* 18 % من ميزانية الصحة تنفق على أمراض الغذاء الفاسد * عمرو عصفور: محلات ب"العتبة" لتزوير ملصقات الصلاحية وأسماء الشركات * العربى أبو طالب: أعداد مفتشى التموين لا تكفى لتفعيل الرقابة * مختار الشريف: محدود الدخل أكثر الفئات إقبالا على هذه المنتجات تشهد منتجات مصانع "بير السلم" نشاطا ورواجا غير مسبوق بسبب تهافت المواطنين على هذه المنتجات فى ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التى يمر بها قطاع كبير من الشعب، خاصة محدود الدخل الذى يبحث عن البديل الأرخص، ليحقق الاكتفاء فى ظل غلاء الأسعار واتساع الفجوة بين الدخول والمصروفات، ورغم ذلك لا رقابة على هذه المصانع التى تنتج سموما وليس أطعمة يسد بها البسطاء رمقهم. وتغرق الشوارع والأحياء الشعبية والراقية ببضائع مجهولة المصدر، وتحولت معها أرصفة الشوارع ووسائل المواصلات ومحطات المترو والقطارات إلى أسواق عشوائية تمتلأ بكرنفال من الأغذية تتنوع بين عصائر ومنتجات ألبان ومخبوزات ومياه غازية ومعلبات من الفول والبيف والتونه، وكذلك جميع أنواع الجاتوهات والبسبوسة والهريسة والمشبك بخلاف البسكوتات المختلفة، فضلا عن السردين والرنجة والمخللات، بالإضافة إلى قائمة طويلة من الأغذية المجمدة من اللحوم والدواجن. خسائر مالية وصحية كشفت دراسة حديثة أصدرها مركز الدراسات الاقتصادية عن أن أعداد مصانع بير السلم فى تزايد مستمر، وأن بضائعها الفاسدة تملأ أرصفة الشوارع والميادين ووسائل المواصلات العامة. وقالت: رغم تعدد جهات الرقابة على الأغذية التى يصل عددها إلى 17 جهة رقابية، إلا أنها تقف عاجزة أمام هذا العدد الكبير من المصانع الذى يتجاوز أضعاف المصانع المسجلة رسميا تنتج فقط 20% من الإنتاج الغذائى فى الأسواق، فى حين تنتج المصانع غير الرسمية التى تتاجر بصحة المصريين 80%. وأكدت الدراسة أن حجم خسائر قطاع المواد الغذائية سنويا بسبب انتشار مصانع بير السلم يصل إلى 280 مليار جنيه، بالإضافة إلى الأضرار الصحية الكبيرة، مشيرة إلى أن الأغذية المطروحة فى الأسواق بلا رقابة تمثل أبرز أسباب انتشار الأمراض المستعصية مثل فيروس "سى" والفشل الكلوى والأورام السرطانية. وتذكر تقارير وزارة الصحة أن 18% من ميزانية الوزارة تذهب لعلاج أمراض مرتبطة بالأغذية. ألف قضية وتؤكد إحصاءات مباحث التموين أن عدد قضايا المخالفات الغذائية بعد ثورة 25 يناير بمعدل ألف قضية سنويا. وأشارت إلى أنه خلال مارس الماضى بلغ عدد قضايا المخلفات الغذائية 103 قضايا تم خلالها ضبط 122 طن سلع غذائية مجهولة المصدر وغير صالحة للاستهلاك الآدمى، وشملت المضبوطات اللحوم والرنجة والزيتون والعصائر والمربى والصلصة والحلوى. كما تم ضبط صاحب مصنع لحوم غير مرخص وبحوزته 570 كيلو جراما من اللحوم والفلفل الأسود والفول الصويا وألوان لحوم، وضبط مسئول شركة بمحافظة الإسكندرية، وبحيازته 2875 عبوة سلع غير صالحة للاستهلاك. ملصقات مزورة يقول عمرو عصفور -نائب رئيس شعبة السلع الغذائية بالغرف التجارية-: إن أهم أسباب انتشار مصانع بير السلم للصناعات الغذائية انعدام الرقابة من الجهات المنوط بها الرقابة على الأغذية رغم تعددها، إلى نحو 17 جهة. وأضاف أن ثانى الأسباب هو ضعف الأمن وعدم قدرته على إحكام السيطرة على هذه المصانع، إلى الحد الذى أصبحت فيه منافسا شديد الخطورة على الصناعات الوطنية ليس فقط بسبب رخص أسعار ما تطرحه من بضائع، وإنما لأنها أصبحت تنتحل صفة بعض الشركات الكبرى من خلال استخدام الملصقات الخاصة بها على بضائعها. وأشار نائب رئيس شعبة السلع الغذائية إلى أن هناك محلات بمنطقة العتبة تقوم بعمل الملصقات المزورة، كما يتم تغيير مدة الصلاحية، لضمان استمرار البضائع أطول مدة فى الأسواق رغم سوء تصنيعها وتخزينها وسرعة فسادها. وأوضح أنه بجانب وجود مصانع لتصنيع المواد الغذائية تفتقر معايير الجودة والسلامة، فهناك مصانع أخرى لا تُصنع، ولكنها تقوم على البضائع المهربة، سواء من الداخل مثل سرقة سلع التموين، أو البضائع المهربة عبر الحدود التى لا تخضع لأى رقابة وتحقق هذه المصانع مكاسب هائلة؛ لأنها تطرح بدائل رخيصة قد يصل فارق السعر فيها إلى 7 أو 8 جنيهات فى بعض المنتجات الغذائية كاللحوم والدواجن؛ لأنها لا تخضع لأى التزامات ضريبية. وأشار "عصفور" إلى أن ثقافة المواطن الاستهلاكية -التى تعتمد على رخص السعر دون النظر إلى معيار الجودة- أسهمت فى انتشار هذه المصانع ومنتجاتها بصورة هائلة، مؤكدا أن المسئولية مشتركة بين جميع الجهات للقضاء على هذه الظاهرة الخطيرة. جُبن ببودرة السيراميك وأكد العربى أبو طالب -رئيس الاتحاد العام للعاملين بالتموين والتجارة الداخلية- أن هناك مشكلات تحول دون ملاحقة المصانع مجهولة الهوية، أهمها أن عددها كبير جدا يفوق قدرة وإمكانات مفتشى التموين الذين لا يتجاوز عددهم 8800 مفتش على مستوى الجمهورية، تقع على عاتقهم مسئوليات تفوق طاقتهم البشرية منها مراقبة 25 ألف مخبز بجانب محطات الوقود ومحلات البقالة وغيرها. وأشار إلى أن أغلب شركات بير السلم يديرها عمال تم فصلهم والاستغناء عنهم من شركات كبرى يحاولون استغلال خبرتهم المحدودة فى تصنيع بعض المواد الغذائية، ولكن دون التزام بأى معايير أو ضوابط. فعلى سبيل المثال، هناك مصانع منتجات ألبان تعمل فى الخفاء، وتنتج بعض أصناف الجبن أسهم تداولها فى ارتفاع معدلات الإصابة بمرض الفشل الكلوى، حيث تتم إضافة مادة بودرة "السيراميك" لهذا الجبن من أجل الحصول على قوام متماسك. وقال "العربى": إن هذه المادة مصرح باستخدامها فى الشركات الكبرى بنسب محدودة للغاية، مشيرا إلى أنه يتم المبالغة فى استخدامها فى مصانع بير السلم إلى حد يجعلها مصدر خطر على المستهلك. وذكر أن من أسوأ صور غش السلع الغذائية أن بعض الشركات تشترى الزيوت السابق استخدامها من شركات الشيبسى والمطاعم والفنادق الكبرى، وتقوم بإعادة تدويرها، وهو ما يسمى بعملية "هدرجة وتدوير الزيت"، حيث يتم استخراج 3 درجات منه درجة أولى يبدو فيها الزيت أكثر صفاء، ويعبأ فى زجاجات شركات معروفة رغم أنه سام، والدرجة الثانية زيت لأغراض القلى يكون أقل جودة، أما الرواسب فيتم منها تصنيع السمن، موضحا أن البضائع التى يتم إنتاجها من هذه المواد تملأ الأسواق وتَلقى إقبالا لكونها أقل سعرا من المنتجات الأصلية. بدائل رخيصة وقال الدكتور مختار الشريف -الخبير الاقتصادى-: إن معدلات انتشار السلع الغذائية التى تنتجها شركات بير السلم تزايدت بعد الثورة، وتعددت أضرارها، موضحا أنه على المستوى الاقتصادى تتكبد الدولة خسائر مالية فادحة؛ بسبب التهرب الضريبى والجمركى، إضافة إلى إقبال المواطنين على المنتجات الأرخص وعزوفهم عن البضائع الأصلية التى تنتجها الشركات المرخصة. وأضاف: هناك أخطار صحية لهذه المنتجات، خاصة أن عملية إنتاجها تشهد تجاوزات كثيرة بين تزوير مدة الصلاحية أو استخدام بعض منتجات اللحوم والدجاج الفاسدة، كما يتم استخدام الأسماك الفاسدة وإعادة طرحها فى الأسواق. وأشار "الشريف" إلى أن أغلب الفئات إقبالا على هذه البضائع هم محدودو الدخل لكونها تمثل لهم بدائل رخيصة تلبى احتياجاتهم الغذائية؛ بسبب الوضع الاقتصادى العام الذى أدى إلى غلاء الأسعار، مؤكدا أن الأوضاع السيئة داخل مصانع بير السلم تؤدى إلى فساد بضائعها قبل طرحها فى الأسواق. وطالب الدولة من أجل حل هذه المشكلة بتحسين المستوى المعيشى وتثقيف وتوعية المواطنين بخطورة تداول هذه البضائع، وتفعيل الرقابة ومنح بعض الجهات الرقابية حق الضبطية القضائية فى حالة ضبط المخالفين.