"أبراج الباشوات" تفضح فساد المحليات

* تفاصيل إهدار 126 مليون جنيه من أموال الشعب لإقامة أبراج لضباط الشرطة
* محافظ سوهاج يصدر قرارا بإيقاف توصيل المرافق للأبراج لحين انتهاء التحقيق
* المركزى للمحاسبات يكشف: النعمانى منح أرض المحليات لجهاز مشروعات أراضى الداخلية
* "المحاسبات": "مجلس محلى 2008" خالف قانون قواعد التصرف فى الأراضى العامة
كحال كثير من أقرانها بباقى المحافظات فى عهد المخلوع ضرب الفساد بأطنابه أركان الوحدات المحلية بمحافظة سوهاج، وهو الأمر الذى أكده تقرير الجهاز المركزى للمحاسبات، الذى صدر فى 10 يونيو الماضى وحمل رقم 8155، وكشف فيه قيام محافظ سوهاج الأسبق اللواء محسن النعمانى وأعضاء اللجنة الدائمة بالمجلس الشعبى المحلى لمحافظة سوهاج بمنح أراضٍ بالمجان مساحتها 4733 مترا بقلب مدينة سوهاج وبأكبر ميادين المحافظة وأقدمها "ميدان العارف بالله" لجهاز مشروعات أراضى وزارة الداخلية لإقامة مساكن لضباط الشرطة عليها.
لذلك لم يكن غريبا أن يصدر المحافظ الحالى الدكتور يحيى عبد العظيم قرارا بإيقاف توصيل المرافق لأبراج ومساكن الضباط بسوهاج، التى تم بناؤها بالمخالفة للقانون، وتم إهدار 126 مليون جنيه بها، تتمثل فى الثمن الحقيقى لقيمة الأرض التى تم البناء عليها.
"عبد العظيم" أضاف أنه تجرى الآن مكاتبات بين المسئولين لتقييم الأوضاع وجدولتها، حيث يتم دفع تلك الأموال لصالح الدولة، مشددا على أنه متمسك بعدم توصيل المرافق لحين انتهاء الموضوع.
وبعرض التقرير على اللواء وضاح الحمزاوى -محافظ سوهاج السابق- الذى تولى العمل بعد رحيل اللواء محسن النعمانى، وقرر إحالته للنيابة العامة للتحقيق فيه، نظرا لحجم المخالفات الكارثى به، مع تشكيل لجنة من مديرية الإسكان وإدارة أملاك الدولة بالمحافظة، والشئون القانونية بالمحافظة لقياس الأراضى المقام عليها برجين سكنيين على الطبيعة، وتحديد سعر المتر، وتنفيذ كافة توصيات الجهاز المركزى للمحاسبات، مع دراسة الإجراءات الواجب اتباعها بمعرفة الشئون القانونية.
لكن تلك الواقعة أثارت جدلا كبيرا بين الأوساط السوهاجية حول الطريقة التى كانت تدار بها مقدرات المحافظة فى ظل حكومة الحزب الوطنى المنحل ومحافظى "مبارك"، والمجالس الشعبية التابعة للحزب الوطنى.
بداية القضية
القصة بدأت منذ سنوات طويلة، تحديدا فى عام 1980، حيث عقد المجلس المحلى الشعبى لمحافظة سوهاج جلسة مؤرخة فى 17 ديسمبر 1980 والمرسلة بالكتاب رقم 2820 فى 20 من الشهر نفسه لمحافظ الإقليم، وقضى فيها بتخصيص قطعة أرض أمام ديوان عام المحافظة ومديرية الإسكان بمدينة ناصر، حسب الرسوم الهندسية المرفقة لإقامة مبنى متكامل جديد لمديرية أمن سوهاج على مساحة أكثر من 7 آلاف متر، على أن تئول بالتبادل مع الوحدة المحلية لمدينة سوهاج ملكية الأرض المقام عليها مبنى مديرية الأمن القديم بميدان العارف بالله، وكذا الأرض المجاورة والمقام عليها سجن سوهاج العمومى، ومنزل مأمور السجن على أن يتم تسليمها للوحدة المحلية لمدينة سوهاج فور إنشاء كل من مبنى مديرية الأمن الجديدة ومبنى السجن العمومى.
وقضى القرار أيضا بإلزام مديرية الأمن بإخلاء جميع الوحدات التابعة لها، التى سوف تسكن بالمبنى الجديد؛ مثل المباحث العامة والمباحث الجنائية والسجل المدنى، على أن تبدأ البناء خلال 6 شهور من تاريخ الاستلام، وإلا سيلغى التخصيص.
2008 تلغى 1980!
ورغم قيام المحافظة بكافة الالتزامات الموجودة بالاتفاق المشار إليه، إلا أنه وبالمخالفة لما تقدم، تبين لدى فحص الجهاز قيام اللجنة الدائمة للمجلس الشعبى المحلى للمحافظة بجلستها فى 12 ماس 2008، والمرسلة بالكتاب رقم 395 فى 19 من الشهر نفسه، لمحافظ سوهاج السابق محسن النعمانى بالموافقة على استغلال الأرض المقام عليها مديرية أمن سوهاج القديمة الواقعة بميدان العارف بالله بمدينة سوهاج لإقامة مساكن لضباط الشرطة عليها وما تتطلبها من خدمات، وذلك بمعرفة وزارة الداخلية، علاوة على سرعة نقل سجن سوهاج العمومى الحالى الملاصق لمبنى مديرية الأمن القديم بذات الموقع من مكانه الحالى لعدم ملاءمة الموقع حاليا بوجوده وسط كتلة سكنية عالية الكثافة، وضم أرضه بعد الإخلاء لأرض المديرية لإقامة مساكن لضباط الشرطة عليها بمعرفة وزارة الداخلية.
وبهذا القرار ضرب المجلس الشعبى المحلى لمحافظة سوهاج عرض الحائط قراراته السابقة بجلسته فى 17 ديسمبر 1980؛ المطالبة بتبادل موقع مديرية الأمن القديم مع الوحدة المحلية لمدينة سوهاج، بعد الانتهاء من مبنى مديرية الأمن الجديد، الذى بدأ العمل به رسميا عام 1984، بعد أن نقل مدير الأمن مقره من المبنى القديم.
المؤامرة اكتملت بالقرار الذى أصدره محافظ سوهاج الأسبق محسن النعمانى، فى 26 مارس 2008 بكتابه السرى رقم 239 للسيد اللواء مساعد أول وزير الداخلية للشئون المالية بموافقته على ما انتهت إليه اللجنة الدائمة بالمجلس الشعبى المحلى للمحافظة، الذى كان يرأسه آنذلك اللواء محمد المعز من قيادات الشرطة سابقا.
ولم يتوقف الأمر عند ذلك الحد، ففى 14 إبريل 2008 أرسل سكرتير عام المحافظة السابق اللواء فاروق أحمد محمود الكتاب رقم 2474 لرئيس حى غرب سوهاج مرفقا به موافقة المحافظ على قرارات اللجنة الدائمة، وسارعت الوحدة المحلية لحى غرب سوهاج باستخراج عدد 2 ترخيص مبانى باسم جهاز مشروعات أراضى وزارة الداخلية للبناء على أرض مديرية الأمن القديمة، وأرض سجن سوهاج العمومى، والرخصة الأولى رقم 91 لسنة 2008-2009، على مساحة 25.2021 مترا، بأطوال "99.45 * 95.43" مترا، لبناء بدروم، دور أرضى تجارى، دور أول علوى إدارى، 10 أدوار علوية سكنية، والرخصة الثانية رقم 198 لسنة 2008-2009 على مساحة 45.2712 مترا، بأطوال "02.45 * 25.60" لبناء بدروم، دور أرضى تجارى، دور أول علوى إدارى، دور ثانى علوى جزء إدارى وجزء سكنى، 9 أدوار علوية متكررة جزء إدارى وجزء سكنى، أى أن جهاز مشروعات أراضى وزارة الداخلية قد تم منحه مساحة إجمالية قدرها 70.4733 مترا، تقدر قيمتها بمبلغ 104 ملايين و141 ألفا و400 جنيه دون وجه حق.
"المحاسبات" يفتح النار
وتضمن تقرير عضو الجهاز المركزى للمحاسبات بأن منح الأرض مخالف للقانون المدنى وقانون الإدارة المحلية وقواعد التصرف فى الأراضى المعدة للبناء، وأن المخالفات كما جاءت بالتقرير تضمنت تقاعس مديرية الإسكان بالمحافظة فى تنفيذ ما جاء بجلسة المجلس الشعبى المحلى للمحافظة فى 17 ديسمبر 1980 الخاص بقيامها باتخاذ اللازم لتبادل الملكيتين.
وأكد التقرير أن موافقة محافظ سوهاج السابق محسن النعمانى واللجنة الدائمة للمجلس الشعبى يعد مخالفا لنص المادة 87 و88 من القانون المدنى، ونص المادتين 14 و26 من القانون رقم 43 لسنة 79؛ بشأن نظام الإدارة المحلية، ونص المادة 45 من قرار محافظ سوهاج رقم 607 لسنة 96، بشأن قواعد التصرف فى الأراضى المعدة للبناء، حيث إن الواقعة تعد انتفاء للمنفعة العامة للدولة فى تلك الموافقة لبناء مشروع تجارى إدارى سكنى لضباط الشرطة.
سجل التقرير أيضا تواطؤ الوحدة المحلية لحى غرب سوهاج باستخراج عدد 2 ترخيص مبانٍ للأرض المذكورة دون وجود سند ملكية بذلك لجهاز مشروعات وزارة الداخلية، بالمخالفة لأحكام قانون البناء رقم 106 لسنة 76 للرخصة الأولى، والقانون رقم 119 لسنة 2008 للرخصة الثانية.
أما على الطبيعة، فقد تم البناء على أرض مديرية الأمن القديم والسجن العمومى ومسكن مدير السجن عام 2010، وأصبحت المنطقة عبارة عن أبراج سكنية شاهقة، مساحة الشقة الواحدة بها 300 متر مربع، وتعرض للبيع من قبل قيادات وزارة الداخلية فى القاهرة بمبلغ مليون جنيه، فى الوقت الذى تقوم فيه وزارة الإسكان ببناء وحدات سكنية مساحتها 55 مترا، ورغم ذلك فشباب سوهاج لا يجدونها!