تصويت المصريين بالخارج فاق كل التوقعات» حيث شاهدنا إقبالاً ملحوظاً من الناخبين للإدلاء بأصواتهم. وهو تصويت لمصر واستقرارها قبل أن يكون لصالح أحد المرشحين للرئاسة..الأمر الذي يبعث برسائل مهمة للداخل والخارج ويوجه دون مبالغة صفعة علي وجه من دعوا لمقاطعة الانتخابات وحرضوا عليها ومن خططوا لإفشالها بالتشكيك في مصداقيتها تارة. وفي جدية المنافسة تارة أخري. المشككون في العملية الانتخابية من الإخوان ومن لف لفهم إنما أرادوا طمس كل إنجاز تحققه الدولة المصرية العائدة بقوة لمحيطها ودورها باءوا بفشل ذريع رغم مسعاهم الدءوب لإفشال الحياة السياسية في مصر» فلم يستطيعوا أن يفسدوا أو يعطلوا سير الانتخابات ولو في لجنة انتخابية واحدة بالخارج. وقد شنوا حرباً ضروساً ضد مصر وعرسها الانتخابي وهي الحرب التي جرت منذ فترة ولا تزال تستهدف أعمدة الدولة بعمليات إرهابية يائسة تارة وبعملية تشويه إعلامي منظم تارة أخري. المصريون بالخارج ضربوا أروع الأمثلة في الوعي والوطنية والولاء والحرص علي مناصرة دولتهم في ساعة الشدة فتوافدوا بأعداد فاقت كل تصور علي لجان الانتخاب. مؤمنين بأن الإدلاء بأصواتهم أمانة تقتضيها المسئولية الوطنية وتجسيد حقيقي لإرادة شعب يقدم للعالم كله دليلاً لا يقبل التشكيك علي مصداقية الانتخابات وأن نتائجها مهما تكن هي تجسيد واقعي لإرادة شعبية حقيقية لا تزال قائمة تختار من يمثلها في سدة الحكم ومؤسساته المختلفة. جاهد مصريو الخارج مشقة الوصول للجان وعوائق الطبيعة من برودة في الجو وبعد في المسافة بين مقار إقامتهم وأماكن اللجان. وانحازوا لبلدهم منتصرين علي ما تروجه كتائب الشر من افتراءات هدفها إضعاف الروح المعنوية للمصريين وبث الوهن في نفوسهم واليأس في قلوبهم حتي ينصرفوا عن أي مشاركة جادة في شئونهم العامة..وصدق من قال إن المصريين يصنعون التاريخ كعادتهم ويكتبون لأنفسهم وللعالم كله تاريخا جديداً يبدأ بمنطقتهم ذات الأهمية الإستراتيجية البالغة عبر اختيار حر لرئيس تعلقت به الآمال وانعقدت عليه الثقة. أثبت المصريون مجددا وعيهم العميق بصعوبة المرحلة وما يحاك ضد بلدهم من مخططات ومؤامرات لإنهاكه وتركيعه وسلب خيراته ومقومات وجوده فخرجوا تعزيزاً لشرعية 30 يونيو بحسبانها ثورة شعبية كاملة الأركان وليست انقلاباً كما يفتري المغرضون كذباً وبهتاناً. الإقبال الملحوظ علي التصويت الانتخابي للمصريين بالخارج أعطي رسائل ومؤشرات مهمة لا تخطئها عين. أهمها أن انبعاثهم قد يكون حافزاً لأقرانهم بالداخل للخروج أيام 26 و27 و28 من الشهر الجاري لاختيار الرئيس ورسم ملامح المستقبل استمساكاً بحق دستوري أصيل. واختياراً للأصلح والأجدر بقيادة دولة بحجم مصر ومكانتها ..ولعلها تكون رصاصة الرحمة للفكر الإرهابي غير القابل للحياة مثلما وصفه الرئيس السيسي. انتخابات الرئاسة التي ستنطلق الاثنين المقبل ليست مجرد استحقاق دستوري أو عرس ديمقراطي أو تتويج لنجاحات ملموسة في الاقتصاد والأمن ومحاربة الإرهاب وغيرها وليست مجرد وسيلة لاختيار من يحكمنا بإراداتنا وإن كانت كذلك بالفعل ..لكنها فوق ذلك كله رسالة مهمة للمتآمرين والمتربصين بمصر هنا وهناك» رسالة مفادها أن مصر وأهلها في رباط إلي يوم الدين. وأن عجلة تغيير مصر للأفضل قد انطلقت ولن يقدر أحد علي إيقافها مادام شعبنا علي قلب رجل واحد. وأنها تأكيد لاستعادة الدولة هيبتها وروحها وفرض لإرادة الشعب علي من يحاولون تهميش دوره وصرفه عن واجبه وهي الإرادة الحرة التي أطاحت بالإخوان وكشفت مخططهم المريب. في الشدة تظهر معادن المصريين الحقيقية وقد رأيناها كثيراً عبر التاريخ . رأيناها حين هزموا التتار الهمج وتصدوا بجسارة للحملات الصليبية واستردوا الأرض والعرض في أكتوبر 1973. وحين استخلصوا آخر شبر من ترابهم الوطني من أيدي الإسرائيليين في طابا. وحين خرجوا في 30 يونيو للإطاحة بالحكم الفاشي للإخوان وحين أعطوا التفويض لقائدهم لمحاربة الإرهاب ..ولا تزال حكمة المصريين معيناً لا ينضب يتوهج حين يظنهم الآخرون قد خفت أو ضعف» لكنهم لا يموتون مهما ضعفوا أو مرضوا و يهبون من سباتهم كالمارد لا تنقصهم قوة ولا تعوزهم شدة ولا يثنيهم عن غايتهم عارض..فهل وصلت رسائل المصريين بالخارج لمن يعنيهم الأمر..؟! دلالات المشهد الانتخابي عديدة » فالمصريون تملكهم الخوف علي المستقبل بعد الذي عانوه غداة أحداث يناير وحتي اليوم. وها هم يتحرقون شوقاً لبناء دولة قوية طال استنزافها بأيدي الإرهابيين والخونة ..يريدون رئيساً قوياً صادقاً قادراً. يملك مؤهلات القيادة وجرأة اقتحام المشكلات واتخاذ قرارات مصيرية لم يجرؤ علي اتخاذها رئيس قبله..رئيساً يحبهم ويحبونه..يحنو عليهم حتي لو اتخذ قرارات صعبة عليهم لكنها تصنع مستقبلاً أفضل لأبنائهم وأجيالهم القادمة ..رئيساً يستجيبون لندائه بالعمل والكفاح والصبر حتي تعبر أمتهم محنتها ..رئيسا يدرك عمق الأزمة التي صنعها الإخوان ودبرها الأمريكان وأعانهم عليها حكام قطر وتركيا الذين استهوتهم أضغاث أحلام الزعامة ومناطحة الكبار وغرهم صمت مصر وحلمها إزاء ما يرتكبه البعض ضدها من حماقات سيأتي الحساب عليها لا محالة» فالتاريخ لا يرحم أبداً كل من أرادها بسوء. لكل هذا وغيره خرج المصريون بالخارج للتصويت في الانتخابات وسيخرج أقرانهم بالداخل بأعداد أكبر لأداء واجبهم نحو بلدهم ليأتوا برئيس قادر علي استكمال الإنجازات وتجفيف منابع الإرهاب وإحداث نهضة حقيقية في التعليم والصحة والاقتصاد واستعادة هيبة الدولة ودورها التاريخي» سعياً لانتشالها من براثن الفقر ووهدة التخلف والكسل إلي آفاق التنمية والتطور والعمل والإنتاج والاكتفاء الذاتي من الغذاء ..من الجدل والانقسام إلي التوافق والاصطفاف ..من الوهن إلي عودة الروح والقوة. ولعلها المرة الأولي التي يختار المصريون رئيسهم بمواصفات مسبقة لا خلاف عليها» رئيساً جربوه في مواقع المسئولية وارتكنوا إليه في ساعة الشدة فلم يخذلهم. ولا فضل سلامته وأمنه وراحته علي حساب وطنه..رئيساً يعرف حين يتكلم ماذا يقصد ولمن يوجه رسائله بكلمات عفوية موجزة لا تخطيء طريقها إلي القلوب ..رئيساً يؤمن بأن خير الكلام ما قل ودل..رئيساً واقعياً يحسب لكل موقف حسابه بدقة ويضع خططه وبرامجه وآليات تنفيذها ..يقرأ الحاضر بعيون المستقبل..وقد تبين صدق رؤيته حين تحسب عندما كان وزيراً للدفاع لخطورة سيطرة عصابة الإخوان علي حكم مصر وهو ما حدث بالفعل. يعرف المصريون رئيسهم لا يجامل غنياً علي حساب فقير. يقدر تضحيات الشهداء ويرعي أسرهم ولا يتخلي عنهم ..يدرك أن حربنا الحقيقية هي ضد التخلف والفقر والتطرف ..يدرك أن المعرفة قوة من يملكها يملك مفاتيح المستقبل ومن ثم فلا يكل عن متابعة كل ما يخص الشأن المصري في الداخل والخارج..يلم بتفاصيل المشهد العالمي وتركيبة الواقع المصري ..وكيف أن أزمتنا تكمن في فساد الإدارة وغياب الضمير والوعي ..رئيساً يحلم لمصر وليس لعشيرته أو بطانته أو شلته. إن أمانة الكلمة والمسئولية تقتضينا أن نتخلي عن حيادنا الواجب بوصفنا أصحاب رأي. معلنين انحيازنا بوضوح للمرشح الرئاسي الكفء الجدير بقيادة مصر في المرحلة المقبلة ..وهو ما أراه متحققاً في المرشح عبدالفتاح السيسي الذي جربناه وقد أدي الأمانة وأكثر. وعهدناه مهموماً بمصر وشعبها ومستقبلها لا يشغل نفسه بهدم الآخرين كما يفعل غيره بل هو منشغل ببناء الدولة ومجابهة التحديات بالعلم والكفاح والإرادة الشعبية المسئولة ..يملك زمام نفسه ويعرف أن كرسي الرئاسة يحرق من أراده جاهاً ونفوذاً وسلطاناً ..أما من أراده أمانة كلف بحملها ومسئولية جسيمة فإن الله معينه وناصره والشعب ظهيره وسنده ..فمن طلب شيئاً وكِّل به ومن طُلب إلي شيء أُعين عليه. لم يتورط السيسي خلال حواراته في النرجسية ولا الإساءة لأحد ولا أفرط في الوعود والأماني بل تبسط في عرض رؤيته وتحلي بالموضوعية والصدق والواقعية ولو علي حساب شعبيته ومستقبله السياسي ..لا يعبأ إلا بمصلحة مصر» ومن ثم فقد مست كلماته شغاف القلوب..لا يميل الرجل إلي الانتقام أو الإقصاء وتصفية الحسابات بل يعلي دولة القانون والعدالة والصالح العام . ويفضل رعاية الفئات الأكثر احتياجاً وعوزاً..يدرك أن الأهداف الكبري يلزمها جهود أكبر وهمة أعلي وعزيمة أشد» فالنجاح ليس رهناً بإرادته وحده بل تسبقه إرادة الشعب ..يؤمن بالديمقراطية والحياة النيابية والحزبية القابلة للحياة وليس بوصفها قوالب جامدة بلا مضمون ولا مقومات رشيدة ..ديمقراطية تعني تحسين حياة الناس وتمكينهم من حقوقهم الأساسية. يدرك السيسي أن مصر في حاجة إلي نقلة نوعية فضاعف مساحات الأرض المزروعة ويسعي لمضاعفة الإنتاجية بالتوسع في إنشاء الصوبات الزراعية ومشروعات التصنيع الشامل ..كما يدرك بالدرجة ذاتها مقدار ما يعانيه المجتمع من ارتجال وعشوائية وتراجع الخطاب الثقافي والديني والإعلامي وتردي الحياة الحزبية ..ومن ثم فإننا بحاجة لخريطة طريق عاجلة لعلاج الفقر والأمية والفساد والبطالة وأزمة المياه والنهوض بالتعليم والصحة والبحث العلمي والوفاء بالتزامات الدولة وفق رؤية علمية تستند إلي آخر ما أنجزه العقل البشري وانتهت إليه خبرة البشر. لا تزال الدولة في حاجة لجهود شخصية مثل السيسي يملك روحاً وثابة ورؤية نافذة لمقومات الأمن القومي وضروراته وقدرة علي لم الشمل وتوحيد الصف ودفع البلاد للأمام وتحقيق النهوض الحقيقي والاستقرار المنشود..لكل هذا فنحن في حاجة إلي السيسي رئيساً لمصر ولاية ثانية.