“مذبحة وتصرفات بربرية”.. بهذه الكلمات وصفت القوى السياسية الإسلامية بالسودان ما حدث فى جريمة فض الاعتصام والتصعيد ضد المدنيين في العاصمة الخرطوم وبعض الولايات، وحمّلت المجلس العسكري بقيادة رأس الانقلاب الحالي فى السودان، عبد الفتاح البرهان، مسئولية شق الصف الوطني بدلا من حماية المدنيين. ووصف القيادي الإسلامي عوض الله حسن سيد أحمد، فى تصريحات صحفية، هجوم قوات الأمن على الاعتصام وفضه، بأنه إعادة سيناريو حادثة ميدان “رابعة العدوية” في مصر، وأن ما جرى في ساحة الاعتصام بالخرطوم “مجزرة بشعة” في أيام شهر رمضان المبارك، وأنها تستلزم الاستنكار “بأقوى العبارات والصوت العالي”، واتهم المجلس العسكري بالحصول على ضوء أخضر من دول المملكة العربية السعودية والإمارات ومصر، وقال: “إن المجلس تماهى مع هذه الدول ضد مطالب السودانيين في حكومة مدنية”. وفى ظل إخفاق مجلس الأمن الدولي في إصدار قرار بشأن ما يجري في السودان، لم يستبعد عوض الله حسن تأثير الدول الثلاث، مصر والإمارات والسعودية، قائلا: “ليس من المستبعد أن تكون الدول الثلاث استخدمت نفوذها في مجلس الأمن الدولي”، وطالب بأن تكف دول الإقليم يدها عن السودان وليقولوا خيرا أو ليصمتوا”. وعلّق على دعوة “عبد الفتاح البرهان” لطي صفحة الماضي والحوار من جديد، قائلا: “إن الأجواء غير مواتية لأي حوار، فيما لا تزال عمليات القتل والسحق مستمرة ضد المدنيين واستباحة حرمات المواطنين الآمنين”. وتابع “من لم يتورع عن القتل في رمضان ويتحرى الكذب ويسلم البلاد لمليشيات فلا حوار معه، إلا بضمانات دولية”. كانت جماعة الإخوان المسلمين فى السودان، والتي يشغل الدكتور عادل علي عبد الله إبراهيم موقع المراقب الحالي للإخوان المسلمين فيها، قد أدانت فى بيان صدر عنها، إقدام السلطات الأمنية بالسودان على فض اعتصام الخرطوم بالقوة؛ ما تسبب في مقتل العشرات وإصابة أعداد كبيرة من المعتصمين. ووصفت ما حدث بأنه جريمة كاملة الأركان، ومحاولة فاشلة بلا شك لتعويق عملية الانتقال السلمي السلس للسلطة من الحالة الراهنة إلى ترتيب الفترة الانتقالية. ودعا الإخوان، فى بيانهم، الشعب السوداني إلى النزول إلى الشوارع ودعم صمود المعتصمين حتى رحيل العسكر عن الحياة السياسية، قائلين: "وندعو جماهير شعبنا الأبي لتوحيد صفوفهم والنزول إلى الشوارع ومواصلة التظاهرات السلمية والاعتصام في كل الميادين من اجل انتزاع حقوقهم الثورية في الحرية والسلام والعدالة". فيما رفض حزب المؤتمر الشعبي، الذي أسسه الشيخ الراحل حسن الترابي، ما قامت به قوات العسكر فى السودان من تحركات واسعة في أحياء مختلفة بولاية الخرطوم، وفض اعتصام الثائرين بالقوة المميتة، وما أعقب ذلك من إغلاق للشوارع الرئيسية والجانبية في عدد من الأحياء. وقال القيادي في الحزب “أبو بكر عبد الرازق”، فى تصريحات صحفية: “إن ما حدث يُعد نقطة سوداء وموقفا مشئوما في تاريخ الثورة السودانية السلمية”، وحمل المسئولية للمجلس العسكري، “الذي يفترض أنه يحمي أمن البلاد والعباد، لا أن يمضي بالسلاح قاتلا لأبناء الوطن الذين قادت مسيراتهم ومظاهراتهم السلمية لصنعه وإخراجه للوجود”. ودعا عبد الرازق للتوقف الفوري عن محاولات “إسكات الصوت الحر المعبر عن التغيير”، خاصة من جانب القوات العسكرية والأمنية بمختلف مسمياتها، وأن يلتزم المجلس العسكري بحماية المتظاهرين لا ضربهم وقتلهم والتعدي عليهم، معتبرا أن تصعيد المجلس العسكري فتح البلاد لشبح المواجهات العنيفة بعد الاستقطاب الحاد في الساحة السياسية. كما ناشد كل القوى السياسية من اليمين واليسار إلى اصطفاف وطني جامع لا يستثني أحدا ولا يقصي فصيلا، إلى برنامج الحد الأدنى من الاتفاق السياسي، ضمانا لاستقرار المرحلة الانتقالية لتمضي البلاد نحو الانتخابات التشريعية الحرة التي يفوض فيها الشعب قيادته، مناديا بتفويت الفرصة على من يريدون تحويل البلاد لنموذج فاشل للثورات الشعبية وعرقلة خطوات ساعية للحكم الديمقراطي الرشيد. واستنكر “محمد علي الجزولي”، رئيس حزب دولة القانون والتنمية المتحالف ضمن قوى إسلامية باسم تيار نصرة الشريعة، استخدام القوة المفرطة في فض المعتصمين واستباحة دماء المدنيين، حتى إن الأحياء الحضرية في العاصمة الخرطوم لم تسلم من التصرفات البربرية الأخيرة لقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان حميدتي. واتهم الجزولي المجلس العسكري بشق الصف الوطني، عبر فضه للاعتصام وقتل ما لا يقل عن مائة مواطن واصابة آخرين، وذلك بدلا من حماية المواطنين الذين لجئوا إلى الجيش. وفى الوقت الى رحب الجزولي بدعوة عبد الفتاح البرهام للتفاوض، أكد أن الحوار يجب أن يشمل كافة المكونات الاجتماعية والسياسية في البلاد، وأن لا يخطط له المجلس العسكري “لأنه شريك نصير وليس أصيلا” على حد قوله. كما دعا إلى عدم إقصاء أي طرف بما فيها القوى التي شاركت في نظام الرئيس المعزول عمر البشير، وأردف: “لا نريد إبعاد أحد لأن عملية الإقصاء تهدد الأمن وتشجع على العمل السري المضاد”، واشترط تقديم أي شخص ارتكب جريمة في نظام البشير إلى محاكمة عادلة، وتفعيل وثيقة الحريات والحقوق المضمنة في الدستور الانتقالي لعام 2005م. كان تحالف “قوى إعلان الحرية والتغيير”، قد أدان فى بيان له فى وقت سابق “محاولة فض الاعتصام بالقوة من قبل المجلس العسكري”، وأعلن وقف التفاوض بصورة نهائية مع المجلس، وحمّل البيان المجلس العسكري “المسئولية الكاملة لمقتل العشرات وإصابة المئات”، وأعلن العصيان المدني.