بعد ثلاثة أيام غير منقطعة من العصيان المدني في مدن السودان، قررت قوى إعلان الحرية والتغيير تعليق العصيان المدني والإضراب السياسي مؤقتًا مع نهاية 11 يونيو، لإعادة ترتيب هذه الأوضاع، بحيث تستمر المقاومة بشكل أقوى وأكبر، بحسب تجمع المهنيين الأحرار. وقالت قوى الحرية والتغيير، في بيان لها صدر مساء أمس، إنه تم تنفيذ العصيان بنسبة مرتفعة جدًّا وعلى جميع المستويات الحيوية في جميع المدن السودانية على مدار ثلاثة أيام. وأكدت أن المجلس العسكري تكبد خسائر سياسية جمة، وتكشّفت له حقيقة أن مقاليد الحكم هي بيد الشعب السوداني. وتظل تجربة العصيان المدني تجربة بارزة في تاريخ المقاومة السلمية، تؤكد عظمة وخبرة الشعب السوداني في فرض إرادته الشعبية والإمساك بزمام أمره. وأشار البيان إلى أن هذا الإجماع المدني غير المسبوق هو بمثابة رسالة واضحة للمجلس العسكري حول مكامن قوة وجبروت الشعب السوداني. نجاح العصيان ورأى عدد من التحليلات أن العصيان المدني كشف عن وحدة الشعب السوداني أمام المؤامرات التي تحاك ضده. من بينها مقال لحازم عبد الرحمن، نشره بعنوان “تصحيح مسار الثورة السودانية” على موقع (الشارع السياسي)، اعتبر فيها أن الدعوة إلى “العصيان المدني” في مواجهة العسكر كانت بداية تصحيح مسار الثورة السودانية التي عانت في بدايتها من التسرع وغياب خطاب يجمع حولها كل مكونات الشعب، بل نزوعها إلى الإقصاء وعدم الإعلان عن توسيع المشاركة لتشمل كل القوى والأحزاب المؤيدة للتغيير، والآن حان وقت العمل المشترك بعد أن انكشف مخطط المجلس العسكري للتمسك بالسلطة، والالتفاف على أهداف الثورة، وتنفيذه مطالب الإمارات والسعودية والانقلابيين في مصر. وطالب المقال قوى الحرية والتغيير بمراجعة مواقفها السابقة، وتوسيع المشاركة لتشمل كل قوى الشعب السوداني التي هي الظهير الحقيقي للحراك في الشارع. وشدد على أنه لن يكون باستطاعة المجلس العسكري مواجهة العصيان المدني الشامل الذي لفت الأنظار بالاستجابة الواسعة له، ما يمكن أن يكون سلاحًا جديدًا للتغيير السلمي في البلاد العربية لإسقاط أنظمة الحكم الفاسدة، والتي جاءت بانقلابات عسكرية على إرادة الشعوب، وقتلت الأبرياء، وباعت الأوطان، وقد تكون البداية هذه المرة من السودان والجزائر؛ لتعود الجيوش إلى مهمتها الأساسية التي ترتبط بحماية الحدود وأمن البلاد، ولا تطمع في السلطة أو تفكر في السطو عليها. وأوضح أن قوى الحرية والتغيير لم تجد بدا من الدعوة إلى العصيان المدني في مواجهة رصاص العسكر، والمدرعات الإماراتية التي تجوب شوارع العاصمة الخرطوم، وهنا جاء رد الشعب مذهلا، يؤيد العصيان المدني ضد العسكر، رافضا بقاءهم في السلطة، واستجابت قطاعات واسعة من الشعب لدعوة العصيان في مختلف الهيئات الحكومية والشركات الخاصة والمرافق الخدمية، وخلت الشوارع من المارة، وتوقفت الصحف السودانية عن الصدور بسبب استجابة العاملين في المطابع لدعوة العصيان، فضلا عن شلل شبه كامل في عمل المصارف والمستشفيات، ما أزعج المجلس العسكري الانتقالي، وجعله يعرب عن أسفه لما أسماه “السلوك المتصاعد”، ويقرر تعزيز الوجود الأمني، ويعود إلى التهديد مجددا. الوساطة بعلم الإمارات وسجل “عبد الرحمن” ملاحظات على الوساطة الدولية خلال اندلاع الثورات، خاصة في ظل حالة التربص الإقليمي بكل مطالبةٍ تبدو من الشعوب لنيل حريتها، وفي الحالة السودانية لا يمكن استبعاد دور خفي للإمارات وراء وساطة رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد الذي زار الخرطوم، والتقى قوى الحرية والتغيير وقادة المجلس العسكري. ونظرا لفقدان الثقة بالعسكر، اشترطت قوى الحرية والتغيير أن يقر المجلس العسكري الانتقالي بمسئوليته عن قتل المتظاهرين أثناء فض اعتصامهم في 3 يونيو الماضي، وأن يكون هناك تحقيق دولي في هذه الواقعة؛ فبرغم أن الجيش والشرطة لم يشاركا في ضرب الاعتصام، إلا أنهما سحبا قواتهما ليشكل غيابهما تغطية لميليشيات الدعم السريع، ولا يستطيع المجلس العسكري نفي مسئوليته عن أن مليشيات غير منضبطة ارتكبت ما ارتكبته من دون علمه، أو رغما عنه، والأهم أنه لا يستطيع تبرير اختفائه في اللحظة التي كانت الحاجة فيها إليه ماسة ليقوم بمهمة هي من صميم اختصاصه، وهي الحفاظ على الأمن، وحماية المواطنين. من ناحية أخرى، كشف المتحدث الرسمي باسم تجمع المهنيين السودانيين، إسماعيل التاج، عن أن الإمارات أرسلت 30 سيارة دفع رباعي لقوات الدعم السريع، حيث شاركت فيها بفض اعتصام مقر القيادة العامة للقوات المسلحة يوم 29 رمضان. وقال، في حوار مع "الخليج أونلاين": "سيارات الإمارات تملأ شوارع الخرطوم، ويستخدمها الدعم السريع في قتل الثوار، حيث استشهد 120 سودانيا منذ بدء فض الاعتصام". ودعا التاج قيادات دول السعودية والإمارات ومصر إلى "التوقف عن دعم المجلس العسكري، الذي يستخدَم هذا الدعم في سحق الشعب السوداني، واستهداف ثورته السلمية"، مطالبا إياهم بعدم التدخل بهذه الصورة في السودان.