الصدقة نظام اجتماعي أقره الإسلام وجعله عبادة من وسائل القرب من رضوان الله، وحبذ فعله ورتّب عليه جزيل الثواب، فمن أراد أن يرفعة الله في دنياه فعليه بالصدقة، ومن أراد رفعة لآخرته فعليه بالصدقة، وهي وسيلة لإدراك رضوان الله، ألا ترون معي قول الكافر والمؤمن الذي وافته المنية فالله، يقول فيه: {وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ }المنافقون10. فالإنفاق في سبيل الله هو مناط الرضوان، وتدبر قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ }المعارج26؛ فهي هنا تعني كل الأعمال الصالحة وفي مقدمتها الإنفاق والصدقة في سبيل الفلاح في الآخرة. ويقول سبحانه: {إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ }الحديد18. ولقد جعل الله الفدية أصناف منها الصدقة فقال تعالى: [...فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ...]196 البقرة. وقد جعل الله الخير في الصدقة فقال تعالى: {لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً }النساء114، فالأجر العظيم ينتظر المتصدقين المخلصين لله. والصدقة وسيلة للطهارة وتزكية النفس عند الله، فيقول تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }التوبة103. وللإنفاق دروب فهو إما أن يكون سرا أو علانية لكن المهم لا يتبع الإنفاق منا ولا أذى، وبشأن أنواع بذل الصدقة يقول تعالى: {إِن تُبْدُواْ الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاء فَهُوَ خَيْرٌ لُّكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ }البقرة271؛ فالصدقة وسيلة من وسائل تكفير الذنوب. ولقد وعد الله أن يزيد ثواب الصدقة فقال سبحانه: {يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ }البقرة276. ومن له دين عند معسر فتصدق عليه به فهو تكفير لذنبه وخير له: {وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ) البقرة280. ولقد بين الله المستحقين للصدقة قائلا سبحانه: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }التوبة60. ولا ننتظر أن يغنينا الله حتى نعلم قيمة الصدقة بعد فوات الأوان، لكن تصدقوا ولو بشق تمرة: {وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ }التوبة75. والله هو الذي يأخذ الصدقات وليس الفقير فتلكم هي حقيقة الأمر: {أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ }التوبة104. فهيا كن من أحد هذه الفئات الناجية التي من بينها المتصدقين والمتصدقات، حيث يقول تعالى: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً)الأحزاب35.ولقد أقامت تركيا نهضتها الاجتماعية والاقتصادية بأن كانت البداية عندهم بدأت من باب الصدقة وقد كانت تركيا مشرفة على انهيار اقتصادي، فالعدالة الاجتماعية ، والشعور بالآخرين، ومعاونة المحتاجين تجعل من الظلمة نورا ومن الشر خيرا وفلاحا, لذلك أدعوكم لكثرة البذل في سبيل الله