يشهد العالم تسابقا محموما نحو ابتكار منتجات مالية تلائم الواقع وتفى بالاحتياجات التمويلية المتزايدة، وقد كان للهندسة المالية الإسلامية الفضل فى ابتكار وتصميم وتطوير وتطبيق أداة مالية مستحدثة، تجمع بين الكفاءة الاقتصادية والمصداقية الشرعية، وقادرة على تقديم حلول خلاقة ومبدعة لمشكلات التمويل هى: الصكوك الإسلامية، التى تعرف بأنها وثائق متساوية القيمة تمثل حصصا شائعة ومتساوية فى أصول معينة مباحة شرعا. وتعد دول الخليج وماليزيا نقطة ارتكاز الصكوك الإسلامية التى انتقلت منها لدول العالم لتجد ترحيبا بتطبيقها على أرض الواقع فى الولاياتالمتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا وتركيا وإندونيسيا وغيرها، لتصبح تلك الصكوك أسرع المنتجات المالية العالمية نموا، حتى وصل حجم المصدر منها خلال العام 2012 وحده نحو 100 مليار دولار. وقد بدا على السطح فى مصر أهمية إصدار صكوك إسلامية، وهناك نظرة إلى هذه الصكوك على أنها ستحل مشاكل مصر الاقتصادية، ونظرة أخرى مقابلة تثبط من إصدار تلك الصكوك وتهاجمها دون معرفة حقيقتها، اللهم إلا كرها لما هو إسلامى رغم أن الاقتصاد الإسلامى فكرا وتطبيقا ولد فى أرض مصر، وغُيب بفعل فاعل فى زمن المخلوع حتى أصبح فى زاوية النسيان، ولم تحركه إلا أمواج ثورة 25 من يناير المجيدة. والواقع أن الصكوك الإسلامية ليست عصا سحرية تنهى مشاكل مصر الاقتصادية بلا رجعة فى لحظة، ولكنها أداة تمويلية مميزة وقادرة فى الأجلين المتوسط والطويل على حل مشاكل مصر التمويلية بقدرتها على توفير التمويل اللازم لمشروعات حقيقية منتجة لا مشروعات وهمية أو فقاعات التمويل بالعجز التى صارت إدمانا فى مصر منذ التسعينيات وجلبت على الدولة مزيدا من الترقيع المالى وأوصلت عجز الموازنة الحالى إلى نحو 90 مليار جنيه. ومن أهم ما تتميز به الصكوك الإسلامية التنوع والمرونة والعدالة والمواءمة. فمن حيث التنوع فإنها تصدر وفق صيغ التمويل الإسلامية، ومن ثم تنوعها ناتج عن تنوع صيغ التمويل الإسلامية التى تزيد على اثنتى عشرة صيغة منها: المضاربة والمشاركة والمرابحة والسلم والاستصناع والمزارعة والمساقاة والمغارسة والإجارة والوكالة. أما من ناحية المرونة فهذه الصكوك يمكن إصدارها لآجال مختلفة وفقا لطبيعة المشروعات سواء أكانت قصيرة أم متوسطة أم طويلة الأجل. أما من ناحية العدالة فهى تحقق العدل لحامليها من خلال مشاركتهم فى نتيجة النشاط غنما وغرما، فليس فيها عائد مضمون، فإذا حقق المشروع أرباحا استحق حملة الصكوك نسبة معلومة من هذه الأرباح وإن حقق خسارة لا يد لمدير المشروع فيها يتحملها حملة الصكوك وحدهم. ومن حيث المواءمة فالصكوك الإسلامية توائم بين المعضلات الأربع: الربحية والسيولة والأمان والتنمية، فقد حققت تلك الصكوك أرباحا قياسية فى دول العالم مقارنة بغيرها من أدوات التمويل الأخرى وذلك لارتباطها بمشروعات حقيقية. ومن حيث السيولة فهذه الصكوك سهلة التسويق سواء فى السوق الأولى أو الثانوية، فرأس المال العربى بل الأجنبى يحبذ الاستثمار فيها، وما من اكتتاب تم فيها إلا ووجد حظه وافرا من تكالب المكتتبين عليه، كما يمكن لحاملها تسييلها بسهولة من خلال تداولها بالسوق الثانوية بيعا وشراء عدا صكوك المرابحة والسلم التى تمثل فى حقيقتها دينا ولا يجوز تداول تلك الديون شرعا إلا بقيمتها الاسمية وبشرط قبض الثمن. ومن حيث الأمان، فهذه الصكوك تتجه لمشروعات ذات أولوية بالنسبة للمجتمع وبناء على دراسات جدوى مستفيضة مما يقلل من مخاطرها ويجعل من عائدها أقل تقلبا، أما من حيث التنمية فهذه الصكوك بطبيعتها وآليتها تصب فى مشروعات تنموية تعمل على الإحلال محل الواردات وتلبى احتياجات الداخل وتحد من أزمة البطالة وتحقق التخصيص الأمثل للموارد وتعمل فى نهاية المطاف على نمو الناتج المحلى الإجمالى. إن إقرار قانون للصكوك الإسلامية فى مصر يصب فى المقام الأول فى التخفيف من ضغط الأزمة التى يعانى منها الاقتصاد المصرى، فهى تعطى انطلاقة لتوفير التمويل اللازم للحكومة والقطاع الخاص للقيام بالمشروعات العملاقة التى تنتظرها مصر سواء بالقناة أو سيناء أو الصعيد، ومن ثم التخفيف بصورة مباشرة وغير مباشرة عن الموازنة العامة للدولة ومعالجة ما يعتريها من عجز تدريجيا. كما تتيح الفرصة أمام البنك المركزى المصرى لاستخدامها ضمن أطر السياسة النقدية لخفض معدلات التضخم- وهى فى حقيقتها لا تغذى التضخم لارتباطها بمشروعات حقيقية- فضلا عن قدرتها على إتاحة الفرصة أمام المصارف والمؤسسات المالية لإدارة السيولة الفائضة لديها، إضافة إلى كونها وسيلة فعالة لتنشيط وتدويل بورصة الأوراق المالية بصورة تسهم فى تحقيق سمة الكمال للسوق، وكل ذلك يصب فى اتجاه تحقيق التنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية المنشودة. ويبقى بعد ذلك أهمية التأكيد على أن إصدار الصكوك السيادية تحت ضغط عجز الموازنة العامة يجب ألا يكون على حساب التفريط فى الأصول المصرية ببيع تلك الصكوك لأجانب ومن ثم تملكهم لتلك الأصول، حيث إن هذا يمس الدولة فى صميم سيادتها، ولا يستقيم وبنيان الدولة الاقتصادى والاجتماعى.