ألقى فضيلة الشيخ على عبد الرحمن الحذيفي ، خطبة تراويح بعنوان " الزكاة .. حكم وأحكام"، بمسجد النبوي الشريف بالمدينة المنورة المملكة العربية السعودية، حيث تناولت الخطبة، حكم الزكاة وبعض منافعها ومقاصِدها ،فضل إخراج الزكاة ووعيد من بخل بها ،الأموال التي تجب فيها الزكاة وأنصبتها ،بعض فضائل النفقات الواجبة والمستحبة غير الزكاة ،بعض خصائص رمضان وفضائله. حيث أوضح خلال الخطبة أن الزكاة ركن أساسي وفريضة على كل مسلم، فرضَها الله للتكافُل الاجتماعيِّ بين المُسلمين، لافتا إلى أنها وأوجبَها لقضاء حاجات الفقراء والمساكين؛ إحسانًا إلى الخلق، وثوابًا لفاعلِها. وأكد إلى أن لزكاة فوائد ومنافعُ كثيرة، ولها مقاصِدُ عظيمة؛ فمن ذلك: تطهير القلوب من الشُّحِّ والبُخل والرَّذائِل، مستشهدا بقول الله تعالى-: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ) . وإليكم نص الخطبة الحمد لله، الحمد لله الغني الحميد، ذي العرش المجيد، أحمدُ ربي وأشكُره، وأتوبُ إليه وأستغفِرُه. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له فعَّالٌ لما يُريد. وأشهد أن سيدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه المنصورُ بأعظم التأييد، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولِك محمدٍ، وعلى آله وصحبِه المُتَّبعين للأمر الرشيد. أما بعد: فاتقوا الله -تعالى- بفعل الخيرات، وترك السيئات. أيها المسلمون: اعلموا أن تعاليم الدين الحَنيف ترجعُ كلُّها إلى أمورٍ ثلاثةٍ، هي: الإحسان إلى النفس، والإحسان إلى الخلق، وكفُّ الأذى والشرِّ عن الخلق. الإحسانُ إلى النفس بأنواع العبادات، والإحسانُ إلى الخلق بأنواع الخير، قال الله تعالى: (وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) . وقال تعالى: (وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) . وقال عز وجل: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) . ووصفَ الله المؤمنين بالإحسان إلى النفس، والإحسان إلى الخلق، وبكفِّ الأذى والشرِّ عن الناس، فقال تعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيرحمهم الله إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) . وقال تعالى: (وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا) . عباد الله: إن الزكاةَ عبادةٌ لله جعلها الله في المال حقًّا مفروضًا على المسلم، لأصحاب الزكاة الثمانية، لا منَّة فيها للغنيِّ على الفقير، فرضَها الله للتكافُل الاجتماعيِّ بين المُسلمين، وأوجبَها لقضاء حاجات الفقراء والمساكين؛ إحسانًا إلى الخلق، وثوابًا لفاعلِها. ولها منافعُ كثيرة، ولها مقاصِدُ عظيمة؛ فمن ذلك: تطهير القلوب من الشُّحِّ والبُخل والرَّذائِل، قال الله تعالى-: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ) . وأداءُ الزكاة يجتثُّ داءَ الحسَد من القلوب الذي يكونُ بسبب التفاضُل في الدنيا، والحسدُ مرضٌ خبيثٌ يحمِلُ على البغي والعُدوان، والظلم والبغضاء بين المُجتمع، وفي الحديث: "دبَّ إليكم داءُ الأُمم قبلَكم: الحسد والبغضاء، فإياكم والحسد؛ فإنه يأكلُ الحسنات كما تأكلُ النارُ الحطَب"؛ رواه أبو داود. وأداءُ الزكاة يُورِثُ التعاطُفَ والتراحُمَ بين المسلمين، ويضمنُ التكافُلَ الاجتماعيَّ، والمحبَّةَ بين الغنيِّ والفقيرِ. والزكاةُ ركنٌ من أركان الإسلام، مقرونةٌ بالصلاة في كتاب الله وفي سُنَّة رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فتُقبلُ هذه مع هذه. وقد أعطَى الله المالَ الكثيرَ، وفرضَ الزكاةَ وهي مالٌ قليلٌ، قال الله -تعالى-: (وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى) . وقال تعالى: (وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ) . وقال عز وجل: (وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ * أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ * وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ) . وقال تعالى: (وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ) . ومن شُكر الله على المال: إخراجُ الزكاة منه، والزكاةُ تزيدُ في المال ولا تُنقِصُه، وتحفظُه من الهلَكَة والآفات، قال الله - تعالى -: (وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) . وفي الحديث: "ما هلكَ مالٌ في برٍّ ولا بحرٍ إلا بمنعِ زكاتِه". وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: ".. وما منعَ قومٌ زكاةَ أموالهم إلا حُبِسَ عنهم القطرُ من السماء، ولولا البهائمُ لم يُمطَروا"؛ رواه ابن ماجه. والفقراءُ يُخاصِمون الأغنياءَ يوم القيامة إذا منَعُوهم الزكاة، يقولون: ربَّنا! جعلتَ المالَ عند هؤلاء، فمنَعُونا حقَّنا، فيقضِي الله بينهم بحُكمه. وقد وعدَ لله المُزكِّي أعظمَ الثواب على أداء الزكاة، قال تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ) . وذكرَ مع الزكاة أعمالاً غيرَها، وبيَّن الثوابَ بقوله: (أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) . وقال تعالى: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ * كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ * وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) . وتوعَّد الله من منعَ زكاةَ ماله بالعذابِ الأليم، فقال تعالى: (وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ * الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ) . وقال تعالى: (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ) . وكل مالٍ أُدِّيَت زكاتُه خرجَ صاحبُه من هذا الوعيد. وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما من صاحبِ كنزٍ لا يُؤدِّي زكاتَه إلا مُثِّلَ له يوم القيامة شُجاعًا أقرع -يعني: ثُعبانًا-، فيأخذُ بلهزَمَتيه -يعني: شِدقَيه-، فيقول: أنا كنزُك، أنا مالُك" . وصاحبُ الإبل والبقر والغنم التي لا يُؤدِّي صاحبُها زكاتَها يُبطحُ لها، فتطؤُه؛ كما جاء في "صحيح مسلم". وتجبُ الزكاة في الذهب والفضَّة، وما يقوم مقامهما من العُملات الورقيَّة إذا بلغَ كلُّ منهما نِصابًا، أو بلغَا نِصابًا بمجموعهما. والزكاةُ تجبُ في الإبل والبقر والغنَم ببلوغِ النِّصاب، وتجبُ في الخارِجِ من الأرض، وتجبُ في عروض التجارة فتُقوَّمُ بثمن، ويُخرَج رُبع عُشر العروض، ومن كان عليه دَينٌ أدَّى دَينَه، وما بقِيَ يُزكِّيه، وإذا لم يُخرِج دَينَه فيُزكِّي ما تحت يدِه. ونِصابُ الذهب عِشرون مِثقالاً، ووزنُه خمسةٌ وثمانون جِرامًا، ونِصابُ الفضَّة مائتا درهَم، ووزنُه خمسمائة وخمسةٌ وتسعون جِرامًا، أو ما يقومُ مقامَهما من العُملة الورقيَّة، وقيمةُ نِصاب الذهب أو الفضَّة تختلفُ بالعُملة الورقيَّة في الزمان. والذي ينضبِط هو أن يُخرِج اثنين ونِصفًا في المائة، فمن أخرجَ من المائة اثنين ونِصفًا، ومن الألف خمسةً وعشرين، ومن المليون خمسةً وعشرين ألفًا فقد برِئَت ذمَّتُه، وما زادَ على النِّصاب يجبُ أن يُزكَّى بحسابِه، وليس فيما بعد النِّصاب وقصٌ؛ بل يُزكَّى ما زادَ على النِّصابِ في الذهبِ والفضَّة بحسَبِه. وعلى المُسلم أن يتفقَّهَ في الزكاة، وأن يسألَ أهلَ العلم عن تفاصيلِها؛ ليُؤدِّي حقَّ الله في مالِه، ومن زكَّى مالَه المُتقدِّم الذي حالَ عليه الحولُ، والمتأخِّر كلَّ سنةٍ في وقتٍ وفي شهرٍ كشهرِ رمضان أجزأَهُ ذلك. يا ابنَ آدم! مالُك ما قدَّمتَه، ومالُ غيرك ما أخَّرتَه، ولو أن الأغنياءَ أخرَجوا زكاة أموالهم لما بقِيَ فقيرٌ وسائلٌ، فاعتبِرُوا بمن سبَقَكم من القرون الهالِكة الذين عذَّبَهم الله بأموالِهم، واعتبِروا بمن بلغَتكم أخبارُهم فلم تنفعهم أموالُهم. والمالُ إما أن تترُكَه، وإما أن يترُكَك. وقد شرعَ الله غيرَ الزكاة نفقاتٍ واجِبةً، أو مُستحبَّة، وحثَّ ربُّنا على الإنفاقِ في سُبُل الخير، فقال تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ) . والإنفاقُ يُضاعَف أجرُه، ولا سيَّما في شهر رمضان، وصدقةُ السرِّ لها فضل؛ عن أبي سعيدٍ الخُدريِّ -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "صدقةُ السرِّ تُطفِئُ غضبَ الربِّ، وصِلةُ الرَّحِم تزيدُ في العُمر، وفعلُ المعروف يقِي مصارِعَ السوء" . وليُجاهِد المُتصدِّقُ الشيطانَ في الصدقة، عن بُريدَة -رضي الله عنه- قال: قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما يُخرِجُ رجلٌ شيئًا من الصدقة حتى يفُكَّ عنها لِحيَي سبعين شيطانًا" . وشهرُ رمضان شهرُ الصدقات، والحسنات، فطُوبَى لمن سابقَ إلى الخيرات، وحفِظَ نفسَه من المُوبِقات، قال الله -تعالى-: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) . بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفَعَني وإياكم بما فيه الآيات والذكر الحكيم، ونفعنا بهدي سيِّد المُرسلين وقولِه القويم. أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.