أخيراً سيصبح للبنان رئيس بعد أكثر من عامين في الفوضي والاضطراب.. سوف تنفرج أزمة الرئاسة الشاغرة بعد التحول الكبير الذي حدث بإعلان سعد الحريري رئيس "تيار المستقبل" بشكل مفاجئ دعمه وتأييده لترشيح خصمه اللدود الجنرال ميشيل عون 83 سنة لرئاسة الجمهورية.. وميشيل عون. كما هو معروف. حليف لبشار الأسد وإيران وحزب الله. وكان البرلمان اللبناني قد فشل علي مدي 45 جلسة في انتخاب رئيس للبلاد.. وحتي بعد أن أعلن سمير جعجع زعيم حزب القوات اللبنانية دعمه لميشيل عون قبل عدة أشهر لم يحصل عون علي النصاب القانوني في البرلمان لانتخابه.. لكن بعد انضمام تيار سعد الحريري له صار الطريق مفتوحاً والفوز بالمقعد الرئاسي مضموناً رغم انحياز نبيه بري رئيس البرلمان وزعيم حركة أمل الشيعية ووليد جنبلاط زعيم الدروز.. ويراهن كثيرون علي أن موقف الرجلين سوف يتغير خلال الأيام القليلة القادمة. وقد جاء تراجع الحريري عن دعم سليمان فرنجية أقوي منافسي عون والذي يحظي بدعم سعودي بمثابة انقلاب أخل بتوازن القوي في الداخل اللبناني لصالح الشيعة علي حساب السنة.. وأربك موقف السعودية التي كان نفوذها في لبنان يستند إلي سعد الحريري وتياره. لكن الحريري أعلن أن هذا التحول أو الانقلاب في موقفه من دعم فرنجية إلي دعم عون تم في إطار اتفاق سياسي يضمن عدم تعديل النظام الذي أقر في "الطائف" إلا في إطار إجماع وطني.. وأن يكون لبنان وطناً للجميع وهو عربي الهوية.. واطلاق عجلة الدولة وفرص العمل والخدمات الأساسية.. وتحييد الدولة اللبنانية بالكامل عن الأزمة السورية ورغم إعلان الحريري أن الاتفاق الانقلاب جاء بعد مشاورات استمرت أكثر من شهر مع مختلف الفرقاء السياسيين إلا أن كل الشواهد تؤكد أن الانقلاب كان مفاجئاً حتي بالنسبة لأقرب مساعديه.. ففي الوقت الذي كان يعلن فيه الحريري عن التحول الكبير كان حليفه القوي وأقرب المقربين إليه في تيار المستقبل فؤاد السنيورة رئيس وزراء لبنان الأسبق يزور القاهرة ويدلي بحديث صحفي للأستاذ مكرم محمد أحمد نشرته "الأهرام" يوم السبت الماضي.. وكان عنوانه الأبرز: "متي يكون للبنان رئيس".. ويتضح من مضمون الحوار أن الرجل لا يعرف شيئاً عن المباحثات "السرية" بين الحريري وعون.. بل إنه تعمد أن يشن حملة ضارية في هذا الحوار علي عون وحزب الله الذي وصفه بأنه مجرد أداة لطهران.. وهناك تسريبات عن معارضة مجموعات مؤثرة داخل تيار المستقبل لانقلاب الحريري المفاجئ واستمرارهم في دعم سليمان فرنجية.. وعلي رأس هذه المجموعات فؤاد السنيورة. ليس جديداً أو غريباً في السياسة العربية أن يفعل الزعيم ما يشاء بعيداً عن أقرب مساعديه ومستشاريه.. وبعض الزعماء يتباهي بالصدمات والانقلابات التي يحدثها.. لكن الذين حاولوا تفسير انقلاب سعد الحريري أرجعوه إلي فتور علاقته بالسعودية في الفترة الأخيرة بعد أن شاع خبر إساءته للأمير محمد بن نايف ولي العهد ووزير الداخلية السعودي.. أضف إلي ذلك أنه توصل في مباحثاته مع عون إلي صفقة يعود بها إلي منصب رئاسة الوزراء عندما يتولي عون الرئاسة ويبقي نبيه بري في منصبه الحالي رئيساً لمجلس النواب. بقي أن تعرف أن الجنرال ميشيل عون كان قائداً للجيش اللبناني إبان الحرب الأهلية اللبنانية التي اندلعت في الثمانينيات من القرن الماضي واستمرت 15 عاماً.. وفي عام 1990 أعلن الحرب علي القوات السورية المنتشرة في لبنان.. ثم أجبر علي الفرار إلي السفارة الفرنسية في بيروت وعاش في منفي اختياري بفرنسا لسنوات وعاد بعد اغتيال رئيس الوزراء رفيق الحريري عام 2005 وانسحاب القوات السورية ليفاجيء الجميع بتحالفه مع حزب الله وبشار الأسد وإيران.