لا يختلف أحد من المصريين علي أن تكون مباديء الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع.. ورغم هذا الاجماع لم يتم تفعيل هذا النص علي مدي عقود من السنين منذ وضعه في دستور "1971" أو حتي الآن.. ظلت بعض القوانين مخالفة للشريعة وعلي رأسها قانون مثل الزنا كما أن العقوبات الشرعية ظلت معطلة ولم يتم النص عليها صراحة في أي قانون.. وكانت الحجة أن المجتمع لم يتم تهيئته لقبول أحكام الشريعة رغم أن القرآن كله والسنة النبوية المطهرة نزلت في 22 سنة فقط وغيرت مجتمعاً جاهلياً بالكامل إلي الحكم بما أنزل الله.. لماذا كل هذا التأجيل والتأخير؟.. سؤال لا إجابة له. الوضع في الدستور الجديد ربما يكون قد تغير قليلاً.. فقد تمت اضافة مادة جديدة هي المادة "219" والتي حددت بالضبط المقصود بمباديء الشريعة وقالت إنها تشمل الأدلة الكلية وقواعدها الأصولية والفقهية ومصادرها المعتبرة في مذاهب أهل السنة والجماعة. ولكن هذه المادة أيضاً ظلت مثار جدل ونقاش ومعارك كلامية ومناظرات قانونية وظل لفظ "المباديء" حائراً بين تفسير المحكمة الدستورية بأنها قطعية الثبوت قطعية الدلالة وبين التفسير الأخير لعلماء الفقه الإسلامي حتي حسم أمرها في الجلسات الأخيرة للدستور. السؤال الذي يطرح نفسه الآن ما هو المقصود بالمادة الجديدة في الدستور وهل تلزم المشرع حقا بتنقية القوانين المخالفة للشريعة وهل هذا سيتم علي أرض الواقع.. وهل المجتمع الآن مهيأ لذلك.. وما هو السقف الزمني لهذه التهيئة وإلي متي سيظل أمر الشريعة مرهوناً بها؟! فرق بينهما الدكتور عطية عبدالموجود استاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر يري أن هناك فرقا بين الدستور السابق والحالي في هذه الناحية حيث ان الدستور هذه المرة أدق وألزم وأحكم للصياغة لأن كلمة "مباديء" وحدها فضفاضة وتفسر ايضا بالتدرج والسهولة والتيسير ولكن النص عندما حدد المقصود بها فلا شك أنه الزم المشرع بالتطبيق العملي وان كنت أري من وجهة نظري ان لفظ "أحكام" كان يغني عن كل ذلك. أما مسألة تهيئة المجتمع فيري الدكتور عطية عبدالموجود انها كلمة حق أريد به باطل ليستمر التلكؤ في التطبيق والتحلل من شرع الله لإرضاء الشرق تارة والغرب تارة أخري وللخوف من أي ضغوط داخلية أو خارجية والله يقول في محكم كتابه "ويقولون آمنا بالله وبالرسول وأطعنا ثم يتولي فريق منهم من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين وإذا دعوا إلي الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين أفي قلوبهم مرض أم ارتابوا أم يخافون ان يحيف الله عليهم ورسوله بل أولئك هم الظالمون" وبعد هذه الصورة القرآنية التي رسمتها الآيات الكريمة للمعارضين لشريعة الله وكيفية هروبهم منها واصطناع الحجج واختلاف المبررات التي لا تنتهي ليظل المجتمع متحللاً من شرع الله تحسم الآيات الكريمة كل هذا وتصدر حكمها الذي ينبغي ان يخضع له الجميع "إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلي الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون". المواطنة سألته ولكن البعض يتخوف من بعض الآراء الفقهية التي تفرق في بعض الأحكام بين المسلم وغير المسلم.. فهل توجد في الشريعة حلول تتفق علي المواطنة ومع المعايير الدولية لحقول الإنسان؟ أجاب: لا يوجد شرع في العالم ولا قانون يضمن حقوق غير المسلمين أو الأقباط مثل شرع الله وسنة رسوله محمد صلي الله عليه وسلم الذي قال من آذي ذمياً فقد آذاني" إن حقوق غير المسلمين واجب ديني واهدارها جريمة يعاقب عليها الإسلام ولكن "الشياطين ليوحون إلي أوليائهم ليجادلوكم" وما يقوله البعض من أن دية المسلم ضعف غير المسلم مردود عليه بأن الجميع متساوون من منطلق إنساني لأن الله يساوي بين الناس جميعاً وهو الذي قال "ولقد كرمنا بني آدم" ولم يقل كرمنا المسلمين وحدهم فلماذا يلجأ البعض لذكر الآراء التي تشكك في عدل شرع الله ويتركون بقية الآراء الفقهية مع ان القاعدة المعروفة تؤكد أن اختلاف الأئمة رحمة واختيار الحاكم لأي رأي يدفع الكلام. الشعب والشريعة الدكتور عبدالحي عزب استاذ اصول الفقه بكلية الشريعة بجامعة الأزهر والعميد السابق لكلية الدراسات الإسلامية والعربية يشير إلي ان تطبيق الشريعة ينطلق من أمرين.. الأول هو القصد السليم لدي السلطة الحاكمة نحو تطبيق شرع الله وتفعيله وتطبيقه علي أرض الواقع والأمر الثاني هو الشعب المعني بهذا التطبيق والذي لابد أن يساعد الحاكم بأفعاله وسلوكياته ومراقبته لله في كل ما يفعل في عمله وبيته ومعاملاته وعباداته وأمر التغيير هنا محسوم بالآية الكريمة في سورة الرعد "إن الله لا يغير ما بقوم حتي يغيروا ما بأنفسهم وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له". أضاف: هذان هما الركنان الاساسيان اللذان يمثلان عماد تطبيق شرع الله بحيث تأتي الارادة منسجمة بين الحاكم والمحكوم ولا أعتقد انه يوجد مسلم يأبي تطبيق شرع الله.. أما غير المسلم فهو ابن هذا الوطن وشريك المسلم في الاقامة فيه وهي كل شيء ولا فرق بين دم مسلم أو مسيحي فكلها دماء مصرية مقدرة وعزيزة علي الجميع.. والإسلام أكثر أماناً وأمناً لغير المسلمين علي أنفسهم وأهلهم وأولادهم وأموالهم في ظل تطبيق شرع الله.. وهذا ليس كلاماً انشائياً.. وإنما هذا ما يسجله تاريخ الإسلام وما تحث عليه السنة النبوية الشريفة لصاحبها النبي محمد صلي الله عليه وسلم والذي لا ينطق عن الهوي. ومن هنا وكما يؤكد الدكتور عبدالحي عزب يأتي الدستور الجديد ليضمن هذا الأمر من حيث المناداة بالمباديء وتفسيرها بالأسس والقواعد والأدلة التي تبني عليها الاحكام الشرعية والتي تختلف باختلاف الزمان والمكان والاشخاص والاعراف. أضاف: أما ما يروج من خشية البعض من تطبيق الشريعة فهذا وأن كان ظناً خاطئاً ولكن مرده إلي بعض الأصوات العالية التي تروع الناس بأفكار مغلوطة لا علاقة لها بصحيح الدين غير ان المصادر المعتبرة الموجودة في الدستور الجديد والتي تعتمد علي المذاهب الفقهية الصحيحة سواء في الفقه الحنفي أو المالكي أو الشافعي أو الحنبلي فيه ما يضمن الرد علي هؤلاء الذين يروجون لأفكار لا علاقة لها بالدين ويساعدهم في ذلك للأسف بعض الاعلاميين الذين يسعون لتشويه الدين. أما من ناحية تهيئة المجتمع للتطبيق فيشير الدكتور عبدالحي عزب إلي أن من استعجل شيئاً قبل أوانه عوقب بحرمانه ولكن هذا يحتاج إلي جهد وعمل دءوب وليس الفرجة علي المجتمع حتي يهييء نفسه بنفسه. لابد من تعاون بين الإعلام والمساجد والأسرة والمدارس وأدوات التثقيف المختلفة لتعليم الناس السلوكيات الطيبة ومزايا البعد عن الانحراف والتقرب إلي الله بالطاعة في العمل والشارع والبيت ومزايا تطبيق الشريعة من حفظ الشارع والبيت ومزايا تطبيق الشريعة من حفظ للنفس والعرض والدين والمال والكف عن ترويع الناس باشياء لا علاقة لها بالدين وعدم بث المواد الدرامية التي تعلم الناس أساليب الخيانة والبلطجة والقتل وسفك الدماء.