بغداد.. اسم ظل لسنوات عديدة يلهب خيال من يسمع ويقرأ عنه.. فهو الاسم الذي اقترن في الأذهان بحكايات ألف ليلة وليلة وسحر الشرق وثقافته.. المدينة التي أقامت دول غربية كهولندا أماكن عامة شبيهة بأزقتها وشوارعها تحولت الآن- بعد عقد من سقوطها أثناء الغزو الانجلو أمريكي- إلي مدينة للرعب أوضح معالمها الجثث الملقاة علي قرعة الطريق. منذ الغزو الأمريكي للعراق ودخول قواته إلي بغداد في 9 أبريل 2003 وذهبت المدينة ولم تعد مرة ثانية.. فقد ساقتها الحرب إلي مرحلة عارمة بالفوضي والموت والتمزيق بعد ان كانت نقطة ثقل لحضارة المنطقة.. فتحت ستار الخوف من امتلاك سلاح نووي شهد التاريخ علي واحدة من افظع الانتكاسات التي انتجت مجازر انسانية بالجملة طالت الحجر والبشر في هذا البلد. كان إسقاط تمثال الرئيس العراقي السابق صدام حسين لحظة فاصلة في تاريخ العراق ويبدو ان مع سقوط عشرات التماثيل لصدام وتمزيق الآلاف من صوره- التي كانت تحتل بأحجامها المختلفة مواقع ظاهرة في أنحاء البلاد- سقطت هوية بغداد. بعد ان كانت المدينة منارة الشرق أصبح مشهد الدبابات والمدرعات ولجان الأمن تشكل منظومة الحركة في شوارعها. وعمليات التفتيش والمراقبة أمراً طبيعياً يعيشه سكانها. وحالة الكآبة والتوتر والقلق هي السمة الغالبة للحياة علي أراضيها والمأساة الحقيقية أن المسئولين برروا هذا التدهور بانتشار أعمال العنف التي تكبل ايديهم وتسد طريقهم نحو الاصلاح!! وفي تعليق لها علي ذكري الغرو ذكرت صحيفة "الإندبندنت" البريطانية أنه بعد عشر سنوات من الاحتلال الأمريكي أصبحت بغداد مدينة للفساد وأن الرشوة باتت العملة المهيمنة في بغداد. ونقلت الصحيفة عن سكرتير في الخدمة المدنية العراقية ببغداد قوله في مقابلات سرية قبل الغزو الأمريكي إن لديه توقعات متشائمة في حالة ذهاب صدام. فالعراقيون في المنفي هم نسخة طبق الأصل من الذين يحكمونهم "حزب البعث" مع فارق وحيد أن البعثيين شبعوا من سرقة العراق في ال 30 سنة الماضية. أما الذين يرافقون القوات الأمريكية لديهم نهم شديد. وأشارت الصحيفة إلي أن العديد من العراقيين الذين عادوا إلي العراق بعد الغزو كانوا ضحايا بقدر ما كانوا مناوئين لصدام حسين. ولكن بعد 10 سنوات تأكدت تنبؤات الموظف المدني العراقي الذي لم يذكر اسمه عن جشع الحكام الجدد للعراق. وتشهد بغداد أوضاعاً اقتصادية وسياسية وأمنية بالغة الصعوبة ولا تزال دماء العراقيين في الشوارع حيث يواجه هذا الاقتصاد الذي نهبه الاحتلال ودمر بنيته الاساسية تحديات جمة للخروج من النفق المظلم واسترداد عافيته إذ يئن تحت آعباء مديونية ضخمة تقدر بنحو 130 مليار دولار تكدست علي البلاد خلال سنوات الحرب والحصار الطويلة وقد أدي ذلك إلي تدهور الاقتصاد بشكل حاد. بغداد التي كان يقطنها أكثر من مليون مصري يوماً ما أصبحت الآن تضيق بأبنائها. بعد أن وصلت أسعار العقارات هناك لأرقام غير مسبوقة عالمياً. ومواطن بغداد الذي كان يحصل علي أعلي أجور ورواتب في المنطقة صار الآن في المرتبة الدنيا كما ان الدينار العراقي الذي كان يعادل ثلاثة دولارات أمريكية أصبح الآن يباع مقابل الدولار الواحد بنحو 1300 دينار. وبشكل عام زادت المأساة في العراق علي الرغم من أنه يصدر ثلاثة ملايين برميل نفط إلي العالم الخارجي بصفة يومية. ويتمتع بثروات طبيعية وتاريخية. من مياه وأرض زراعية وسياحة دينية وجمال طبيعة منقطع النظير فقد قضت الحرب علي الاخضر واليابس معا. وحتي بعد انتهاء الحرب تحول العراق إلي بلد العنف والفقر والضياع فقد تحققت تهديدات جيمس بيكر وزير الخارجية الأمريكي وقت الحرب لطارق عزيز نائب رئيس الوزراء العراقي آنذاك "إننا سوف نعيدكم إلي العصر الحجري" وبالفعل تحقق ذلك.