** أخوات في الحرب, واحد من أحدث الكتب عن العراق صدر منذ ثلاثة أشهر, ينقل إلينا تفاصيل جديدة عن الجريمة والمؤامرة الأمريكية البريطانية التي ارتكبت لهدم وتدمير العراق دولة وشعبا, والتي جرت لحساب إسرائيل, بصمت عربي مخجل. الصحفية الأمريكية كريستينا أكسويث التي قضت عامين في العراق بعد الغزو الأمريكي لأراضيه, تغطي ما يجري من أحداث الحرب لصحيفتي النيويورك تايمز وكريستيان سانيس مونيتور ومجلة الإيكونوميست أكدت أن الجديد ليس دائما أفضل من القديم, وكشفت في335 صفحة جانبا آخر أسود من ملف الغزو والاحتلال الأمريكي للعراق من خلال صداقتها ومعايشتها لأسرة عراقية عاشت معها أحداث الحرب, وتمزقت مثل كل أسر العراق بين هروب الابنة ومرض شقيقتها وأحزان والديهما, لقد تحول حلم التحرر من قهر صدام والترحيب بالقوات الأمريكية الي كابوس طويل بعد أن اكتشف العراقيون والأمريكيون الخديعة والمؤامرة لسرقة ثروات العراق وتراثها, الكتاب يتناول أيضا أحاديث عدد من المتطوعات الأمريكيات ممن خدعهن جورج بوش بعد أن جئن للعراق وتعرضن للقتل والاختطاف. قصة حب, وحياة أسرة يسعي أفرادها للتعايش في العراق الجديد مع القتل العشوائي والحرب الطائفية والمعتقدات الدينية التي يفرضها الآن علي العراقيين, متطرفون لا علاقة لهم بالإسلام. وإليكم عرضا لكتاب أخوات في الحرب الذي كتبته كريستينا اكسويث بدموعها ودفعتها أحزان العراق الجديد لأن تترك بغداد بعد عامين, وتعتزل الصحافة, وتعود الي بلادها لتعمل أستاذا الدراسات العربية وللمرأة في الإسلام بجامعة فيرمونت الأمريكية. العراق الجديد ولد من رحم أكبر الجرائم التي ارتكبت في العصر الحديث مع سبق الإصرار والترصد في حق دولة مستقلة أصبح أبناؤها أكثر شعوب العالم تعاسة بعد أن انقسموا الي فرق وطوائف وجماعات إرهابية نصفها من القتلة والنصف الآخر ضحايا. كانت زيا أو زوزو كما تطلق عليها والدتها تجلس مع شقيقتها نونو في حجرتهن بعد العشاء يراودهن الأمل في أن تحرر القوات الأمريكية, التي تقترب من أبواب بغداد, العراق من صدام حسين الذي حول البلاد الي سجن كبير, وقد حركتا مؤشر الراديو الي إذاعة مونت كارلو, فقنوات التليفزيون العراقي لا تذيع سوي دعايات وأكاذيب وزير الإعلام العراقي سعيد الصحاف, الذي يعلن أن قوات الرئيس العراقي البطل صدام حسين سوف تدفن قوات الغزو الأمريكي قبل أن تصل الي أبواب بغداد. كانت الشقيقتان تحلمان مع والدتهما بعراق جديد, فالحياة سوف تتغير بالكامل بمجرد هزيمة صدام حسين وتحرير البلاد من قمعه, وسوف تحصل زيا أخيرا علي بكالوريوس الطب, ونونو سوف تتزوج المطرب العراقي الشهير رضا العبدالله وتنجب منه17 طفلا, جميعهم من الذكور, الفتاتان تنتميان الي أسرة عراقية شيعية متحررة الي حد كبير من الطبقة المتوسطة, وهما تدرسان بالجامعة وتجيدان اللغة الانجليزية, ويسمح لهما والدهما بارتداء البنطلون ووضع المساحيق ويحضر لهما أحدث الملابس المستوردة وهما من أقلية نساء الشيعة اللاتي لا يضعن حجابا أو يرتدين العباءة السوداء, وسيدات المدينة ينظرن لأسرتهما باحترام شديد, نظرت نونو الي والدتها وقالت لها: صدام لم يفعل شيئا من أجل شعبه, ولكنه سرق طوال عقدين العراقيين والغريب أنهم لايزالون موالين له ضد الأمريكيين, كيف يمكن الدفاع عن هذا الرجل؟ كانت الأسرة قد انتقلت قبل الغزو من بغداد الي قرية هيت القريبة والتي غالبية سكانها من الشيعة للإقامة في شقة خالتهما, ومثل بغداد, أقيم في وسط المدينة تمثال كبير لصدام محرر العراق! تدخلت الأم في الحوار, وحكت لهن كيف حصلت النساء علي حرياتهن وحقوقهن وقد كانت العراق من أكثر الدول العربية نشاطا وحركة وبدأت تنمو اقتصاديا بفضل اكتشافات النفط تحت حكم عبدالكريم قاسم, لقد تراجع المحافظون ودعاياتهم الدينية المتطرفة, وبدأ الشباب في عدة دول عربية يتأثر بالثقافات الغربية, ولكن في عام1963 صدم العراقيون باغتيال قاسم بواسطة مجموعة غير معروفة ترتبط بسوريا من أعضاء حزب البعث. كانت الأم قد تعرفت علي والدهما في سن الثامنة عشرة, وكان قد عاد من لندن مع أكثر من أربعين عراقيا حصلوا علي الدكتوراه ويحمل معه قصصا ومشاعر جديدة عن ثقافة الغرب في عام1980, حكت الأم علي ابنتيها كيف وصل صدام حسين الي الحكم بالخديعة والتآمر, ثم تخلصه بعد ذلك من قادة البعث بالقتل والسجن, وقد تراجعت كل الحريات التي اكتسبها العراقيون تحت حكم قاسم, وانهارت آلاف العائلات بعد مقتل وسجن الأزواج والأبناء المعارضين لحكمه, وهجرة أكثر من مليوني عراقي الي الخارج هربا من بطشه. كان والد الفتاتين أحد ضحايا صدام الذي قام بتأميم الشركة الألمانية التي يعمل مديرا بها, واحتل أعضاء في البعث المناصب المهمة بالشركة, وعند رفض والدهما الانضمام للحزب صدر قرار بفصله, وقد صعبت الحياة علي العراقيين بعد أن قادت الولاياتالمتحدة مقاطعة اقتصادية علي العراق عقب غزو الكويت, فكانت الأمهات تناضل لإطعام أطفالهن. أعلنت أخبار النشرة المسائية في إذاعة مونت كارلو, دخول القوات الأمريكية بغداد دون أي مقاومة وسقوط نظام حكم صدام حسين ومعه كل تماثيله المزروعة في مدن العراق, ورقصت الشقيقتان فرحا وهللت الأم بتحرير العراق من قبضة الديكتاتور, لكن الأب بدا عليه القلق, محذرا من دخول المحتل الأجنبي لبلاده, واختفي صوت وصورة سعيد الصحاف من علي شاشات التليفزيون العراقي, ولأول مرة تري زيا أسرتها سعيدة, وظهرت السعادة علي وجوه الجنود الأمريكيين بعد سقوط مطار بغداد وكان ضمن القوات الأمريكية الملازم هيذر كوين التي طلبت من زملائها التقاط صور لها بالملابس العسكرية وأرسلتها الي أصدقائها في واشنطن, وكانت قد حصلت علي دبلومة في اللغة العربية من معهد وزارة الدفاع للغات, وقد قررت هيذر وهي في الثلاثين من عمرها الاستقالة من عملها والتضحية بمستقبل آمن كمحاسبة في مكتب الإدارة والميزانية بالبيت الأبيض مما صدم كل من يعرفونها. كان الخوف يطغي علي مشاعر الجنود الأمريكيين بعد دخولهم بغداد من هجمات أنصار صدام بأسلحة الدمار الشامل, وبعد أسبوعين بدأوا يتهامسون فيما بينهم, بعد أن تبينوا أنه لا وجود لهذه الأسلحة, وأن الرئيس الأمريكي جورج بوش قد خدعهم من أجل تبرير احتلال العراق. لم تتطوع هيذر للعمل بالقوات الأمريكية في العراق لمشاركة بوش في حربه فهي بطبيعتها ضد الحروب والعنف, لكن في رأيها أن العراق لقي معاناة هائلة تحت حكم صدام, وقد وجدت في هذه الحرب فرصة لتحرير الشعب العراقي المقهور, وحصول النساء علي حقوقهن مثل ما حدث في أفغانستان![ الي هذا تغسل الدعايات الأمريكية المغرضة أدمغة الشباب بمن فيهم المثقفون]. وشعرت هيذر بالفخر في مهمتها الجديدة! وقد أرسلت لوالديها الأستاذين الجامعيين في سان فرانسيسكو حيث نشأت خطابا شرحت لهما أسباب تطوعها في الجيش من أجل إنقاذ العراقيين, وكانا قد عارضا بشدة استقالتها من البيت الأبيض من أجل المشاركة في حرب هدفها سرقة نفط العراق ويرفضها أغلب الشعب الأمريكي, لكن هيذر صدمت للخلل في الأمن بسبب قيام العراقيين بالسلب والنهب, وسرقة كنوز المتاحف والقصور دون أن يتدخل الجيش الأمريكي. شاركت الفتاة العراقية منال عمر المهاجرة مع أسرتها في مظاهرة من آلاف الشباب بواشنطن تهاجم الغزو الأمريكي, فالعراقيون عانوا بما فيه الكفاية, ويجب أن نساعدهم بدلا من قذفهم بالقنابل, وأعلن وزير الخارجية كولين باول أن إدارة بوش تسعي لمنح المرأة العراقية حقوقها ليس فقط طبقا للقيم الأمريكية ولكن من أجل المصلحة الأمريكية, وفي يوم7 مارس2003 بعثت أكبر ثماني منظمات نسائية أمريكية برسالة الي البيت الأبيض, يطالبن بلقاء مع الرئيس بوش وكبار المسئولين, لمناقشة مخاوفهن من أن العنف سوف يؤدي الي عنف آخر... وبالنسبة للنساء العراقيات, سوف تقود الحرب المتطرفين العراقيين لارتكاب أعمال عنف ضد النساء, خاصة في حالة الفوضي التي نتجت عن الغزو الأمريكي, مما سوف ينعكس سلبا علي حقوق المرأة, لكن طلب ممثلي المنظمات النسائية لاجتماع مع بوش أو أي مسئول رفض, فقد رأت الإدارة الأمريكية أن مخاوفهن مدفوعة بانتماءات سياسية معادية لبوش. كانت منال تعمل محلل مالي في البنك الدولي لشئون الشرق الأوسط, وقد قررت أن تستقيل من عملها, وتقدمت للعمل في العراق مع منظمة نسائية مقرها في واشنطن اسمها المرأة من أجل المرأة عالميا womenforwomeninternational أما مديرة المنظمة فكانت من أصل عراقي اسمها زينب سالبي وقد هربت من نظام صدام حسين في بدايات العشرين من عمرها, لكنها كانت مثل منال ضد الحرب وتشعر بالقلق من خطر الغزو علي العراقيات, وجاءت أيضا الي العراق دون أن تعبأ بمعارضة والديها. تحولت فرحة الفتاتين زيا ونونو بقدوم القوات الأمريكية لاسقاط صدام الي مخاوف مما يجري من عنف وسألت زيا والدها: لماذا لا يفعل الأمريكيون شيئا لإقرار الأمن؟ النساء اللائي يخرجن بمفردهن في الشوارع كن يتعرضن للاغتصاب والاختطاف, لذلك فضلت الأم وابنتاها البقاء في الشقة لا يغادرنها لعدة أسابيع. كان عمر جار الأسرة تعاقد مع القوات الأمريكية لبناء وحدة لغسيل الملابس, وكان سيوقع العقد معهم في اليوم التالي, وسأل جاره: الأمريكيون لا يعرفون اللغة العربية ويحتاجون الي مترجمين, ولما كانت زيا تتحدث الانجليزية بطلاقة وكانت تتفوق علي جميع زميلاتها في الدراسة وحصلت علي أعلي الدرجات في الثانوية, وقد أعدت نفسها لدراسة الطب, لكن الأماكن في كلية الطب خصصت لأبناء أعضاء حزب البعث, فحولت رغباتها لدراسة الترجمة, كانت زيا في نظر والدتها تساوي سبعة أولاد, رفض الأب في البداية عرض جاره لتعمل زيا مترجمة, ولكن أمام ثقته في ابنته وضغوط الحياة وصعوبتها وانعدام أي فرص عمل بالنسبة للأب ولجميع العراقيين, وبعد أن توقف مرتب الأم التي تعمل مدرسة منذ ستة أشهر مع16 ألف مدرس عراقي, وافق الأب علي عمل ابنته زيا, وافقت الأم أيضا. مرت ستة أشهر علي الغزو, وتضاعفت الفوضي والسرقات, لكن زادت أيضا الاعتداءات علي الجنود الأمريكيين, واضطرت القوات الأمريكية لقيادة جهود إقرار الأمن في دولة ممزقة ومنهارة ومفلسة بسبب الحصار الاقتصادي, ثم الفوضي التي جاءت مع الغزو الأمريكي للبلاد, تضاعفت أعمال المقاومة ضد الاحتلال وضد العراقيين العاملين معهم, وأصبح التنقل داخل بغداد يعرض المارة للخطر, خاصة مع صعوبة حركة المرور بسبب غياب الشرطة وتوقف الكهرباء وزحام السيارات نتيجة فتح الحدود مع الدول المجاورة. حصلت زيا علي وظيفة مع الأمريكيين في شركة أمريكية عراقية جديدة لخدمات الإعلام يطلق عليها شبكة الإعلام العراقية تتبع وزارة الدفاع الأمريكية واتخذت مركز المؤتمرات داخل المنطقة الخضراء مقرا لها, وكان من المفترض أن تكون أول مصدر عراقي لأخبار الراديو والتليفزيون, وقد عملت زيا مترجمة للوفود الصحفية الأمريكية ترافقهم خلال تحركهم لتغطية أحداث الحرب, لكن حالة العراقيين ازدادت سوءا, فمئات الآلاف من موظفي الحكومة لم يحصلوا علي مرتباتهم منذ غزو البلاد, لكن المناخ العام داخل الشركة ساعد زيا علي التقدم في عملها, المشكلة الوحيدة التي واجهتها, هي أن حياتها لم تعد آمنة, وقد سمح العمل لزيا بالاتصال بكبار المسئولين الأمريكيين وحجز لها مقعدا متقدما في الصفوف الأولي في الجهود الأمريكية التي تقدر ببلايين الدولارات لإعادة بناء العراق, ولم يعد من الممكن الحفاظ علي سر عملها مع الأمريكيين, فداخل المنطقة الخضراء كان هناك آلاف العراقيين لا يعرف بعضهم بعضا, ومن بينهم رجال من المقاومة مهمتهم الإبلاغ عن العاملين العراقيين مع الأمريكيين للانتقام منهم وتصفيتهم, كانت الشقيقتان تتبادلان الحديث في المساء, وزيا تحكي لنونو تفاصيل عملها ولقاءاتها بالصحفيين والجنود الأمريكيين, وكان زملاء زيا الأمريكيون يقولون لها إن دولة العراق الجديد أصبحت حرة وديمقراطية, والفرص متاحة لتحسين أوضاع المرأة, ولكن المشكلة كانت كيف يمكن تغيير مفهوم العراقيين تجاه المرأة وحقوقها ومساواتها بالرجل! قادت منال وهيذر حركة الدفاع عن حقوق المرأة داخل العراق, ونظمتا اجتماعات شاركت فيها أعدادا كبيرة من النساء, وكان لدي هيدز ميزانية قدرها1,4 مليون دولار لإنشاء تسعة مراكز للمرأة العراقية لمساعدتها علي المطالبة بحقوقها, وكانت عقيلة الهاشمي تقود أحد هذه المراكز, ولا تخشي تهديد المتطرفين وترفض حتي وضع حجاب علي رأسها, وعندما خرجت من منزلها في طريقها الي عملها للحاق باجتماع مع هيذر أطلق عليها إرهابي رصاصة أردتها قتيلة, وصدم الخبر قادة الحركة النسائية وفي مقدمتهن هيدز ومنال اللاتي جئن الي العراق من أمريكا من أجل مساعدة المرأة العراقية وتحسين ظروف معيشتها. انتقلت زيا للعمل بشركة أمريكية للمقاولات بمرتب500 جنيه شهريا, ويعد مبلغا كبيرا نسبيا وأصبحت المصدر الوحيد للانفاق علي أسرتها, وقد تعرفت زيا علي زميل لها أمريكي في نحو الأربعين من عمره أبدي اهتماما كبيرا بها. الحياة كانت لاتزال آمنة في المنطقة الخضراء, ولم تحاول زيا أن تخاطر بالخروج مع كيث خوفا علي حياتها, وتعددت لقاءاتهما, وقد قبلت دعوته للغداء في أحد المطاعم في الخارج بعيدا عن نظرات زملائهما, وتحدث لها كيث عن حياته, فقد كان منفصلا عن زوجته الأمريكية ولديه ابنة عمرها15 عاما, وكان والده عسكريا خدم في فيتنام, وقد قضي طفولته وصباه مع والديه الأمريكيين في الفلبين قبل أن ينتقلوا الي كاليفورنيا في آخر الستينيات, وبالرغم من ثقافة كيث الأمريكية إلا أنه كان علي معرفة جيدة بأخلاقيات وثقافات العرب ويحترم تقاليدهم, ولم يحاول أن يتعامل مع صديقته العراقية زيا مثل ما كان يتعامل مع الأمريكيات, وقد حكت زيا لكيث عن أسرتها وعن حياتهم تحت حكم صدام وكيف أسندت المخابرات العراقية إليها خلال عملها سكرتيرة بالسفارة المصرية ببغداد مهمة التنصت علي جميع المكالمات التليفونية, بدأت مشاعر الحب تربط زيا وكيث الذي طلب منها أن يزور والدها ويطلب زواجه من ابنته, لكنها شعرت في البداية بالخوف وطلبت منه أن ينتظر حتي تمهد له الطريق, بالحديث مع والدتها, ولكن عندما جاءها الي مكتبها بائع الشاي الذي يقف في الشارع وكانت تساعده ببعض المال من وقت لآخر, يبلغها أن بعض الشباب المسلمين طلبوا منه معلومات عنها ومع من تعمل وعنوان منزلها بهدف قتلها بسبب عملها وصداقتها للأمريكيين, انتفضت رعبا وأبلغت كيث الذي قرر أن يزور والدها بسرعة وأن يتزوجا ويسافرا الي الولاياتالمتحدة, لكن الأب رفض في البداية أن تتزوج ابنته أمريكيا, وأمام التهديدات بالقتل التي وصلتها بالبريد حتي منزلها, وافق الأب وسافرت زيا الي الأردن وسط حزن الأسرة علي فراقها ولحق بها كيث ومن هناك سافرا الي كاليفورنيا وأقاما في سكرامنتو بعد أن تزوجا, أما شقيقتها نونو فقد رفضت الزواج من شاب عراقي يدرس للدكتوراه في لندن جاء سرا الي بغداد يبحث عن زوجة, وعندما زار الأسرة في منزلها قدم الي نونو في نهاية لقائه مع والديها ورقة بها أسئلة كشفت عن نظرته المتدنية للمرأة, وما كان منها أن مزقت الورقة وطلبت منه أن يبحث عن فتاة غيرها تقبل أن تكون خادمة له وليست زوجة, وقد دخلت نونو بعد سفر زيا في حالة اكتئاب شديدة, وكانت تقضي أياما داخل حجرتها مستعينة بالمهدئات وأدوية مقاومة الاكتئاب نتيجة الخوف من الخروج من المنزل والحزن علي فراق شقيقتها. ومع مرور الوقت أصبحت المنطقة الخضراء أقل أمنا بعد أن استخدم الأمريكيون أعدادا كثيرة من البعثيين للعمل معهم دون أن يعرفوهم وأصبح مجرد السير في الشارع مخاطرة بعد أن تضاعفت أعمال الإرهاب الانتحارية التي يروح ضحيتها عشرات الأبرياء كل يوم.. المهم أنه بعد ست سنوات لم تتحقق الديمقراطية ولا الأمن في العراق, فبعد أيام من سفر زيا تلقت خبر مقتل فيرن هولان الناشطة الأمريكية التي جاءت لتعمل لمساعدة نساء العراق وعقدت مؤتمرا في بغداد شاركت فيه مئات العراقيات وعدد من المنظمات النسائية الأمريكية, استمر أربعة أيام, وكانت قد أعلنت في البداية أننا لا نخدم إدارة بوش, ولكننا جئنا لخدمة نساء العراق ويبدو أن محاولاتها لمساعدة نساء العراق وتوعيتهن لحقوقهن, كانت السبب الذي أدي الي مقتلها بواسطة بعض المتطرفين. أما مقتل فيرن وغيرها من الأمريكيات, فقد كشف أن جورج بوش لم يخدع العراقيين والعراقيات فقط, بل وقع أيضا كثير من الأمريكيين في شرك أكاذيبه. لم تعد الأسرة العراقية الطيبة المسالمة كما كانت بعد رحيل زيا مع صديقها كيث, لقد خطفت الغربة والمجتمع الجديد والقلق علي الوالدين والشقيقة نونو السعادة من زيا, أما الأسرة في العراق الجديد فقد أضاف غياب الابنة الكبري زيا مزيدا من التعاسة والأحزان لوالديها ولنونو. عرض وتعليق: مصطفي سامي