لست من غلاة المتحمسين للدراما المصرية.. ولا أعتقد أنني شديد المبالغة عندما أسجل انبهارى الكبير بالحفلة العظيمة التى أقامها أحد كبار رجال الأعمال فى مصر فى عزبته الخاصة.. ودعا إليها كبار المسئولين وذوى النفوذ فى البلاد، والى قدمها المخرج الشاب رامى الإمام.. فى الحلقة الأولى من مسلسل (العراف) الذى يلعب والده بطولته. هذه الحفلة.. بكل تفاصيلها ودقائقها وشخصياتها وأجوائها.. وحواراتها المقتضبة.. وغمزات العين البارعة التى يوجهها المخرج بين الحين والآخر إلى جمهوره.. حدث فريد فى الدراما المصرية وإخراجها.. ذكرتنى بشكل عفوى.. بالحفلة الكبيرة التى ابتدأ بها فرنسيس فورد كوبولا الجزء الأول من ثلاثيته الشهيرة المسماة بالمرآب (الأب الروحى). الاتقان نفسه.. الإبداع الانفراجى.. القدرة على التحكم بالمجاميع.. العناية بالتفاصيل الصغيرة.. المهارة فى تقديم الشخصيات.. الإبداع فى خلق الجو.. والحركة.. وتغطيات الكاميرا.. ضربة معلم.. وأستاذية فى الإخراج.. تبشرنا بولادة مخرج حقيقى له باع طويل، ويمكن أن ننتظر منه الكثير والكثير جداً. ثم هذه القدرة المدهشة على خلق التوازن بين جو الحفلة الأسطوري، وجو العشوائيات القريب من العزبة.. والذى يشتعل فيه حريق يدمر الأخضر واليابس متزامناً مع الألعاب النارية التى تضى سماء العزبة.. التى تبدو كأنها تعيش فى عالم مختلف.. عالم قد وضع نظارة سوداء على عينيه فلم يعد يرى مما حوله شيئاً. وما دمنا نتحدث عن (العراف) لابد لنا أيضاً.. أن نحيى نجماً شاباً تألق فى أكثر من مسلسل هذا العام، وأضاء بموهبته الفذة كلمات كثيرة تراكمت حوله.. إنه الفنان الكبير زكى فطين عبدالوهاب الذى يلعب فى هذا المسلسل دور رجل الأعمال الشهير.. يكفى أن نتأمل حركاته وانطباعاته وطريقة نطقه للكلام.. وردود أفعاله.. وتعبيرات وجهه، لنتأكد مما كنا نعرفه ونحس به.. إننا أمام فنان عملاق يولد أمام ناظرينا.. ويؤكد فى كل ظهور جديد له موهبته الفذة.. ووجوده العملاق.. وقدرته الخارقة على تجسيد الشخصية التى يمثلها بإبداع.. وعفوية.. وسلاسة.. يحسده عليها كبار نجومنا الذين تحيط بهم هالات المجد والشهرة.. زكى فطين عبدالوهاب.. هو نجم المستقبل بلا منازع.. فى حيز خاص به لا يمكن لأحد أن ينافسه فيه. موهبة أخرى.. تألقت بشدة وإبهار هذا العام.. هى السيدة مريم نعوم التى أطلت علينا بكتابة مسلسلين هما أجود ما قدمته الشاشة المصرية هذا العام.. موجة حارة.. عن قصة لأسامة أنور عكاشة باسم منخفض هندى حار، وإعداد درامى مكثف ومدقق لقصة صنع الله إبراهيم الشهيرة (ذات). فى كلا العملين أثبتت الثانية قدرة عالية على كيفية نقل نص أدبى إلى معادل بصرى مؤثر، وأثبتت فى هاتين التجربتين أن الأدب كان ولازال المصدر الحقيقى الرائع لأعمال درامية لا تشوبها شائبة. العملان تصدرا.. كافة الأعمال التليفزيونية المصاحبة، وأعادا الألق للأدب وإثبات عمق العلاقة بينه وبين الصورة السينمائية أو التليفزيونية، وهو بالتالى إشراق كبير لمولد كاتبة سيكون لها شأن كل الشأن فى مستقبلنا القريب.. كاتبة كنا نتمنى منذ زمن ظهورها.. وهاهى الآن تتألق على شاشاتنا حقيقة مضيئة.. فاتحة الأبواب الواسعة أمام كل الآمال المحيطة بها.. ولنا عودة فى هذا الشأن.