بعد أربعة عشر عاما في المنفي عاد نواز شريف زعيم حزب الرابطة الإسلامية ليتولي للمرة الثالثة أهم المناصب السياسية في باكستان وهو منصب رئيس الوزراء ولكن هذه المرة ينتظره العديد من الملفات الداخلية والخارجية التي تضخمت في عهد الرئيس السابق برويز مشرف.. فداخليا تعاني البلاد من أزمة اقتصادية طاحنة انعكست في مختلف سبل الحياة كالبطالة والتضخم وعدم وجود العملة الصعبة وأزمة الطاقة وخارجيا تعد غارات الطائرات الأمريكية دون طيار علي بعض المواقع الباكستانية والعلاقة مع حركة طالبان والهند أبرز هذه الملفات لكن يظل ملف كشمير هو الأهم في الملفات الخارجية التي تنتظر الحكومة الجديدة لأنه يحدد جوهر العلاقات الباكستانية - الهندية ويؤثر تأثيرا مباشرا فيها. فوز شريف في الانتخابات البرلمانية جعل البعض يتفاءل حول امكانية حل الصراع الباكستاني - الهندي الذي لم تحله الحروب المدمرة أو العمليات المسلحة ودعم من هذا الأمل تصريح شريف عقب فوزه بالانتخابات بالتوجه نحو تطبيع العلاقات مع الهند واحياء الحوار لايجاد حلول للمسائل العالقة. تاريخ شريف السياسي يوضح ترجيحه للحوار والتفاوض في حل القضايا الخلافية في العلاقات الهندية - الباكستانية فهو من جلس مع الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون عقب اندلاع العمليات العسكرية بين القوات الهندية والكشميرية التي تدعمها باكستان واتفقا علي وقف اطلاق النيران وبدء الحوار بين الجانبين حول كشمير. تأتي حكومة شريف هذه المرة بأجندة اقتصادية لحل المشكلات التي تعاني منها البلاد وتحقيق النمو والتنمية فعندما سئل عن أهم القضايا محل اهتمامه في حال فوزه أجاب "الاقتصاد.. الاقتصاد.. الاقتصاد" حيث يسعي إلي إعادة بناء الاقتصاد الباكستاني علي أسس جديدة متمثلة في الاستثمارات وليس المعلونات أو المنح. تحقيق هذه الأجندة يتطلب توجيه كل قدرات الدولة في هذا الاتجاه بعيدا عن أي نزعات داخلية أو خارجية. الحروب الثلاثة التي خاضتها باكستان مع الهند من أجل كشمير قادت البلاد إلي حالة من التدهور الاقتصادي وهو ما يجعل الحوار والتفاوض السبيل الأمثل لحل قضية كشمير خاصة بعد الأزمة التي شابت العلاقات بين البلدين بعد حادث مومباي الذي قتل فيه 166 شخصا خلال احداث استمرت ثلاثة ايام وألقت نيودلهي بالمسئولية علي جماعة باكستانية مسلحة. لكن البعض يري ان القرار في باكستان ليس بيد الحكومة وإنما الجيش ووكالة الاستخبارات الباكستانية لذلك لابد أن تنسجم قرارات الحكومة القادمة مع توجهات قيادات الجيش والاستخبارات وهو ما يراه البعض صعبا مستدلا علي ذلك بتجربة نواز شريف مع الجيش عام 1999 عندما سعي الجيش إلي هدم محاولات شريف ناوز لتحسين العلاقات مع الهند فأرسل عدد من الجنود للسيطرة علي نقاط هندية في مرتفعات كارجيل وعندما رفض شريف ذلك انقبلوا عليه وقاموا بنفيه إلي المملكة العربية السعودية لذلك فمن المتوقع أن يقف الجيش عائقا أمام توجهاته نحو التفاوض مع الهند لكن زيارة قائد الجيش الجنرال أشفق برويز كياني لنواز شريف في منزله عقب فوزه بالانتخابات ربما تعكس اعطاء الجيش الضوء الأخضر لشريف للمضي قدما في سياسته دون قلق من انقلاب ثان عليه أو ربما تكون هدفها ابرام صفقة بين شريف والجيش جوهرها الافراج عن برويز مشرف الذي يعد رمزا للجيش ومن ثم لن يقبل بإهاناته خاصة وانه متهم بالعديد من قضايا الفساد والقتل وهو رهن الاقامة الجبرية وينتظر السجن. الضغوط الدولية هي الأخري ربما تكون دافعا قويا لسعي شريف لحل القضايا الخلافية مع الهند سلميا خاصة وانه في حاجة إلي مساعدة العديد من الدول والمنظمات الدولية لحل المشكلات التي تواجهها البلاد. لم يحصد البلدان من الصراع سوي الدمار واستنزاف القدرات وتسعي باكستان لتحقيق النمو الاقتصادي وينتظر الشعب الباكستاني من نواز شريف تحقيق انجاز ملموس علي المستوي الاقتصادي فهو رجل أعمال ناجح انتخبه الشعب الباكستاني أملا في التنمية والتي لن تتحقق مادامت البلاد بين الحين والآخر تعد العدة لدخول الحرب لذلك فإن الحوار هو السبيل الأفضل وهو ما أدركه نواز شريف وعبر عنه في تصريحاته بعد فوزه في الانتخابات.