سمير حسين يُعتبر يوم السابع والعشرين من أكتوبر أسود الأيام في تاريخ كشمير ، وذلك لقيام الجيش الهندي بمهاجمة كشمير في نفس هذا اليوم من عام 1947م ، واحتلال الولاية ، حيث خرقت الهند القانون الذي تم سنه بموافقة المحتل البريطاني قبل رحيله عن شبه القارة الهندية والذي تم بناء عليه تقسيم الهند إلى دولتين هما الهند ودولة باكستان الإسلامية ، وقيام الهندوس المتطرفون وقوات دوغر مهراجا هاري سينج بقتل 300 ألف مسلم كشميري في شهرين فقط ؛ وذلك في محاولة لتغيير تركيبة كشمير السكانية.
وبهذه المناسبة أغلق الكشميريون يوم الثلاثاء 27/10/2009 متاجرهم في المدينة الرئيسية بكشمير المحتلة ؛ استجابةً لدعوة للإضراب بالتوافق مع زيارة مقررة لرئيس الوزراء الهندي مانموهان سينج للإقليم ، وجاء الاضراب استجابة للدعوة التي وجَّهها الزعيم الكشميري سيد علي شاه جيلاني إحياءً لذكرى مرور 62 عامًا على احتلال نيودلهي للمنطقة.
وقال جيلاني في بيان له: "إن الالتزام بالإضراب سيوضِّح للمجتمع الدولي أن مواطني كشمير لا زالوا يحتجون بقوة على الاحتلال الهندي، ويعتبرون 27 أكتوبر يومًا أسودًا لكشمير".
هذه المناسبة التي يحييها الكشميريون تحاول الهند الالتفاف عليها باختلاق يوم آخر تحتفل به الهند وهو يوم 22 أكتوبر ، (حيث احتفلت به الهند الخميس الماضي مدعية أنه يوافق ذكرى مرور 62 عاما علي انسحاب القبائل الباكستانية التي كانت قد هاجمت الشطر الهندي من الإقليم - حسب الزعم الهندي – مدعية أيضًا أن عملية غزو القبائل الباكستانية للشطر الهندي هي التي فتحت الباب أمام النزاع الحالي القديم المتجدد بين الهند وباكستان.
واشارت إلي أن شوبير شاودري الناشط الكشميري الذي يعتبر من أبرز قادة حزب كشمير الوطني (وهو حزب علماني موالي للهند واطروحاتها التي تبرر بها احتلالها لكشمير )الذي يتخذ من لندن مقرا لإقامته يرى أن الغزو الباكستاني هو السبب الأساسي لحدوث الخلاف الهندي الباكستاني حول السيادة على الإقليم وهو الذي أدى إلى تقسيم الإقليم بهذا الشكل .
ويضيف شاودري في محاولة لتزييف الوقائع التاريخية بأن باكستان شنت الحرب في العام 1947 في خطوة استباقية وعملت من خلال ذلك لأجل الدفع بأجندتها السياسية في مواجهة الأجندة الهندية وأن إسلام أباد تذرعت وتغطت خلف حجج ومسميات جهادية ودينية في الوقت الذي كان فيه سكان الإقليم يستعدون لتقرير مصير الانضمام إلى الهند أو باكستان عقب انفصال البلدين .
وأضاف بالقول "لذا لو لم يكن هنالك غزو باكستاني فإن ذلك ربما يكون كافياً للحيلولة دون وقوع الأزمة الحالية" واستطرد بالقول خلال المقابلة التي أجرتها معه وكالة أي إيه إن إس للأنباء عبر البريد الالكتروني "أنا اعتبر ذلك اليوم بمثابة اليوم الأسود في تاريخ الإقليم" .
وأشار إلى أن كشمير كانت ضمن المناطق والإدارات البريطانية البالغ عددها 565 من الهند البريطانية وتم منح كافة هذه المناطق الحق في تقرير المصير عبر الاستفتاء العام لاختيار الانضمام إلى الهند ذات الأغلبية الهندوسية أو باكستان ذات الأغلبية المسلمة وأن السواد الأعظم من هذه المناطق اختار مصيره بشكل سلمي باستثناء البنجاب وجامو وكشمير وحيدر أباد وتريبورا .
ويضيف شاودري بالقول إن المهراجا هاري سينج الذي كان حاكما للإقليم في ذلك الوقت يعتبر أحد أبرز العوامل التي أدت إلى تصاعد الخلاف بين الهند وباكستان ومن ثم إلى تجذر المشكلة حول السيادة على الإقليم فقد كان يتطلع إلى انفصال الإقليم من البلدين ليصبح مستقلا لذا عمد إلى إبرام اتفاقين منفصلين مع الهند وباكستان لكسب المزيد من الوقت ،هذا في حين باغتت باكستان بدعم الانتفاضة الشعبية التي اندلعت آنئذ ومن ثم أسهمت بشكل مباشر في الغزو القبلي من الشطر الذي تديره إلى الشطر الهندي من الإقليم محل النزاع.
وفي الثاني والعشرين من اكتوبر العام 1947 قام الآلاف من عناصر القبائل من الجزء الباكستان بغزو الاقليم وسيطروا على أكثر من ثلث الإقليم الأمر الذي أجبر المهراجا سينج على الاستغاثة بالهند طالبا التدخل الفوري والسريع وبالفعل بدأ الجيش الهندي في السابع والعشرين من ذات الشهر أكبر عملية إنزال عسكري جوي في الإقليم نجحت في منع تقدم مقاتلي القبائل. ويقول شهود عيان عاصروا تلك التطورات الهامة في تاريخ الإقليم الحديث إن هزيمة مقاتلي القبائل تعتبر انتكاسة كبيرة وضربة موجعة للقيادة الباكستانية التي كانت تطمع بشكل ملحوظ في ضم الإقليم وان كان سكان الإقليم هم الذين يدفعون الثمن باهظ ا". السطور السابقة التي جاءت بين القوسين الهلايين تمثل وجهة النظر الهندية حول كشمير ، وهي لا تستند إلا على كلام مرسل ، لا سند تاريخي له ، ولكن دعونا ننقل ما سطره التاريخ من أحداث ، وما كتبه المؤرخون الأجانب بهذا الخصوص ، تحديدًا ما يرتبط بهذه الأيام من شهر أكتوبر 1947 من أحداث.
يقول التاريخ : حسب قانون الاستقلال ، وخطة تقسيم شبه قارة جنوب آسيا في 3 يوليو عام 1947م ، والتي أقرها البرلمان البريطاني في 18 يوليو من نفس العام ، فإن المناطق ذات الأكثرية الهندوسية يتم ضمها إلى الهند ، والمناطق ذات الأغلبية المسلمة تنضم لباكستان ، وبالتالي كان لا بد أن تنضم ولاية جامو وكشمير ذات الأغلبية المسلمة لباكستان ، وكانت الولايات الأميرية الثلاث "حيدر أباد وجوناكده وكشمير" مستقلة في ذلك الحين ، وكان مطلوبًا منها الاختيار لتقرر مصيرها إذا كانت الولايات الثلاث تريد الانضمام إلى الهند أو باكستان .
إلا أن الهند انتهكت هذه الرغبات والارشادات الموضوعة التي كان من شأنها أن هذه الولايات حرة في مسألة تقرير المصير ، خاصة فيما يتعلق بالوضع الجغرافي والديموغرافي ، فلما أرادت حيدر أباد ذات ال (30) مليون نسمة وكان أميرها مسلم ، لما أرادت الاستقلال هاجمتها الجيوش الهندية ، واستولت عليها ، أما جوناكده فرغم تلاصق حدودها مع باكستان ، ورغبة أهلها المسلمون وحاكمها المسلم كانت الانضمام إلى باكستان ، إلا أن الهندوس اعتدوا عليها وانتزعوها من أيدي أخوانهم في باكستان .
ثم اعتدى الهندوس على كشمير ذات الأغلبية السكانية المسلمة وذات الحدود المشتركة مع باكستان (ألف كيلو متر) ، فقد كان للولاية وأهلها المسلمون الرغبة في الانضمام لباكستان ، إلا أن مكائد الحاكم الهندي والكونجرس الوطني الهندي مهدا الطريق لوأد رغبة الكشميريين في الانضمام لباكستان ، حيث خُطَّت وثيقة الاستقلال في دهلي ثم قُدمت لحاكم كشمير المهراجا هاري سينج ، ولم يتأكد حتى الآن أن يكون المهراجا قد وقع على هذه الوثيقة أم لا ، وإن كان هناك مراقبون يرفضون وجود هذه الوثيقة أصلا.
فالمؤرخ البريطاني البارز الستر لامب يتحدى في كتابه "ولادة المأساة" أن تكون هذه الوثيقة موجودة قبل التقسيم ، ويؤكد أن وثيقة الانضمام ظهرت بعد أن هاجمت القوات الهندية ولاية جامو وكشمير في 27 أكتوبر 1947م ، مؤكدًا أن الوثيقة لم يُوقع عليها المهراجا ، حيث كان مترددًا في التوقيع علي الوثيقة ، حيث كانت الحكومة الهندية تتعامل بشأن وثيقة انضمام الولاية بشكل سري ، ولم تظهر للوجود إلا بعد احتلال القوات الهندية كشمير.
لم يوافق الشعب الكشميري علي احتلال الهند للولاية منذ اليوم الأول بدأ الجهاد ضد القوات الهندوسية ، وبمساعدة إخوانهم في باكستان ، وأيضًا بمساعدة رجال القبائل الباكستانيين الشداد ، وهذا يؤكد أن المقاومة المدعومة من رجال القبائل جاءت بعد يوم 27 أكتوبر ، وليس قبل ذلك التاريخ كما تدعي الهند.
ولما أحس الهندوس بأنهم سيُمنوْن بهزيمة ساحقة علي يد المجاهدين الكشميريين دفعوا النزاع حول كشمير إلى المنظمة الدولية ؛ طالبين دعمها ومع ذلك لم يطبقوا قرارًا واحدًا من القررات المتتابعة التي أصدرها مجلس الأمن. وقد أصدر مجلس الأمن الدولي قرارين في 13 أغسطس 1948م و5 يناير 1949م ، وافقت باكستان والهند عليهما ، ونص القراران على وقف إطلاق النار ، وترسيم خط وقف إطلاق النار ، ونزع السلاح من الولاية ، وإجراء استفتاء حر ونزيه ، إلا أن هذين القرارين لم ينفذ منهما بند واحد حتى الآن.
ونتيجة لترسيم الحدود بين الهند وباكستان أصبح هناك جزءٌ من كشمير تحتله الهند حوالي ثلثي الولاية ، ويسمى كشمير المحتلة ، وجزء آخر يسمى كشمير الحرة.
كشمير اليوم تمثل المأساة بكل المقاييس فعلى الرغم من أن الهند هي التي رفعت النزاع إلى الأممالمتحدة ، وتم اصدار قرارات بوقف إطلاق النار إلا أنها لم تكن سوى حبر على ورق ، فالهند لم تلتزم بها وواصلت حملة شرسة ضد الشعب الكشميري الذي قارب عدد من سقط صريعًا من أبنائه المائة ألف قتيل برصاص القوات الهندية التي لم تلتزم بوقف إطلاق النار.
وبما أن القرارات الدولية لم تقدم للكشميريين شيئًا ؛ لحل قضيتهم العادلة فما كان من هذا الشعب الأبي إلا أن قام بثورة عظيمة منذ العام 1989م دفاعًا عن أرضه ، وهذه الثورة دفعت رئيس الوزراء السابق أتال بيهاري فاجبايي إلى التفاوض مع رئيس باكستان المستقيل الجنرال بروفيز مشرف في السادس من يناير 2004م ، واستمرت المحادثات بين البلدين حتى تولى مان موهان سينج رئاسة وزراء الهند في 2004م .
وأظهرت باكستان مرونة شديدة في الحوار إلا أن الهند أظهرت تصلبًا وتعنتًا أشد ، وهذا الموقف الهندي عرقل كل جهود حل النزاع سلميًا حتى الآن ، ومن المعتقد أن الهند ستحصد نتيجة موقفها المتعنت ؛ لأنها فقدت فرصة ذهبية بعدم موافقتها على الاقتراحات الباكستانية ، وهي نزع السلاح ، والحكم الذاتي ، والإدارة المشتركة لحل النزاع.
ويبقى الوضع في كشمير المحتلة كما هو عليه ، ويستمر الإرهاب الهندي ضاربًا جذوره في الولاية منتهكًا كل القوانين والأعراف الدولية وغير الدولية ضد الأبرياء من أبناء الشعب الكشميري ، لتسجل بذلك منظمات حقوق الإنسان أرقامًا قياسية في انتهاكات حقوق الإنسان من قتل للأطفال والرجال والنساء ، وسجن للأبرياء ، وتغييب لعدد كبير من شباب كشمير.
وعبرت المنظمات الدولية للحقوق الإنسان عن استيائها الشديد مما يحدث لأهالي كشمير ، من هذه المنظمات امنستي انترناشيونال ، ومنظمة هيومن رايتس ووتش ، وآسيا ووتش ، وأصدرت هذه المنظمات تقاريرها ضد هذه الانتهاكات ، ولم تهتم سلطات الاحتلال الهندية بهذه الاحتجاجات ، واستمرت في ممارساتها القمعية ضد المسلمين في كشمير.
وفي 10 من يوليو 2008م أصدر الاتحاد الأوربي قرارًا في دورته المنعقدة في استراسبورج دعا فيه الهند إلي التحقيق النزيه والمستقل في المقابر الجماعية التي تصل إلى حوالي ألف مقبرة ، وأدرك القرار أن القبور حوت بقايا جثث لقتلى ، وأدان القرار القتل الذي تمارسه قوات الأمن والجيش الهنديين ، وعمليات الاختتطاف والتغييب الإجبارية ، وأيضًا التحرش بالنساء وغيرها من انتهاكات حقوق الإنسان .
وقد أدى قرار السلطات الهندية تخصيص قطعة أرض من أراضي كشمير لهيئة هندوسية لإقامة مساكن للهندوس الذين يزورون أضرحة في كشمير ، كان ذلك في صيف 2008 ، وأيضًا الحصار الاقتصادي الذي فرضه الهندوس على التجار المسلمين ، كل ذلك أدي إلى انتفاضة الحرية التي يقوم بها الكشميريون ضد القوات الهندية التي زادت من تحصيناتها في الولاية.
هذا هو السياق الذي لا بد أن يكون عليه الاحتفال بيوم 27 أكتوبر كيوم أسود في حياة الشعب الكشميري ، والاحتفال رسالة واضحة للعالم ليتعرف على المأساة التي يعيشها الشعب الشميري ، وأيضًا يشكل الاحتفال بهذا اليوم رسالة من الشعب الكشميري أنه ماض في طريقه لحل عادل لقضيته ، وعلى الهند أن تقرأ المكتوب على جدران البنايات في كشمير ، حتى تعرف كم يكره الكشميريون احتلالها للولاية ، وكم ستكون المقاومة خنجرًا مسمومًا في قلب الهند ، فهل تعي الهند معنى هذا الاحتفال، وتتحرك لحل النزاع حلاً نهائيًا لآخر مرة؟