لاشك أن الكون قائم علي ميزان عدل في الحقوق والواجبات. فكما قال الإمام علي بن أبي طالب "رضي الله عنه": إن الله "عز وجل" قسّم أقوات الفقراء في أموال الأغنياء. فلو أخرج جميع الأغنياء زكاتهم وصدقاتهم. وتعفف من لا يستحق. وعمل من يستطيع العمل. وذهبت الزكاة والصدقات إلي من يستحق. لما وجدت جائعًا أو محرومًا. ومن هنا كانت فكرة فضيلة الإمام الأكبر أ.د. أحمد الطيب شيخ الأزهر في إنشاء بيت الزكاة والصدقات المصري. لمواجهة حالات الجوع والفقر والحرمان ورفع أو تخفيف المعاناة عن الطبقات الأكثر فقراً والأشد احتياجًا. كما كانت البداية بتوجيه فضيلته لسداد ديون بعض الغارمات السجينات كنقطة انطلاق أولي يقوم بها الأزهر الشريف لتفريج كرب هؤلاء الغارمات. وقد أكد فضيلة الإمام في حديثه علي أهمية الزكاة وأنها حق الله وحق الفقراء في المال. ولا شك أن المال إنما هو مال الله "عز جل". حيث يقول سبحانه: "وآتوهم من مال الله الذي آتاكم" "الأنبياء: 33". ونحن مستخلفون فيه. ويقول سبحانه: "وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه" "الحديد: 7". فمن أحسن الاستخلاف بورك له فيه. ومن لم يحسن كانت نعمته عرضة للزوال. يقول الحق سبحانه: "وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد" "إبراهيم: 7". ويقول نبينا "صلي الله عليه وسلم": "إن لله عند أقوام نعماً. أقرها عندهم ما كانوا في حوائج المسلمين. ما لم يملوهم. فإذا ملوهم نقلها إلي غيرهم" "الطبراني". ويقول الحق سبحانه: "ها أنتم هؤلاء تدعون لتنفقوا في سبيل الله فمنكم من يبخل ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه والله الغني وأنتم الفقراء وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم" "محمد: 38"..وقد شدد الإسلام علي إخراج الزكاة. وجعلها الركن الثالث من أركان الإسلام فتكرر الحث علي إيتائها "وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة" في مواضع عديدة من القرآن الكريم. وقال نبينا "صلي الله عليه وسلم": "بني الإسلام علي خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والحج وصوم رمضان" "البخاري". وعندما أرسل "صلي الله عليه وسلم" سيدنا معاذ بن جبل "رضي الله عنه" إلي اليمن قال له: "يا معاذ إنك تأتي قومًا من أهل الكتاب فادعهم إلي شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة. فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم. فإن هم أطاعوا لذلك فإياك وكرائم أموالهم واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب" "مسلم". وحث الإسلام علي الصدقة فقال الحق سبحانه: "خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها" "التوبة: 103". وقال سبحانه: "إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيراً والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجراً عظيماً" "الأحزاب: 35". وقال نبينا "صلي الله عليه وسلم": "ما نقص مال من صدقة" "مسلم". وفي رواية: "ثلاثة أقسم عليهن. وأحدثكم حديثاً فاحفظوه: ما نقص مال عبد من صدقة. ولا ظلم عبد مظلمة فصبر عليها. إلا زاده الله بها عزاً. ولا فتح عبد باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر" "الترمذي". وقال "صلي الله عليه وسلم": ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقاً خلفاً. ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكاً تلفاً" "البخاري". ويقول "صلي الله عليه وسلم" "خير الصدقة أن تصدق وأنت صحيح شحيح تخشي الفقر وتأمل الغني. ولا تمهل حتي إذا بلغت الحلقوم" "متفق عليه"..وحذر الإسلام من كنز المال وعدم إخراج حق الله فيه. فقال سبحانه: "والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونه في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم" "التوبة: 37". وقال نبينا "صلي الله عليه وسلم": "ولا صاحب بقر ولا غنم لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة بطح لها بقاع قرقر لا يفقد منها شيئا ليس فيها عقصاء ولا جلحاء ولا عضباء تنطحه بقرونها وتطؤه بأظلافها كلما مر عليه أولاها رد عليه أخراها في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتي يقضي بين العباد فيري سبيله إما إلي الجنة وإما إلي النار" "مسلم". وقد حدد الإسلام الأصناف المستحقة للزكاة فقال الحق سبحانه: "إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم" "التوبة: 60". وفتح باب الصدقات واسعاً ليستوعب كل وجوه الخير. ويأتي تشكيل مجلس أمناء بيت الزكاة برئاسة فضيلة الإمام الأكبر ونخبة من خيرة الرجال والنساء الوطنيين ليشكل أملا للفقراء والمحتاجين وأصحاب الحوائج من جهة. وقناة آمنة للمزكين والمتصدقين الذين يبحثون عن قنوات آمنة ليضعوا فيها أموالهم من جهة أخري. بحيث يكونوا علي يقين من أنها ستصل إلي مستحقيها الحقيقيين. وأنها لن تقع في يد المتطرفين أو الارهابيين أو المتاجرين بالدين. وأستطيع أن أقول من خلال معرفتي بفضيلة الإمام وشرف الاتصال به عن قرب: إنه سيبذل أقصي جهده لتحقيق أكبر قدر من الشفافية والاستخدام الأمثل لأموال البيت وفق فقه المقاصد وفقه الأولويات. حيث أعلن بوضوح أن البيت ملك للفقراء وقد أنشيء لأجلهم. فهم أمانة في أعناقنا جميعًا. وسيركز البيت علي سد الجوعة. وستر العورة. وكشف الكرب. وتحسين الخدمات الصحية والتعليمية للفقراء ولأبنائهم. مع العناية بالشباب والفتيات ممن هم في حاجة إلي الدعم والمساندة والاحتياج الحقيقي لخدمات بيت الزكاة والصدقات المصري الذي نأمل أن يصل يومًا ما وبجهود أبناء مصر الأبرار إلي تحقيق الكفاية للمحتاجين من أبناء الوطن جميعًا.