منذ قديم الأزل والمال والسلطة والثروة يمثلون الشغل الشاغل للإنسان وباسم تحقيق الثروة ارتكبت الكثير والكثير من الجرائم المختلفة لدرجة أن البعض في سبيل تحقيق المراد أطلق العنان والحيل لتحقيق مآربه تحت مسمي الغاية تبرر الوسيلة . ولكن من الملاحظ انه في العصور القديمة وتحديداً أيام الخلافة الإسلامية ووفقا لكل الكتب التاريخية فإن معدل الفقر وصل إلي ادني مستوياته وقلت أعداد الفقراء بشكل ملحوظ ، البعض رجح ذلك بسبب انتشار العدل والبعض الأخر أكد أن السبب في ذلك هو حرص الناس عامة وولاة الأمور خاصة بتحصيل أموال الزكاة ، والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة هل للزكاة هذا التأثير الرهيب علي حياة الناس وهل عدم اهتمام الناس بدفع زكاتهم هو السبب في ما وصلنا إليه من زيادة معدل الفقراء وبالتبعية زيادة معدل الجريمة . أسئلة عديدة طرحناه علي الدكتور فراج الصعيدي الداعية الإسلامي فبماذا أجاب . * في البداية سألناه هل كل المال نقمة ويؤدي إلي الجريمة ؟ ** بالطبع لا فليس كل مال يؤدي إلي ارتكاب جريمة وعلي سبيل المثال فسيدنا سليمان عليه السلام كان عنده من المال والسلطان ما لا يعد ولا يحصي ولكنه كان حكيماً وعادلاً وهذا المثال واضحاً لأنه الأشهر وذكر في القرآن ولا يقول شخص أن سلميان نبي وهذا مختلف عن الآخرون ولكن تبقي الحقيقة الوحيدة انه أيضا بشر ، وكلمة المال لا تعني النقود فقط ولكن تعني كل ما يحوزه الإنسان في ملكة من ممتلكات وأشياء فهو مال والمال ليس لعنة في حد ذاته وإنما في سوء استخدامه . فقال الرسول صلي الله عليه وسلم ( نعم المال الصالح للعبد الصالح ) وقال أيضا صلي الله عليه وسلم ( قَالَ : إِنَّمَا الدُّنْيَا لأَرْبَعَةِ نَفَرٍ : عَبْدٍ رَزَقَهُ اللهُ مَالاً وَعِلْمًا ، فَهُوَ يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ ، وَيَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ ، وَيَعْلَمُ ِللهِ فِيهِ حَقًّا ، فَهَذَا بِأَفْضَلِ الْمَنَازِلِ ، وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللهُ عِلْمًا وَلَمْ يَرْزُقْهُ مَالاً ، فَهُوَ صَادِقُ النِّيَّةِ ، يَقُولُ : لَوْ أَنَّ لِي مَالاً لَعَمِلْتُ بِعَمَلِ فُلاَنٍ ، فَهُوَ بِنِيَّتِهِ ، فَأَجْرُهُمَا سَوَاءٌ ، وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللهُ مَالاً وَلَمْ يَرْزُقْهُ عِلْمًا ، فَه ُوَ يَخْبِطُ فِي مَالِهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ ، لاَ يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ ، وَلاَ يَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ ، وَلاَ يَعْلَمُ ِللهِ فِيهِ حَقًّا ، فَهَذَا بِأَخْبَثِ الْمَنَازِلِ ، وَعَبْدٍ لَمْ يَرْزُقْهُ اللهُ مَالاً وَلاَ عِلْمًا ، فَهُوَ يَقُولُ : لَوْ أَنَّ لِي مَالاً لَعَمِلْتُ فِيهِ بِعَمَلِ فُلاَنٍ ، فَهُوَ بِنِيَّتِهِ ، في الوزر سواء ) . * ولكن الكثير يظن أن كل من لديه مال هو محل شك في ثروته ؟ ** كما قلنا فالمال ليس لعنة في ذاته ولكن اللعنة الحقيقة في كيفية التصرف في هذا المال فعلي سبيل المثال فإن عبد الحمن بن عوف كان في زمانه من اغني الأغنياء ورغم ذلك كان من المبشرين بالجنة ، ويستطرد الدكتور فراج قائلاً : أن الإسلام يريد أن يتمتع المسلمين بالغني ولكن بالحلال فلا يوجد منطق يؤكد أن كل من ظهرت عليه أعراض الثراء هو شخص سئ وشخص نصاب فبكل أسف الإعلام دائما ما يصور صاحب المال كأنه لص أو نصاب وهذا خطأ كبير. * هل لمنع الزكاة اثر في زيادة الفقر بالمجتمع ومن ثمْ زيادة معدل الجريمة؟ ** بالطبع هناك علاقة وثيقة بين الأمرين فمبدئياً عدم إعطاء الزكاة للفقراء ينمي لديهم وفي عقيدتهم ونفوسهم غريزة الانتقام من الغني والحقد عليه مما يدفعه إلي سرقته ظناً منه بان هذه السرقة لن تؤثر علي شخص غني مثله ، وإذا فشل الفقير في سرقة الغني فقد تدفع الظروف إلي قتله وهذا ما نسمعه يومياً من جرائم قتل مختلفة أو سطو تكون السرقة هي الدافع الرئيسي وراء ارتكابها ، فلو أن الغني أعطي للفقير نصيباً من ماله لقلت هذه الجرائم تماماً . بل ولأنتزع من قلب الفقير الغل والحقد والحسد تجاه هذا الرجل الغني بل سيتمني أن يزداد غني ليزداد نصيبه وهذا هو ما يسمي في الإسلام التكافل المجتمعي حتي تسود في المجتمع روح المودة والرحمة ، وفي هذا الشأن قال تعالي بسم الله الرحمن الرحيم ( والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم ) _ ويواصل الدكتور فراج كلامه قائلاً : وفي المقابل إذا منع الأغنياء منح زكاتهم للفقراء فمن الطبيعي أن تسود روح الحقد والحسد وهذا يؤدي إلي اتساع الفوارق الطبقية في المجتمع مما يؤدي إلي زيادة احتمال وقوع الجريمة بأنواعها المختلفة . وفي هذا الشأن قال الله تعالى بسم الله الرحمن الرحيم ( و الذين يكنزون الذهب و الفضة و لا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم و جنوبهم و ظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون) وفي هذا السياق فقد خيرُ الرسول صلي الله عليه وسلم بين أن تكون له جبال مكة ذهباً ورفض وقال بل أجوع يوماً فأصبر واشبع يوماً فأشكر . وأيضا قال عز وجل في حديثة القدسي أحب التواضع وحبي للغني المتواضع اشد وأبغض الكبر وبغضي للفقير المتكبر اشد . * ويستطرد الدكتور فراج قائلاً : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه ( ما من صاحب ذهب و لا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار ، فأحمي عليها في نار جهنم فيكوى بها جبينه و جنبيه و ظهره كلما بردت أعيدت له في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضي الله بين الناس ، فيرى سبيله إما إلى الجنة و إما إلى النار). و قال صلى الله عليه و سلم : أول ثلاثة يدخلون النار أمير مسلط ، و ذو ثروة من مال لا يؤدي حق الله تعالى من ماله ، و فقير فخور * وأيضا عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : من كان له مال يبلغه حج بيت الله تعالى و لم يحج أو تجب فيه الزكاة و لم يزك سأل الرجعة عند الموت ، فقال له رجل : اتق الله يا ابن عباس فإنما يسأل الرجعة الكفار فقال ابن عباس : سأتلو عليك بذلك قرآناً ، قال الله تعالى بسم الله الرحمن الرحيم ( و أنفقوا من ما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق (أي أؤدي الزكاة) و أكن من الصالحين (أي أحج قيل له) : فما يوجب الزكاة ؟ قال : إذا بلغ المال مائتي درهم وجبت فيه الزكاة ، قيل فما يوجب الحج ؟ قال : الزاد و الرحلة .. و عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : من آتاه الله مالاً فلم يؤد زكاته مثل له يوم القيامة شجاعاً أقرع له زبيبتان يطوقه يوم القيامة فيأخذ بلهزميته ( أي بشدقيه) فيقول : أنا مالك ، أنا كنزك ثم تلا هذه الآية : و لا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيراً لهم بل هو شر لهم ، سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة ومن هذا يتضح أهميه الزكاة ودورها في المساهمة في خلق مجتمع متناغم تذوب فيه الفوارق الطبقية وتقل فيه معدل الجريمة ولكن هذا بشرط أن يؤدي الأغنياء زكاتهم تجاه الفقراء .