كنت أمس الأول ضيفا على "النيل الثقافية" للحديث عن مكانة الثقافة والمثقفين فى الدستور المصرى الجديد المطروح للاستفتاء، وكانت معى ضيفة أخرى تمثل وجهة النظر المقابلة، أكاديمية تدرس بإحدى الجامعات، وكاتبة وناقدة، وتبدو عليها أمارات حسن الخلق، واستشعرت فيها حب الوطن والحرص عليه، (وعلى فكرة مسلمة ومحجبة). وبصرف النظر عن رأيها الرافض للدستور الجديد الذى لم أنزعج له؛ لأنى أعتبر أن الخلاف حول الدستور ومواده أمر طبيعى، ويقبل الحوار والأخذ والرد، إلا أن ما أدهشنى فعلا ما سمعته منها فى أثناء تعارفى بها وحديثى معها ونحن ننتظر موعد خروجنا على الهواء. وخلاصة هذا الحديث أنها –رغم مستواها الثقافى الذى ذكرته– وجدتها تعتقد يقينا أن الإخوان المسلمين جماعة إرهابية لديها ميليشيات مسلحة ومدربة! ومخزون من الأسلحة! واستشهدت –ويا لعجيب ما استشهدت به– بأكذوبة ميليشيات الأزهر (تخيلوا لسه فيه ناس بتقول ميليشيات الأزهر) وبعض التفجيرات التى حدثت قبل الثورة! وميليشيات "الاتحادية"! وإنكارها أن يكون من قُتل هناك على مرأى ومسمع من العالم كله من الإخوان المسلمين!! كما أنها تعتقد أن لدى جماعة الإخوان جهاز مخابرات خاصا بها! يرصد ويتجسس ويسجل! وأن هناك أجهزة داخل الإخوان تتوزع الأدوار فيما بينها، بحيث يكون هناك جهاز يتصدى للجماهير بالخطاب المعسول، وجهاز ثان يتبنى الخطاب المتشدد، وجهاز ثالث يتولى العمل السياسى، وجهاز رابع يشرف على العمليات المسلحة.. إلخ. وقد وجدتها تخلط خلطا غريبا بين "الإسلاميين" على اختلاف فصائلهم وتنويعاتهم الفكرية، وكنت أظن أن هذا الخلط وإن كان مقبولا من بعض العوام، إلا أنه من المحال أن يعتمده المثقف الأكاديمى، فكل من أطلق لحيته هو عندها من الإخوان، وكل من تحدث باسم الدين هو من الإخوان، وكل من صعد على منصة فى احتفالية يشارك فيها الإخوان مع غيرهم من التيارات الإسلامية هو من الإخوان، وكل من يؤيد الإخوان هو محسوب على الإخوان، ومحسوبة أفعاله وكلماته وخطابه على الإخوان!! إلا أنها فى مفارقة عجيبة ترى أن ما بين الإخوان والسلفيين خلاف عقائدى!! والمضحك أنها تتصور الإخوان والإسلاميين عموما كائنات بدائية متوحشة لا علاقة لهم بالثقافة والفن والأدب، وأنهم دائما يترصدون "المبدعين" ويحاربونهم!! استمعت مشدوها لكلمات هذه السيدة الفاضلة، ولما جادلتها فيما تقول وحاولت أن أثبت لها أن كل ما تعتقده عن الإخوان والإسلاميين غير صحيح، مستشهدا بتاريخ الإخوان وأدبيات المؤسسين والمعاصرين، وأنى فى الإخوان المسلمين منذ ما يزيد عن عشرين عاما وأقسمت لها بالله ثلاثا أنى لم أرَ ما تتحدث عنه، دفعت فى وجهى برد غريب، وهو أنه ليس كل من فى الإخوان يعلم كل شىء فيها، وأن هناك أمورا فى الجماعة يعلمها الخاصة دون العامة!! سبحان الله! (يعنى بعض اللى جوه الإخوان ما شافش ولا يعرفش لكن اللى بره شايف وعارف)!!. أخذت أتأمل فى كلامها بعد أن انتهى اللقاء، مندهشا من حال "المثقفين والنخبة" فى بلادنا، فقد كنت قبل هذا اللقاء أظن بأن ما ينطق به بعض هؤلاء من عداء شديد للإخوان المسلمين إنما هو من خلف عقولهم، أى أنهم يعلمون الحقيقة (لأنها واضحة وضوح الشمس) ولكنهم يكذبون ويعلمون أنهم يكذبون من أجل مصالح يحرصون عليها، ولم أكن أتخيل أن هناك من يعتقد هذا الاعتقاد ويتكلم به موقنا به مصدقا له. كيف وصلت هذه المفاهيم لهؤلاء؟ ومن يتحمل المسئولية فى هذا؟ وكيف نصحح لهؤلاء مفاهيمهم؟ لعلى أتناول هذا فى مقالات قادمة إن شاء الله تعالى. ----------------------- فتحى عبد الستار [email protected]