من الواضح أن بلادنا تواجه اليوم. ومنذ الموجة الثورية في 30 يونيه وما تلاها وترتب عليها من خطوات. تواجه مخططاً تم إعداده بإحكام. وتشترك فيه قوي كثيرة داخلية وخارجية.. بعضها قد نراه وتعرفه. وبعضها الآخر قد لا نراه ولا نعرفه.. هدف هذا المخطط باختصار هو استنزاف قوي مصر. وبتعبير شعبي "هد حيلها" بحيث لا تتقدم ولا تتطور ولا تؤثر فيما يجري حولها. وبحيث إذا لم تتراجع. تظل تدور حول نفسها. وفي مكانها. لعلها تدوخ وتسقط.. والحديث هنا عن مخطط داخلي خارجي. لا يعبأ كثيراً باعتباره من قبيل "حديث المؤامرة" من المفروغ منه أن التاريخ يعرف المؤامرات. وقد عانينا من هذا من قبل. منذ الاتفاق اليهودي البريطاني الفرنسي. في 1904 إلي 1967. وغير ذلك كثير. وحين يتأمل المرء الأحداث والحوادث والمعارك اليومية والوقائع التي تجري ما بين سيناءوالقاهرة والصعيد وأنحاء كثيرة من بلادنا. يستعيد شريط صور أحداث "مشابهة" جرت من قبل في بلد آخر غير بعيد عنا. وهو إيران. حين وقع الانقلاب المدبر في 1953 ضد الزعيم الوطني محمد مصدق لأنه تجرأ وقرر تأميم البترول. وليتنا في هذه اللحظات نستعيد أحداث هذا الانقلاب كاملاً. خاصة أن أمريكا أفرجت منذ أسابيع قليلة عن وثائقها عن هذا الحدث الذي ثبت منذ سنوات وسنوات أنها هي التي أدارته. بينما كانت بريطانيا هي محركه الأول.. ومن المعروف أن مؤرخين عديدين بربطون عند تناولهم لأحداث تلك الفترة من تاريخ المنطقة. يربطون بين عبدالناصر ومصدق. في لحظة تاريخية كان يتواري فيها النفوذ البريطاني دولياً. ويصعد نجم أمريكا. التي لم تكن تتواني عن السعي إلي وراثة نفوذ حليفتها. التفصيلات حول هذا الانقلاب امتلأت بها صفحات عشرات. إن لم تكن مئات الكتب. وهي حافلة أيضاً بمقارنات بين دوري جماعة الإخوان المسلمين في مصر. ورجل الدين الإيراني الكبير "آية الله كاشاني" الذي كان حليفاً في البداية لمصدق. ثم انقلب عليه. لدرجة أنه قام بتمويل المظاهرات الحاشدة. وذلك بالتعاون مع البريطانيين. كان أتباع كاشاني خاصة في "البازار" أي أصحاب الحوانيت والتجار عديدين. وكما يقول "مارك كورتيس" في كتابه "التاريخ السري لتآمر بريطانيا مع الأصوليين". كان ذلك هو المصدر الرئيسي لقوة آية الله السياسية وقدرته علي تنظيم المظاهرات. وينقل عن رجل مخابرات أمريكي قوله: كفلت المدفوعات والعطايا البريطانية تعاون كبار تجار الجيش والشرطة ونواب البرلمان والشيوخ والملالي. والتجار ومحرري الصحف وقدامي رجال الدولة.. وكذلك قادة الدهماء.. وتوالت الأحداث ووقع انقلاب عسكري. وأسقط مصدق. وأعيد الشاه إلي عرشه. ودخلت إيران مرحلة تاريخية امتدت إلي .1979 إن التاريخ لا يعيد نفسه. ومصر ليست إيران. و2013 ليست 1953. مع ذلك فالتساؤل وارد: أين آية الله كاشاني المصري؟!.. مَن هو. ومتي سيظهر علينا؟!.. هل من الضروري أن يكون "رجل دين"؟!.. لماذا لا يكون رجل أعمال أو رجل سياسة أو رجل شيء آخر؟!! دعنا من آية الله واحتمال وجود شبيهه المصري.. ولنقارن بين أساليب عديدة جرت هناك وتجري هنا اليوم: مسيرات ومظاهرات. وقطع طرق. وعمليات إرهاب يومية.. علينا أن ندقق جيداً. ونربط ما يجري في سيناء بما يجري في الوادي: شماله حيث نواجه بؤر إرهاب مثل كرداسة. ومن قبلها إشارة رابعة ونهضة مصر في العاصمة. وفي الجنوب. حيث جيب إرهاب في "دلجا" تمت تصفيته أخيراً.. وبجانب ذلك حوادث إرهابية يومية تقريباً في الطرق وفي مؤسسات أخري.. وفي العاصمة عمليات تخريب. ومحاولات تعطيل للحركة والمرور. ودعوات لا تتوقف إلي عصيان مدني. إلي جانب مظاهرات في ساعات حظر التجوال. وممن؟!.. من تنظيم القاعدة... وفي حي المعادي. كما كتبت الأستاذة مديحة عمارة في المصري اليوم.. أما سيناء فهي المعركة الأم.. حيث نخوض واحدة من أشرف معاركنا. وأشرسها. إننا بإرادة شعبنا وبقوة جيشنا وصموده وبسالته قادرون علي أن نجعل سيناء مقبرة للإرهاب ومقدمة لضرب المخطط المنصوب لنا. وهذه ليست القضية.. إننا نحتاج إلي خطة متكاملة لضرب هذا المخطط. كي لا نستدرج إلي معركة استنزاف لقوانا ومواردنا. والخطوة الأولي في هذا هي التطبيق الحازم لقوانين الطوارئ. والوقف التام للمظاهرات غير السلمية. أي التي تسد الطرق وتقطع الأرزاق. وتعطل الإنتاج... واسلمي يا مصر. ناجح إبراهيم .. وإلقاء اليهود في البحر!! هذا موضوع طرقه العبدلله. عدداً كبيراً من المرات. منذ ..1974 وبعض ما سطره تضمنته كتب.. لذلك حرصت منذ سنوات علي أن أتوقف عن الخوض في هذا الموضوع مرة أخري. ولا أن أنبه كل من يردده إلي وقوعه في خطأ لا يجوز ارتكابه. لأن كلامه يعني اعترافاً عربياً بجريمة لم نرتكبها. وبخطأ لم نقع فيه. وهو في حقيقته فرية أو أكذوبة نسجها الصهاينة. وسعوا إلي أن يلصقوها بالعرب قادة وسياسيين. ومواطنين لو أمكن.. أما هذه المرة فقد أحسست مجدداً أن الصمت غير جائز. وذلك لسببين: الأول أن صاحب هذه الكلمات شخصية أربأ بها أن تقع في هذا الفخ الصهيوني.. والثاني أنه حاول أن يؤصل الواقعة. وتأصيله مؤثر ومسموع لدي شرائح كبيرة من الأتباع والأنصار.. وأعني هنا الشيخ الدكتور ناجح إبراهيم.. رجل الجماعة الإسلامية المعروف. الذي أعرف أن كثيرين.. وأنا منهم.. يحرصون علي قراءة كل ما يقع تحت أيديهم من كتاباته الغزيرة.. والتي أتمني له منها المزيد. في مقال أخير له. في يوم الخميس الماضي. في "المصري اليوم" كتب الشيخ الدكتور مقالاً بعنوان "الخطاب الإسلامي بين الحرب والسلام". وفي فقرة منه وقع الكاتب المحترم في فخ صهيوني منصوب لنا من سنوات وسنوات. فكتب ما نصه حرفياً: "لقد تعلمت في حياتي الصعبة أن خطاب الحرب يؤدي إلي الحرب. حتي لو لم يرد أصحابه ذلك.. وخطابات التهديد والوعيد قد تجر لمعركة لا ترغبها ولا تريدها.. ولنا في خطب الرئيس عبدالناصر قبل هزيمة 1967 المثل والعبرة.. ومنها كلماته الشهيرة "سألقي إسرائيل ومن وراء إسرائيل في البحر".. فألقينا نحن في بحر الهزيمة المظلم. وذاقت مصر أسوأ هزيمة عسكرية في تاريخها...". لا أعرف من أين أتي الشيخ الدكتور بأن عبدالناصر قال إنه سيلقي إسرائيل ومن وراءها في البحر؟!!... إن هذه الخطب مسجلة صوتاً وصورة. وقد صدرت في كتب. أعيدت طباعتها أكثر من مرة. ومن مراجعة خطب وأحاديث وتصريحات الزعيم عبدالناصر طوال حياته السياسية مراجعة دقيقة لم يتم العثور علي أنه "سيلقي إسرائيل في البحر".. إن جميع من ادعوا هذا علي الزعيم العربي كانوا يرددون أكذوبة صهيونية. بعضهم بحسن نية. وبعضهم بسوء نية. والله أعلم بالنيات. وإلي عهد قريب. كان كاتبان مصريان كبيران.. وأصبحا الآن في ذمة الله.. لا يكفان عن ترديد هذا الاتهام إلي عبدالناصر. بمناسبة وبدون مناسبة.. وهنا أحيل الشيخ الدكتور ناجح إبراهيم الذي أحترمه وأقدره إلي كتابات حول التحليل الإسرائيلي لخطب الرئيس عبدالناصر. وما رصده في هذا الشأن الأستاذ الدكتور محمد السيد سليم في كتابه "التحليل السياسي الناصري".. وقد نبهني هذا الكتاب إلي ما كتبه في هذا الشأن الأستاذ محمد حسنين هيكل في "حديث المبادرة" الذي طبع لأول مرة في القاهرة في 1998. بعد عشرين عاماً من طباعته في بيروت. في هذا الكتاب أورد الأستاذ هيكل ما ملخصه أنه في 1966. فوجئ الرئيس عبدالناصر بالرئيس اليوغوسلافي "بروز تيتو" يقول له إنه كان ليظن أنه صاحب شعار "إلقاء اليهود في البحر".. وبعدئذ طلب عبدالناصر إجراء تحقيق في أصل هذا الشعار. ومصدره.. شاركت في التحقيق رئاسة الجمهورية ووزارتا الخارجية والإرشاد القومي "الإعلام حالياً". وأسفر التحقيق عن أن مصرياً مسئولاً أو غير مسئول لم يطلق هذا الشعار.. بل إن أحداً من المسئولين العرب لم يطلقه كذلك"!! ربما يقال إن هذا كان في ..1966 بينما يتحدث الشيخ الدكتور ناجح إبراهيم عنه في 1967. حيث ألصق هذا الشعار بالسيد أحمد الشقيري أول رئيس لمنظمة التحرير الفلسطينية. وقد ثبت أنه لم يتفوه به. بل ردد قولاً شبيهاً بتصريح منسوب إلي السيد عبدالرحمن عزام.. أول أمين عام للجامعة العربية.. وهو: "لقد جاءوا بالبحر.. وبالبحر يعودون".. ومن قبل. سعت أبواق صهيونية إلي نسبة هذه الأكذوبة إلي الزعيم الفلسطيني الحاج "أمين الحسيني".. وكل هذا لم يثبت بدليل قاطع. بل ثبت عكسه في الواقع. هو الشعار الصهيوني عن العرب "لقد جاءوا من الصحراء. وإلي الصحراء يعودون". إننا أمام أكذوبة صهيونية لها تاريخ. وهي لم تنتشر علي نطاق واسع عالمياً إلا بعد عدوان 1967. الذي حاولت إسرائيل أن تعرضه علي أنه "حرب دفاعية" ومن أسف أن صياغة الدكتور وقوله: "خطابات التهديد والوعيد قد تجر لمعركة لا ترغبها ولا تريدها".. قد يوحيان بذلك.. وهذا ما أتمني أن يراجعه ويوقفه.. هدانا الله وإياه إلي قول الحق.. والبحث عن الحقيقة.