سؤال: ماذا يعنى وقوف المصريين فى الخارج فى طوابير طويلة بمجرد فتح أبواب التصويت على الانتخابات الرئاسية بدءا من مساء الأربعاء الماضى؟!. سيجيب البعض قائلا إنه انتصار لخريطة الطريق ولثورة 30 يونيو، وسيقول البعض إنه ضربة لجماعات الإخوان ورهانها على عزوف المصريين عن التصويت خصوصا فى الخارج. المؤكد أن ما سبق هو إجابة صحيحة، لكنها ليست كاملة. جزء كبير من الذين شاركوا فى التصويت يرغبون فى عودة مصر إلى الاستقرار والحياة الطبيعية بعد ان دفعوا ثمنا فادحا من تعثر المرحلة الانتقالية منذ 25 يناير 2011. ليس عيبا أن ينزل المصرى إلى صندوق الانتخابات لكى يعيش حياة طبيعية خالية من الأرق والهموم والتوتر. لا يوجد إنسان ثائر طوال الوقت، الأصل فى الإنسان أن يكون طبيعيا، أن يكون لديه أمل فى وظيفة، وأن يتزوج وأن تكون لديه أسرة وحياة هانئة. ولذك فالمنطقى أن غالبية الذين وقفوا فى الطوابير يرغبون أن تستقر الأمور ليمارسوا حياتهم العادية. هذه النوعية التى تمثل غالبية المصريين هى التى نزلت تقريبا فى كل الاستحقاقات الانتخابية منذ 19 مارس 2011 وحتى هذه الانتخابات الرئاسية، أملا فى أن يعود الاستقرار. جماعة الإخوان وأنصارها فهموا تصويت هذه الفئة الكبيرة من المصريين فى انتخابات الرئاسة عام 2012 باعتباره تصويتا للجماعة وتفويضا لها بحكم الشعب لمئات السنين، وللاسف لم تقرأ الجماعة المشهد السياسى والانتخابى جيدا. هذه الكتل الضخمة تذهب إلى الصناديق كل مرة املا فى ان تستقر الأحوال. لكن كثرة النزول من دون حدوث أى تغيير حقيقى قد يصيب هذه الفئة باليأس ويدفعها إلى العودة إلى مقاعدها الطبيعية أى إلى الكنبة. الملايين التى نزلت إلى الشوارع والميادين فى المظاهرات الكبرى ثم وقفت فى طوابير طويلة أمام مقرات الانتخاب فى داخل مصر وخارجها ليست كلها أعضاء فى الأحزاب، بل إن غالبيتهم مواطنون عاديون يريدون فقط أن يعيشوا مثل «كل خلق الله فى العالم». بطبيعة الحال فإن المؤشرات الأولى للنزول الكثيف للمصريين فى الخارج تبعث برسالة لا لبس فيها إلى جماعة الإخوان خلاصتها أن رهانكم على العودة إلى الوراء لن ينجح، وأن رهانكم على الخارج ايضا محكوم عليه بالفشل. لكن فى المقابل فإن هذا النزول ورغم أنه تأييد لثورة 30 يونيو ولخريطة الطريق فإنه رسالة إلى عبدالفتاح السيسى أو حمدين صباحى وكل أهل الحكم الحاليين والمستقبلين بأن المصريين أعطوكم الثقة، لكن الحساب سيكون عسيرا إذا حدث أى تقصير أو فشل لا قدر الله. ينبغى أن يكون هذا هو المعنى الذى سيصل إلى السيسى وصباحى ولكل من يهمه أمر هذا البلد. المصريون العاديون لم يقصروا، خرجوا بالملايين واسقطوا مبارك، ثم وقفوا فى كل طوابير الانتخابات بشجاعة، وأثبتوا أنهم أكثر وعيا من كثير من النخبة، وبالتالى فإن استمرار تعثر أهل السياسة منذ فبراير 2011 قد يدخل مصر فى مراحل غاية فى الخطورة. على الإخوان أن يلتقطوا الرسالة ويدركوا أنهم خسروا هذه الجولة وعلى الرئيس المقبل أن يدرك أن الجمرة أو كرة اللهب تقترب من الاستقرار بين يديه.