قبل عشرين عاما قاد الرئيس المالى «أمادو تومانى تورى» انقلابا ضد الدكتاتور «موسى تراورى» بسبب التراخى فى حسم تمرد الطوارق فى الشمال ومرت السنوات ليواجه تورى نفس مصير تراورى ولنفس السبب بينما تبقى مشكلة الطوارق دون حل فعال لتشتعل من حين لآخر مزعزعة استقرار ذلك البلد الواقع فى غرب أفريقيا.. وقد استغل الطوارق الفراغ فى السلطة خلال الأيام الماضية لمواصلة انتفاضتهم المسلحة وسط توقعات بازدياد حدة القتال المندلع منذ يناير الماضى فى شمال البلاد ما لم يتم التوصل إلى اتفاق سلام. فبعد أربعة أيام على الانقلاب العسكرى ضد نظام تورى، قالت جماعة «أنصار الدين» فى بيان لها: «سنتمكن قريبا من السيطرة على أراضينا فى كيدال»، وجماعة «أنصار الدين» بزعامة «إياد اغ غالى»، هى تنظيم إسلامى مسلح يقاتل ضد الجيش المالى إلى جانب «الحركة الوطنية لتحرير أزواد» التى تسعى إلى إقامة دولة مستقلة للطوارق شمال مالى تسمى «أزواد». ومن جانبه، صرح القائد الثانى للحركة الوطنية لتحرير أزواد عبد الكريم أغ ماتافا لإذاعة «صوت أمريكا» بأن مقاتلى الطوارق يخططون للاستيلاء على مدن الشمال التى يسيطر عليها الجيش الحكومى، بما فى ذلك مدن كيدال وتمبكتو وغاو. وقال «إن مشكلتنا ليست مع حكومة معينة، ولكن مع احتلال دولتنا». وتعود أصول الطوارق إلى مجموعة الأمازيغ العرقية التى تعيش فى شمال إفريقيا، وجميعهم مسلمون متمسكون بالمذهب السنى المالكى، ويتشابهون فى أسلوب حياتهم مع البدو العرب. ويتميز الطوارق عن غيرهم من الأمازيغ بحفاظهم على لهجتهم الأمازيغية «تماشق». ويتشابه وضع الطوارق منذ نهاية خمسينات القرن الماضى مع وضع الأكراد فى آسيا بعد الحرب العالمية الأولى حيث قسم الاستعمار الفرنسى منطقتهم بين ليبيا والجزائر والنيجر ومالى. ويشار إلى أن العدد الإجمالى للطوارق فى هذه الدول الأربع يبلغ 5,5 مليون نسمة يعيش 85% منهم فى مالى والنيجر، ويشكلون من 10-20% من إجمالى سكان كل من الدولتين. ويعيش الطوارق فى مالى فى منطقتى أزواد وآدغاغ ايفوغاس شمال البلاد اللتين تشكلان معا الصحراء المالية ويطلق عليهما إداريا ولايات تمبكتو وغاو وكيدال ويشكل الطوارق والعرب غالبية سكانها. وقد قام طوارق مالى بالعديد من الانتفاضات فى العقود الأخيرة احتجاجا على تهميش الحكومات المالية لهم وبعد سنتين من السلام عادت «الحركة الوطنية لتحرير أزواد» لتعلن فى 17 يناير الماضى تمردها مرة أخرى وساعدها فى ذلك عودة المقاتلين المدججين بالسلاح والمتدربين على المعارك من ليبيا حيث كانوا يقاتلون لحساب الزعيم الراحل معمر القذافى واستولت قوات الطوارق على العديد من البلدات وأسرت عشرات الجنود من الجيش المالى والذين تردد أنهم محتجزون أو قتلى، ما أثار غضب بعض قوات الجيش من طريقة تعامل الحكومة مع النزاع ليقوم ضباط متمردون بقيادة امادو سانوجو فى 22 مارس بالاستيلاء على السلطة احتجاجا على فشل الحكومة فى تسليحهم بالشكل الكافى للتصدى لتمرد الطوارق والجماعات الإسلامية فى شمال البلاد. وفى ظل إعلان الانقلابيين عن نيتهم لخيار الحسم العسكرى ضد الطوارق، يرى المراقبون أن الانقلاب ستكون له تداعيات سلبية على الأمن فى منطقة الساحل والصحراء المضطربة أصلا فى أفريقيا ويؤكدون أنه يجب إنهاء تمرد الطوارق عبر حل سياسى يتم التفاوض عليه بين الطرفين. وفى هذا السياق، يقول جيريمى كينان، أستاذ الانثربولوجيا الاجتماعية بكلية الدراسات الأفريقية والشرقية التابعة لجامعة لندن والمهتم بالأوضاع فى منطقة الساحل والصحراء، إنه بخلاف الانتفاضات السابقة للطوارق والتى نجح الجيش المالى فى إخمادها من خلال مهاجمة المدنيين العزل، تؤكد الدلائل أن الانتفاضة الحالية قادرة على الصمود لمدة أطول خاصة إذا ما حصلت الحركة الوطنية لتحرير أزواد على دعم طوارق النيجر الذين يتفوقون فى الأسلحة والخبرة بالقتال. ويشير إلى تمكن الحركة من السيطرة على بلدة تيساليت ما قد يصعب على الجيش المالى إحراز أى تقدم ضدهم. ويرى كينان أن الواقع يقول أن الخيار العسكرى ليس هو الحل للأزمة.