«التضامن» تقر إضفاء صفة النفع العام على جمعيتين بمحافظتي الشرقية والإسكندرية    قفزة في سعر الدولار الأمريكي أمام الجنيه في بداية اليوم    عيد ميلاد السيسي ال 71، لحظات فارقة في تاريخ مصر (فيديو)    النزاهة أولًا.. الرئيس يرسخ الثقة فى البرلمان الجديد    سعر الذهب في مصر اليوم الخميس 20 نوفمبر 2025.. استقرار في مستهل التداولات بعد هبوط ملحوظ    السيسي وقرينته يستقبلان رئيس كوريا الجنوبية وحرمه    أسعار الخضروات اليوم الخميس 20 نوفمبر في سوق العبور    لمدة 5 ساعات.. فصل التيار الكهربائي عن 17 قرية وتوابعها بكفر الشيخ اليوم    البنك المركزي يعقد اجتماعه اليوم لبحث سعر الفائدة على الإيداع والإقراض    ترامب يعلن عن لقاء مع زهران ممداني الجمعة في البيت الأبيض    مواجهات قوية في دوري المحترفين المصري اليوم الخميس    شبورة كثيفة تضرب الطرق والزراعية والسريعة.. والأرصاد تحذر من انخفاض مستوى الرؤية    شبورة كثيفة تؤثر على بعض الطرق.. والأرصاد تحذر السائقين من انخفاض الرؤية    موظفة تتهم زميلتها باختطافها فى الجيزة والتحريات تفجر مفاجأة    الاستعلام عن الحالة الصحية لعامل سقط من علو بموقع تحت الإنشاء بالتجمع    شبورة كثيفة وانعدام الرؤية أمام حركة السيارات على طرق القاهرة والجيزة    حالة الطقس في الكويت اليوم الخميس 20 نوفمبر 2025    حلقة نقاشية حول "سرد قصص الغارمات" على الشاشة في أيام القاهرة لصناعة السينما    هولندا: ندعم محاسبة مرتكبى الانتهاكات في السودان وإدراجهم بلائحة العقوبات    وزير الصحة يناقش مستجدات العمل بجميع القطاعات خلال الاجتماع الدوري للقيادات    الصحة بقنا تشدد الرقابة.. جولة ليلية تُفاجئ وحدة مدينة العمال    الفراخ البيضاء اليوم "ببلاش".. خزّن واملى الفريزر    اليوم.. محاكمة المتهمة بتشويه وجه عروس طليقها فى مصر القديمة    سيد إسماعيل ضيف الله: «شغف» تعيد قراءة العلاقة بين الشرق والغرب    حركة القطارات| 45 دقيقة تأخيرًا بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الخميس 20 نوفمبر 2025    انتهاء الدعاية واستعدادات مكثفة بالمحافظات.. معركة نارية في المرحلة الثانية لانتخابات النواب    دعاء الفجر| اللهم إن كان رزقي في السماء فأنزله    زكريا أبوحرام يكتب: هل يمكن التطوير بلجنة؟    شوقي حامد يكتب: الزمالك يعاني    مستشار ترامب للشئون الأفريقية: أمريكا ملتزمة بإنهاء الصراع في السودان    أدعية الرزق وأفضل الطرق لطلب البركة والتوفيق من الله    سفير فلسطين: الموقف الجزائري من القضية الفلسطينية ثابت ولا يتغير    بيان سعودي حول زيارة محمد بن سلمان إلى الولايات المتحدة    أضرار التدخين على الأطفال وتأثيره الخطير على صحتهم ونموهم    مكايدة في صلاح أم محبة لزميله، تعليق مثير من مبابي عن "ملك إفريقيا" بعد فوز أشرف حكيمي    مصادر تكشف الأسباب الحقيقية لاستقالة محمد سليم من حزب الجبهة الوطنية    محمد أبو الغار: عرض «آخر المعجزات» في مهرجان القاهرة معجزة بعد منعه العام الماضي    أفضل طريقة لعمل العدس الساخن في فصل الشتاء    فلسطين.. قصف مدفعي وإطلاق نار من قوات الاحتلال يستهدف جنوب خان يونس    وردة «داليا».. همسة صامتة في يوم ميلادي    مروة شتلة تحذر: حرمان الأطفال لاتخاذ قرارات مبكرة يضر شخصيتهم    المطربة بوسي أمام المحكمة 3 ديسمبر في قضية الشيكات    إعلام سوري: اشتباكات الرقة إثر هجوم لقوات سوريا الديمقراطية على مواقع الجيش    موسكو تبدي استعدادًا لاستئناف مفاوضات خفض الأسلحة النووي    خالد أبو بكر: محطة الضبعة النووية إنجاز تاريخي لمصر.. فيديو    إطلاق برامج تدريبية متخصصة لقضاة المحكمة الكنسية اللوثرية بالتعاون مع المعهد القضائي الفلسطيني    دوري أبطال أفريقيا.. بعثة ريفرز النيجيري تصل القاهرة لمواجهة بيراميدز| صور    تقرير: بسبب مدربه الجديد.. برشلونة يفكر في قطع إعارة فاتي    ديلي ميل: أرسنال يراقب "مايكل إيسيان" الجديد    "مفتاح" لا يقدر بثمن، مفاجآت بشأن هدية ترامب لكريستيانو رونالدو (صور)    ضمن مبادرة"صَحِّح مفاهيمك".. أوقاف الفيوم تنظم قوافل دعوية حول حُسن الجوار    خالد الغندور: أفشة ينتظر تحديد مستقبله مع الأهلي    لربات البيوت.. يجب ارتداء جوانتى أثناء غسل الصحون لتجنب الفطريات    عصام صاصا عن طليقته: مشوفتش منها غير كل خير    ماييلي: جائزة أفضل لاعب فخر لى ورسالة للشباب لمواصلة العمل الدؤوب    خالد الجندي: الكفر 3 أنواع.. وصاحب الجنتين وقع في الشرك رغم عناده    أهم أحكام الصلاة على الكرسي في المسجد    مواقيت الصلاه اليوم الأربعاء 19نوفمبر 2025 فى المنيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من أسرار القرآن
‏354‏والذين هم للزكاة فاعلون
نشر في الأهرام اليومي يوم 24 - 07 - 2010

هذه الآية القرآنية الكريمة جاءت في أوائل سورة‏'‏ المؤمنون‏',‏ وهي سورة مكية‏,‏ وآياتها مائة وثماني عشرة‏(118)‏ بعد البسملة‏,‏ وقد سميت بهذا الاسم الكريم لإشادتها بالمؤمنين من خلق الله المكلفين. وذلك منذ مطلعها‏,‏ وقد استعرضت جانبا من صفاتهم‏,‏ تجسيدا للنموذج الذي يرتضيه رينا‏-‏ تبارك وتعالي‏-‏ من عباده المكلفين‏.‏هذا وقد سبق لنا استعراض هذه السورة المباركة‏,‏ وما جاء فيها من ركائز كل من العقيدة والعبادة والإشارات الكونية‏,‏ ونركز هنا علي وجه الإعجاز التشريعي في فريضة الزكاة‏.‏
من أوجه الإعجاز التشريعي في سن فريضة الزكاة
جاء ذكر الزكاة في أكثر من ثلاثين موضعا من كتاب الله‏,‏ وقد قرنت بالصلاة في أغلب تلك الآيات‏,‏ وقد فرضها الله‏-‏ تعالي‏-‏ علي عباده المسلمين في محكم كتابه‏,‏ وأكدت فرضيتها سنة رسول الله‏-‏ صلي الله عليه وسلم‏-‏ وأجمع علماء المسلمين علي أنها أحد أركان الإسلام الخمسة‏.‏ و‏(‏الزكاة‏)‏ اسم من الفعل‏(‏ زكا‏)‏ وأصل الزكاة هو النمو الحاصل عن البركة التي يجعلها الله‏-‏ تعالي‏-‏ في كل أمر دنيوي أو أخروي‏.‏ يقال في اللغة العربية‏:(‏ زكا‏)‏ الزرع‏(‏ يزكو‏)(‏ زكاة‏)‏ إذا حصل منه النمو الواضح والبركة في الإثمار‏.‏
ومن ذلك جاء التعبير الشرعي‏(‏ الزكاة‏)‏ إشارة إلي ما يخرجه المسلم من حق الله‏-‏ تعالي‏-‏ في ماله إلي مستحقيه في مجتمعه أو في خارج مجتمعه‏,‏ وقد سميت بذلك الاسم لما يكون فيها من رجاء البركة والطهارة‏,‏ وتزكية المال والنفس أي تنميتهما بالخيرات والبركات الناتجة عن الاستجابة لأوامر الله‏-‏ تعالي‏-,‏ ولذلك قرن الأمر بالزكاة مع الأمر بالصلاة في العديد من آيات القرآن الكريم والتي منها قوله‏-‏ تعالي‏-:‏ وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين‏)(‏ البقرة‏:43).‏ وفي قوله‏-‏ تعالي‏-(‏ والذين هم للزكاة فاعلون‏)(‏ المؤمنون‏:4).‏
وصف من أوصاف المؤمنين من عباد الله المكلفين‏,‏ ومن معاني الآية الكريمة‏:‏ الذين يفعلون ما يفعلون من هذه العبادة المفروضة طمعا في أن يزكيهم الله‏-‏ تعالي‏-‏بأدائها ويزكي أموالهم ويطهرهم بها‏,‏ وليزكوا هم أنفسهم‏.‏ بمحاربة نوازع الشح فيها‏,‏ وتربيتها علي العطاء في سبيل الله‏,‏ وطلبا لمرضاته‏.‏
وليس قوله‏-‏ تعالي‏-(‏ للزكاة فاعلون‏)‏ يجعل لفظة الزكاة مفعولا‏,‏ بل اللام فيها للعلة والقصد‏.‏ وكانت فريضة‏'‏ الزكاة‏'‏ بمكة مطلقة‏,‏ متروكة لكرم المسلم‏,‏ ولحاجة المسلمين من حوله‏,‏ ولكن في حدود السنة الثانية للهجرة فرض الله‏-‏ تعالي‏-‏ مقدارها من كل نوع من أنواع المال‏,‏ وفصل لنا ذلك تفصيلا وافيا‏.‏
وقد أمر الله‏-‏ تعالي‏-‏بأداء الزكاة في العديد من آيات القرآن الكريم‏,‏ ومن ذلك قوله‏-‏ سبحانه وتعالي‏-(‏ وقوله الحق‏):(‏ خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم والله سميع عليم‏)(‏ التوبة‏:103).‏ وقال‏-‏ تعالي‏-(‏ وفي أموالهم حق للسائل والمحروم‏)(‏ الذاريات‏:19).‏ وقال‏-‏ سبحانه وتعالي‏-(‏ الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وامروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور‏)(‏ الحج‏:41).‏ وقال‏-‏ صلي الله عليه وسلم‏-:'‏ ثلاثة أقسم عليهن وأحدثكم حديثا فاحفظوه‏:‏ ما نقص مال من صدقة‏,‏ ولا ظلم عبد مظلمة فصبر عليها إلا زاده الله بها عزا‏,‏ ولا فتح عبد باب مسألة‏,‏ إلا فتح الله عليه باب فقر‏'.(‏ أخرجه الترمذي‏).‏ وقال‏:(‏ إن الله‏-‏عز وجل‏-‏ يقبل الصدقات ويأخذها بيمينه فيربيها لأحدكم كما يربي أحدكم مهره‏,‏ أو فلوه‏,‏ أو فصيله‏,‏ حتي أن اللقمة لتصير مثل جبل أحد‏)(‏ أخرجه كل من أحمد والترمذي‏).‏ وروي عن أم المؤمنين السيدة عائشة‏-‏ رضي الله عنها‏-‏ أن رسول الله‏-‏ صلي الله عليه وسلم‏-‏ قال‏:'‏ ثلاث أحلف عليهن‏:‏ لا يجعل الله من له سهم في الإسلام كمن لا سهم له‏,‏ وأسهم الإسلام ثلاثة‏:‏ الصلاة‏,‏ والصوم‏,‏ والزكاة‏;‏ ولا يتولي الله عبدا في الدنيا فيوليه غيره يوم القيامة‏,‏ ولا يحب الرجل قوما إلا جعله الله معهم‏.‏ والرابعة لو حلفت عليها رجوت أن لا آثم‏:‏ لا يستر الله عبدا في الدنيا ألا ستره يوم القيامة‏.‏ والزكاة من فرائض الإسلام التي أمر بها الله‏-‏ تعالي‏-‏ وأكدها خاتم الأنبياء والمرسلين‏-‏ صلي الله عليه وسلم‏-‏ وأجمع علي فريضتها علماء الأمة حتي أصبحت من ضرورات الدين‏,‏ التي تخرج منكرها من الملة‏,‏ وتقيم عليه حد القتل كافرا‏,‏ إلا إذا كان حديث عهد بالإسلام‏,‏ فإنه يعذر لجهله بأحكامه‏.‏ أما من امتنع عن أدائها‏-‏ مع اعتقاده بوجوبها‏-‏ فإنه يأثم بامتناعه دون أن يخرجه ذلك عن الإسلام‏,‏ وعلي الحاكم المسلم أن يأخذ الزكاة منه قهرا‏,‏ ويقوم بتعزيره‏,‏ ولا يأخذ من ماله أزيد منها‏.‏ ولو امتنع قوم من المسلمين عن أدائها‏-‏ مع اعتقادهم بوجوبها‏-‏ وكانت لهم قوة ومنعة فإنهم يقاتلون عليها حتي يعطوها‏.‏ ولذلك يروي ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلي الله عليه وسلم‏-‏ لما بعث معاذ بن جبل إلي اليمن قال له‏:‏ أدعهم إلي شهادة أن لا إله إلا الله‏,‏ وأن محمدا رسول الله‏,‏ فإن هم أطاعوا بذلك فأعلمهم أن الله افترض خمس صلوات في كل يوم وليلة‏,‏ فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم وترد علي فقرائهم‏(‏ أخرجه كل من الإمامين البخاري ومسلم‏).‏
وتجب الزكاة علي كل مسلم حر‏,‏ مالك للنصاب من اي نوع من أنواع المال الذي تجب فيه الزكاة‏.‏ ويشترط في النصاب أن يكون زائدا علي الحاجات الضرورية التي لا غني للمرء عنها‏,‏ كالمطعم‏,‏ والملبس‏,‏ والمسكن‏,‏ والمركب‏,‏ ونفقات كل من التعليم والعلاج‏,‏ وآلات الحرفة‏;‏ وأن يحول عليه الحول الهجري‏;‏ ويعتبر ابتداؤه من يوم ملك النصاب‏,‏ ولا بد من كماله في الحول كله‏.‏ فلو نقص عن النصاب أثناء الحول ثم كمل بعد ذلك اعتبر ابتداء الحول من يوم اكتماله عند بعض الفقهاء‏.‏ ومن أموال الزكاة ما هو نماء في ذاته‏,‏ كالحبوب والثمار فهذه تجب الزكاة فيها وقت حصادها أو جمعها‏,‏ ومنها ما يرصد للنماء كالاستثمار في المال‏,‏ وفي عروض التجارة‏,‏ والماشية‏,‏ وهذا يعتبر فيه الحول‏,‏ فلا زكاة في نصابه حتي يحول عليه الحول‏.‏
ومصارف الزكاة حددها القرآن الكريم بقول ربنا‏-‏ تبارك وتعالي‏-(‏ إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم‏)(‏ التوبة‏:60).‏
وتحرم الزكاة علي الكفار والملاحدة‏,‏ وعلي آل بيت رسول الله‏-‏ صلي الله عليه وسلم‏-‏ وعلي كل من الآباء والأبناء والزوجة‏,‏ كما تحرم علي ما لم تنص عليه الآية رقم ستين من سورة‏'‏ التوبة‏',‏ فلا تدفع لبناء المساجد‏,‏ ولا لتكفين الموتي‏,‏ ولا للإنفاق علي المشاريع العمرانية للدولة‏.‏ والإسلام ينظر إلي المال نظرة واقعية لأنه عصب الحياة وقوام نظامها المادي‏,‏ ومن هنا حرص هذا الدين العظيم علي كفالة المجتمع المسلم لكل فرد يعيش فيه وذلك بتحقيق كفايته من الطعام‏,‏ والشراب‏,‏ والكساء‏,‏ والمسكن‏,‏ والتعليم‏,‏ والرعاية الصحية‏,‏ وغير ذلك من الضرورات الأساسية للحياة‏.‏ ومن أنجع الوسائل لتحقيق ذلك شرع فريضة الزكاة التي لا يضيق الغني بأدائها‏,‏ ويرتقي بها مستحقوها إلي حد الكفاية الذي يسد حاجتهم ويصون كرامتهم‏.‏ وذلك لأن الزكاة ليست منة من الغني علي الفقير‏,‏ وإنما هي حق استودعه الله‏-‏ تعالي‏-‏ يد الغني كي يؤديه لمستحقيه حتي لا يبقي المال وقفا علي الأغنياء دون غيرهم‏,‏ وفي ذلك يقول الحق‏-‏ تبارك وتعالي‏-‏ ما أفاء الله علي رسوله من أهل القري فلله وللرسول ولذي القربي واليتامي والمساكين وابن السبيل كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب‏(‏ الحشر‏:7).‏
والزكاة هي الحق الواجب في المال من أجل القيام بسد حاجة مستحقيها‏,‏ فإن لم تف الزكاة بذلك وجب في أموال الأغنياء حق آخر‏,‏ وهذا الحق لا يتحدد إلا بتحقيق الكفاية لكل مستحقيها‏,‏ فيؤخذ من مال الأغنياء ما يحقق تلك الكفاية‏,‏ وفي ذلك يقول المصطفي‏-‏ صلي الله عليه وسلم‏-:‏ من استعاذ بالله فأعيذوه‏,‏ ومن سألكم بالله فأعطوه‏,‏ ومن استجار بالله فأجيروه‏,‏ ومن أتي إليكم معروفا فكافئوه‏,‏ فإن لم تجدوا‏,‏ فادعوا له حتي تعلموا أن قد كافأتموه‏(‏ أخرجه كل من أبي داوود والنسائي‏).‏
وقال‏-‏ تعالي‏-(‏ ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربي والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم‏)(‏ النور‏:22).‏
وحكمة تشريع الزكاة تتضح في النقاط التالية‏:‏
‏(1)‏ إن المال هو مال الله‏,‏ وأن الأغنياء مستخلفون فيه‏,‏ وذلك انطلاقا من‏-‏ قوله تعالي‏-:(‏ آمنوا بالله ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه فالذين آمنوا منكم وأنفقوا لهم أجر كبير‏)(‏ الحديد‏:7).‏
والمستخلف في المال لا يملك رد أمر لصاحب المال الذي أوجب الزكاة فيه‏,‏ ولذلك يقول المصطفي‏-‏ صلي الله عليه وسلم‏-‏ في الزكاة‏:'‏ تؤخذ من أغنيائهم فترد علي فقرائهم‏'‏ أخرجه كل من الإمامين البخاري ومسلم‏'.‏ فالزكاة إذن واجب من واجبات الدولة الإسلامية التي يتعين فرضها بتشريع ملزم‏.‏
‏(2)‏ إن الأغنياء إذا أخرجوا زكاة أموالهم لمستحقيها في المجتمع المسلم سدوا حاجة الفقراء والمساكين‏,‏ وحاجة غيرهم من مستحقي الزكاة مما يحقق عدالة توزيع المال‏,‏ ويعالج العديد من مشاكل المجتمع‏,‏ ويعين علي نزع الحقد علي الأغنياء من قلوب الفقراء‏,‏ ويملؤها بالحب والتقدير لهم‏,‏ ويربط بينهما برباط الأخوة في الله‏,‏ فيعطي الغني المال تزكية للنفس وللمال‏,‏ وأداء لحق الله‏,‏ وطلبا لمرضاته‏,‏ ويحمد الفقير للغني عطفه عليه وإحساسه بمشاكله فيقدر له ذلك مما يقيم المجتمع علي حسن العلاقة بين أغنيائه وفقرائه‏,‏ ويقلل من الجريمة فيه وفي ذلك يقول المصطفي‏-‏ صلي الله عليه وسلم‏-:'‏ من كان معه فضل ظهر فليعد به علي من لا ظهر له‏,‏ ومن كان له فضل زاد فليعد به علي من لا زاد له‏'(‏ أخرجه كل من الإمامين البخاري ومسلم‏).‏ ويقول‏-‏ صلي الله عليه وسلم‏-:'‏ ليس بالمؤمن الذي يشبع وجاره جائع إلي جنبه وهو يعلم‏'(‏ أخرجه الحاكم في المستدرك‏).‏
‏(3)‏ إن المجتمع الإنساني يقوم بجميع أفراده من الأغنياء والفقراء‏,‏ فإذا قام أصحاب المال فيه بأداء حق الزكاة إلي مستحقيها في مجتمعهم صح المجتمع ماديا ومعنويا‏,‏ وسعد جميع من فيه‏,‏ وتمكن من علاج مشاكله‏,‏ وإذا منعت الزكاة انهار المجتمع ماديا ومعنويا وشقي جميع من فيه‏.‏
‏(4)‏ إن إخراج الزكاة بضوابطها الشرعية لا يفقر الغني‏,‏ بل يزيد ماله نماء وبركة‏,‏ ويزيد إيمانه بالله رسوخا وعمقا‏;‏ ويسد حاجة مستحقي الزكاة فيرتقي بالمجتمع ككل لأن المجتمع الذي يزداد فيه الأثرياء ثراء‏,‏ ويزداد فيه الفقراء فقرا هو مجتمع مريض لامتلائه بالأنانية عند الأغنياء‏,‏ وبالكراهية والحقد عند الفقراء مما يرفع من معدلات الجريمة‏,‏ ويفقد المجتمع نعمة التوازن الاقتصادي ونعمة الأمن الاجتماعي‏.‏
‏(5)‏ إن إخراج الزكاة بضوابطها الشرعية يحقق عدالة توزيع المال في المجتمع المسلم‏,‏ كما يحقق مسئولية الأغنياء فيه‏-‏ وهم القلة القليلة‏-‏ تجاه مستحقي الزكاة فيه‏-‏ وهم الكثرة الكاثرة‏-‏ وإذا ضاعت هذه المسئولية انهار المجتمع لاختلال توزيع المال فيه‏.‏
من هنا كان في إقرار الإسلام للملكية الفردية بضوابط ربانية تقرر الكسب الحلال ومسئولية الأغنياء تجاه الفقراء في مجتمعاتهم‏,‏ وعدالة توزيع المال بفرض الزكوات والصدقات‏,‏ وتحمل الأغنياء مسئولية الأزمات التي يمر بها المجتمع كان ذلك وجها من أوجه الاعجاز التشريعي في كتاب الله يشهد له بأنه كلام الله الخالق‏,‏ كما يشهد للنبي الخاتم الذي تلقاه بالنبوة وبالرسالة‏,‏ فالحمد لله علي نعمة الإسلام‏,‏ والحمد لله علي نعمة القرآن‏,‏ والحمد لله علي بعثة خير الأنام‏-‏ صلي الله وسلم وبارك عليه وعلي آله وصحبه ومن تبع هداه ودعا بدعوته إلي يوم الدين‏-‏ وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين‏.‏

المزيد من مقالات د. زغلول النجار


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.