جاء إعلان المتمردين الطوارق والمدعومين من تنظيم القاعدة بشمال أفريقيا والصحراء الكبري انفصال إقليم أزواد بشمال مالي وإقامة دولة لهم علي أراضي الإقليم الواقع في الطرف الغربي للصحراء الكبري ليضيف هما جديدا إلي هموم منطقتنا العربية وقارتنا الأفريقية و ذلك لأنه يعني ببساطة تفجر صراع مسلح بين العرب والأفارقة من جانب والطوارق والقاعدة من جانب آخر لأن هذا الإقليم يمتد أيضا ليشمل أجزاء من جنوبالجزائر ومنطقتي تاهوا وأغاديس بشمال النيجر وبالتالي فهو يمثل مشكلة عابرة للدول في منطقة الساحل والصحراء بإفريقيا. إذا كان إعلان الانفصال قد شمل حتي الآن القطاع الموجود في مالي من أزواد والمعروف داخليا باسم كيدال فهذا ليس معناه أن الصراع لن يمتد للجزائر والنيجر معا لأسباب أهمها التواصل الجغرافي بين تلك المناطق وكذلك وجود مطالب قديمة لقبائل الطوارق في المنطقة بإقامة ما يشبه الوطن القومي لهم وهو ما جعلهم دائما في صراع مع الحكومات المركزية بالبلدان الثلاث وهو الصراع الذي ازداد حدة وضراوة بعد الحرب الشرسة التي شهدتها ليبيا وانتهت بسقوط نظام القذافي ومقتله وانهيار السلطة المركزية في طرابلس. ففي خلال الثورة الليبية حصل الطوارق علي كميات هائلة من الأسلحة من مخازن القذافي والذي كان بدوره حليفا للطوارق ويتمتع بعلاقات طيبة معهم وضم الكثيرين منهم إلي كتائبه المسلحة ولذالك انحازوا له وحاربوا معه في كل غزواته الفاشله في تشاد وغيرها, وكذلك شاركوا في قمع انتفاضة الشعب الليبي في بدايتها ومؤخرا ازدادت رغبة الطوارق في إقامة وطنهم المستقل بعد أن تفجرت اشتباكات بين مجموعات منهم والسكان العرب في منطقة زوارة بجنوب ليبيا لتزداد بذلك حماستهم في الانفصال عن كافة دول المنطقة. ويصل عدد سكان منطقة أزواد لقرابة المليوني نسمة, حيث تسكن المنطقة مجموعات الطوارق الذين يتحدثون لغة تاما شيق الخاصة بهم, إضافة لأقليات من البدو الرحل بينهم المتحدثون بالحسانية من العرب وهي أقرب اللهجات للعربية المستخدمة في شمال أفريقيا, إضافة لبعض قبائل الصنغاي الأفريقية وبعض قبائل الفلات بينما تعادل مساحة الاقليم مساحة فرنسا. وإذا كانت الحركة الوطنية لتحرير أزواد بقيادة محمد اج ناجيم القائد السابق في كتائب القذافي هي التي أعلنت استقلال ازواد في نهاية الأسبوع الماضي فان التقارير الواردة من الاقليم تؤكد أن جماعة أنصار الدين الإسلامية المتطرفة التي يقودها الشيخ اياد أج غالي المرتبط بتنظيم القاعدة قامت بالجانب الأكبر في عملية السيطرة علي الاقليم, حيث احتل قادتها الميدانيون أهم ثلاث مدن في الاقليم وهي كيدال وتمبكتو وجاو وأبلغوا السكان صراحة بأنهم سيطبقون الشريعة الإسلامية وأغلقوا بالفعل الملاهي ومحال بيع الخمور وهو هو ماأثار حالة من الفزع دعت الالاف للنزوح خارج أزواد. والمعروف أن الجماعات المنتمية للقاعدة في منطقة الصحراء الكبري ومنها جماعة أنصار الدين كانت تمول أنشطتها من الفدية التي كانت تحصل عليها من الدول التي تختطف رعاياها الذين يزورون مالي أو الحدود الجزائرية للسياحة ومن هذه الأنشطة استطاعت تسليح عناصرها والذين فشلت السلطات في دول المنطقة في اعتقالهم. وبالنسبة للجزء الواقع في مالي من إقليم أزواد فالمنطقة كانت تنشط فيها جماعات التمرد الانفصالية والتي شاركت في الحرب الأهلية المالية بين عامي1990 و1995 وفي حين كانت بعضها تطالب باستقلال المنطقة وتأسيس وطن قومي للطوارق فقد كانت مجموعات أخري تبدي تذمرها ومطالبتها بتحسين الأوضاع المعيشية لسكان المنطقة, وفي أواخر2006 انتهي القتال في منطقة كيدال شمال مالي بعد وساطة جزائرية بين الحكومة المركزية والمتمردين الطوارق, كما استغل القذافي نفوذه لدي الطوارق لإقناعهم بالبقاء تحت سيطرة النظام الصديق له في مالي برئاسة الرئيس المخلوع أمادو توري, ولكن يبدو الآن أن الوضع قد تغير كليا بعدا لنجاح الفعلي في السيطرة علي كيدال عقب الانقلاب العسكري الذي أطاح بامادو توري في بداية الأسبوع الماضي وإعلان دولة أزواد المستقلة وهو الإعلان الذي رفضته الجزائر والأمم المتحدة علي الفور, ولكن لايبدو أن الأمر سيتوقف عند هذا الحد وسنشهد فصلا دمويا جديدا في إفريقيا يشمل ضمن ما يشمل أجزاء من الجزائر وربما يمتد لليبيا والمغرب وموريتانيا والسودان, حيث يوجد الطوارق والتاريخ خير شاهد علي ذلك حيث اندلعت في عام1893 ثورة الشيخ أمود بعد وصول الاستعمار الفرنسي إلي المنطقة والتي عرفت مقاومة كبيرة من الطوارق بمالي والجزائرللفرنسيين. ويحكي التاريخ أن أزواد لم تشهد عبر تاريخها الحديث إلا فترات محدودة من الاستقرار وكانت دائما تجر محيطها في صراعات وحروب دامية ففي عام1325 انضمت صحراء أزواد إلي مملكة مالي الإسلامية واحتفظت بحكم ذاتي. وفي عام1433 منحتها مالي الاستقلال إلي أن احتلها المغاربة عام1591 لتعود مرة أخري لسيطرة مالي في عام1960 مع بداية نهاية الاستعمار الفرنسي لأفريقيا ولكنها لم تهدأ منذ ذلك الحين.