أطماع اقتصادية.. ومحاولة لفرض النفوذ.. ومحاربة الجماعات الإسلامية.. عوامل ثلاث رئيسية حركت الدول الغربية، وعلى رأسها فرنسا، للتدخل عسكريا فى مالى. جاءت بداية الأزمة، عندما شهدت مالى تمردا عسكريا فى 21 مارس 2012، سيطرت خلاله مجموعة من العسكريين على السلطة، بعد استيلائهم على القصر الرئاسى فى العاصمة باماكو. وتم هذا الانقلاب قبل 5 أسابيع من الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة فى مالى، التى كانت مقررة فى 29 إبريل الماضى، وبرر القائمون بالانقلاب موقفهم بالقول إن "حكومة الرئيس المطاح به لم تدعم بشكل كاف المعركة التى يخوضها جيش مالى ضد الطوارق العرب فى الشمال". فالانقلاب الذى حدث فى مالى منذ تسعة شهور لم يكن له سبب معلن إلا العداء للإسلاميين فى شمال مالى، وهو الأمر الذى لم يتغير حتى اليوم. فالانقلابيون "العلمانيون" من صغار الضباط فى الجيش المالى يرون فى سيطرة الإسلاميين على زمام الأمور فى الشمال خطرا عليهم، فهؤلاء منهجهم قائم على العلمانية وإزاحة الدين عن حياة الشعب المالى، رغم أن الإسلام هو دين أغلبية الشعب؛ حيث يشكل المسلمون حاليا نحو 95% من سكان مالى، التى تعتبر أكبر دولة فى غرب إفريقيا، بينما لا تزيد نسبة المسيحية باختلاف طوائفها عن 5% من الشعب المالى. وتزامنا مع هذا الانقلاب أعلنت عدة جماعات إسلامية استقلال منطقة أزواد (الشمال المالى) عن دولة مالى، خوفا على الهوية الإسلامية لسكان هذه المنطقة، حتى يُسمح لهم بتطبيق الشريعة الإسلامية والتحاكم إليها. وأكدت حركة "أنصار الدين"، التى تسيطر على مدينة تمبكتو فى شمال مالى آنذاك أنها تخوض حربًا من أجل الإسلام فى مالى، وأنها ضد أى ثورة لن تندلع باسم الإسلام. وقال عمر هاماهاى، القائد العسكرى للحركة، فى شريط فيديو صوره هواة: "إن حربنا حرب مقدسة، إنها حرب قانونية.. نحن ضد عمليات التمرد، نحن ضد الاستقالات، ونحن ضد جميع الثورات التى لم تنشب باسم الإسلام، جئنا لنمارس الإسلام باسم الله". ويرى البعض أن ما يحدث فى مالى هذه الأيام من قبل الإسلاميين فى الشمال ليس تمردا على الدولة ولا طمعا فى الانفصال، وإنما هو تمرد على التمرد العلمانى، وطلبا لحكم الشريعة وتحكيمها فى حياة شعب مالى المسلم. لأجل هذا حملت دول غربية، وعلى رأسها فرنسا، على عاتقها محاربة هؤلاء الإسلاميين وكبح جماحهم، خوفا من بزوغ فجر جديد لدولة إسلامية وليدة، حتى لا يتم تصدير هذه الفكرة إلى غيرها من البلدان. وبدأت فرنسا منذ الجمعة الماضية التدخل العسكرى شمال مالى، لمطاردة الجماعات الإسلامية التى تسيطر على تلك المنطقة، وعلى رأسها جماعة "أنصار الدين". كما أعلنت المجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا (إيكواس) أنها تنوى إرسال مقاتلين إلى مالى لمساعدة الحكومة فى وقف مد الإسلاميين. ومنطقة أزواد تضم ثلاث ولايات وهى (تنبكت، غاو، كيدال)، ويصل عدد سكان المنطقة إلى نحو 2 مليون نسمة؛ حيث تسكن المنطقة مجموعات الطوارق الذين يتحدثون لغتهم تاماشيق، إضافة إلى أقليات من البدو الرحل، بينهم المتحدثون بالحسانية من العرب، وهى أقرب اللهجات للعربية المستخدمة فى شمال إفريقيا، إضافة إلى بعض قبائل الصنغاى الإفريقية وبعض قبائل الفلات. وهذه المنطقة منذ دخلها الإسلام، لم تعرف ديانة أخرى غيره، وأهلها يغلب عليهم طابع الالتزام بالأحكام الشرعية، والحب الشديد للإسلام والتضحية فى سبيل الدفاع عنه. وتزامن التحرك الفرنسى مع مساع أمريكية للسيطرة على هذه المنطقة أو على الأقل السماح لها بإقامة قاعدتها العسكرية أفريكوم، ورفضت هذه الدول، خاصة مالى، إنشاء هذه القاعدة فى المنطقة. وأمريكا لها أطماعها وأهدافها فى وأد الحركات الإسلامية، ولا يتأتى لها ذلك إلا بغطاء دولى وإعلامى، وإعلانها الجاهز دوما "الحرب على الإرهاب"، ولأجل ذلك حركت أحد قادة الجيش ممن تدرب فى أمريكا سابقا النقيب "أمادو سانوغو" على القيام بانقلاب عسكرى غير مبرر على الإطلاق وبلا أهداف منطقية. فالحرب على دولة جديدة من دول العالم الإسلامى، لم تكن وليدة الصدفة، فجمهورية مالى: دولة إسلامية إفريقية تقع فى غرب إفريقيا، وعاصمتها باماكو، وهى دولة غير ساحلية تحدها الجزائر شمالا، والنيجر شرقا، وبوركينا فاسو وساحل العاج فى الجنوب، وغينيا من الغرب والجنوب، والسنغال وموريتانيا فى الغرب. ومنطقة شمال مالى، التى تبلغ مساحتها أكثر من ثلثى مساحة مالى البالغة مليونا و240 ألف كم²، هى منطقة نفوذ كامل للطوارق ولا توجد أى سيطرة لحكومات مالى عليها، منذ استقلال مالى فى الستينيات، كذلك لوجود كثير من الثروات فيها كالبترول والغاز والمعادن واليورانيوم، ولا يستفيد منها أهلها. تحليل: رأفت صلاح الدين