيز الاقتصادي. لكن لماذا توافق ليفني على الانضمام إلى حكومة وحدة وطنية يرأسها نيتانياهو إذا - بالنظر إلى شعورها بالتبرم حتى مع فوزها بفارق ضئيل بوسعها الوصول إلى مقعد رئاسة الوزراء طبقا لاتفاق يتم بمقتضاه تولي هذا المنصب بالتناوب ويمكنها التهديد بالانتقال إلى المعارضة في حالة عدم تلبية ذلك المطلب؟ وفي المقابل ليس لدى نيتانياهو أيضا ، الذي يحظى بتأييد ليبرمان وكتلة الجناح اليميني ، ثمة دافع يجعله يقبل الانضمام إلى حكومة وحدة وطنية ترأسها ليفني فقط. وفي هذا الصدد كتب المعلق السياسي سيما كادمون بصحيفة "يديعوت آحرنوت" الإسرائيلية قائلا يوم الأربعاء : "إذا كان نيتانياهو لا يريد حكومة يمينية تسبب له وللبلاد قاطبة أيضا الحرج أمام العالم وإذا تصرفت ليفني بحسم فإنه سيكون في مقدورها أن تطالب باتفاق يقضي بتناوب تولي المنصب". لذلك تبدو عملية الاتفاق على تولي المنصب بالتناوب حلا توافقيا ممكنا لكن الأيام أو الأسابيع القادمة هي فقط التي ستكشف عن ذلك. في غضون ذلك كتبت صحيفة "معاريف" قائلة إن النظام السياسي لإسرائيل قد خلق "مأزقا" و"طريقا مسدودا" و"ورطة حقيقة".