يُسرع نظام الانقلاب العسكري في مصر خلال الآونة الأخيرة، من وتيرة تهجير أهالي سيناء، بالتزامن مع الهجمات الإرهابية المتتالية التي يتخذها النظام ذريعة لتبرير عمليات التهجير، في ظل حصار أهالي سيناء، الذين اعتبرهم السيسي عدوًا له يعلق عليهم شماعة الفشل الأمني في أرض الفيروز، في الوقت الذي تشوب العمليات الإرهابية بعض الغموض حول المستفيد الحقيقي منها، وهو الكيان الصهيوني، الذي تعهد له نظام الانقلاب بحماية حدوده مع سيناء. وبالرغم من تماس الحدود السيناوية، التي تعتبر مسرحًا للعمليات الإرهابية في مصر، مع حدود الأراضي المحتلة من الكيان الصهيوني، إلا أنه لم يسمع منذ 4 سنوات ونصف هي عمر الانقلاب العسكري، عن عملية إرهابية واحدة- ولو فاشلة- طالت الأراضي المحتلة من إسرائيل، الأمر الذي يؤكد أن هذه العمليات مدروسة؛ بهدف تثبيت أركان نظام الانقلاب الذي يتاجر بالإرهاب، ويجعل منه بضاعة مزجاة لترسيخ أركان حكمه، وفي نفس الوقت يتم استثمارها في تهجير أهالي سيناء خدمة للكيان الصهويني، الذي تعهد النظام بحماية حدوده. حصار ثم تهجير وتعتمد آليات العمل في تهجير السيناوية على تشديد الحصار عليهم، وتوسيع مسرح العمليات الإرهابية، ثم عقاب أهل سيناء بدعوى المسئولية، والتستر على عدد من الإرهابيين الذين يتحملون مسئولية هذا الإرهاب. وتتعدى نوايا النظام الانقلابي المُعلنة ب"الحرب على الإرهاب" ومواجهة تنظيم "داعش" في سيناء، إذ للمرة الثالثة على التوالي يطلب النظام المصري من الهيئات والمصالح الحكومية تنفيذ "الإخلاء الإداري" لجميع المباني التابعة لها، والتي تقع ضمن نطاق المرحلة الثالثة من المنطقة العازلة، القرار الذي وُزّع على جميع الإدارات والهيئات والمصالح الحكومية- وعلى رأسها هيئات الكهرباء والمياه والصرف الصحي- نسب التعليمات الصادرة بضرورة الإخلاء، على أنها "قرارات من رئيس الجمهورية". وفي ضوء هذه القرار، يعيش أهالي رفح المصرية حالة شديدة من الحصار تُنذر بتحوّل المدينة الزراعية، التي تنتج الخوخ والزيتون والعنب والموالح السيناوية المشهورة بجودتها داخل الأسواق المصرية، إلى مدينة فقيرة لا تتوافر في أسواقها السلع الأساسية والضرورية للعيش. وأكد سكان بعض قرى سيناء أن الهدف النهائي للسلطات هو إخلاء المدينة تماما من السكان والمنازل والمنشآت. على أن يتمّ ذلك بمراحل وخطوات. وعلى الصعيد الإنساني، يعاني أهالي رفح على مستويات عدة: فحظر التجوال لا يزال مفروضاً للعام الرابع على التوالي، وهم محرمون من الكهرباء للشهر الثالث باستثناء بضع ساعات كل بضعة أيام، حيث يتوقف معها العمل في الهيئات والمصالح الحكومية والبنوك وشبكات المياه والصرف الصحي وشبكات الإنترنت والهواتف الأرضية والمحمولة، بالإضافة إلى انعدام توافر المنتجات والسلع في الأسواق والمحال التجارية، ما أدى إلى ارتفاع كبير في الأسعار. ومنذ إعلان السيسي تطبيق حالة الطوارئ، يتم تمديدها تلقائيا كل 3 أشهر، في مخالفة واضحة للمادة 154 من الدستور المصري، التي تنص على أن إعلان حالة الطوارئ وتمديدها لمدة واحدة فقط يستلزم موافقة ثلثي أعضاء مجلس النواب، أما تمديدها لمدة أخرى يستلزم إجراء استفتاء شعبي، وهو ما لم يتم. وبعد ذلك، بدأت أعمال توسيع وتعميق المنطقة العازلة لتصل إلى كيلومتر واحد، وبلغ عدد المتضررين من مرحلتي التهجير الأولى والثانية 3 آلاف أسرة ومنزل، انتقل معظمهم لمحافظات خط القناة في بورسعيد والسويس والإسماعيلية. فاشية وصمت دولي وبالرغم من الفاشية التي يتعامل بها نظام السيسي مع تهجير الآلاف من أهل سيناء الذين هُجروا من بيوتهم بأوامر عسكرية ليقيم الجيش منطقة عازلة، تسود حالة من الصمت المحلي والدولي، حتى إن وسائل الإعلام لا تجرؤ على نقل صورة واحدة من سيناء، الأمر الذي يشير إلى تواطؤ المجتمع الدولي خدمة للكيان الصهيوني في تأمين حدوده والحديث عن صفقة القرن الكبرى في توطين الفلسطينيين بسيناء. حتى إن عمليات التهجير في عهد السيسي شبهت نظيرتها مع تاريخ العدوان الثلاثي على مصر في 29 أكتوبر 1956، حيث تم تهجير آلاف المصريين من ميدان المعركة، لكن تهجير الخمسينيات تم بشكل مؤقت أما التهجير الحالي فسيدوم، حسب ما يعتقد أهالي المنطقة. يأتي ذلك مع حملة تشويه كبيرة لأهالي سيناء منذ أشهر في وسائل الإعلام، فضلا عن توزيع مجالس ومحليات سيناء استبيانات لمعرفة أيهما يفضل السكان عند التهجير، التعويض المادي أم منحهم أرضا في أماكن أخرى". وبحسب مسح أجرته منظمة "هيومن رايتس ووتش" ولقاءات مع صحفيين ونشطاء من سيناء، و11 عائلة تم إجلاؤها من المنطقة العازلة، وجدت المنظمة أن الجيش المصري قام بتدمير واسع النطاق لما لا يقل عن 3 آلاف و255 مبنى في رفح. ويبدو أن شهر أكتوبر سيظل الشاهد الأبرز على تهجير أهالي سيناء، حيث أعلن محافظ شمال سيناء اللواء عبد الفتاح حرحور، في 10 أكتوبر 2017، عن بدء المرحلة الثالثة من منطقة العزل بتجريف منازل المواطنين في نطاق 500 متر جديدة، لتصبح المنطقة العازلة في مسافة 1500 متر أو ما يزيد على ذلك، حيث تهدف المرحلة الثالثة إلى إزالة 1215 منزلا و40 منشأة حكومية. ومع منتصف 2017، بدأت تتكشف أجزاء أخرى من خطة تفريغ المنطقة الشرقية باتجاه إسرائيل، حيث كشفت مصادر سياسية لموقع العربي الجديد عن قيام الأجهزة المصرية بإعداد تصور لإخلاء مناطق جديدة في مدينة الشيخ زويد ورفح من السكان من مساحات واسعة، مستغلة حالة الغضب الشعبي في أعقاب حادث استهداف كمين أمني بمنطقة البرث نتج عنه مقتل 30 فردا من عناصر الجيش في يوليو الماضي. واستغلت أيضا الأجهزة الأمنية سلسلة الهجمات التي وقعت بمدينة العريش، والتي وقعت مطلع أكتوبر الجاري واستمرت حتى منتصف الشهر، وأغلقت مكاتب البريد في ضاحيتي المساعيد والزهور في مدينة العريش لحين توفير حماية أمنية. كما أغلقت أفرع البنوك بمدينة العريش حتى إشعار آخر، بعد حادث السطو المسلح الذي تعرض له البنك الأهلي منتصف أكتوبر الجاري، برغم وقوعه في مربع أمني محاط بثلاثة كمائن عسكرية. كما عملت على زيادة عمليات الاعتقال ضد المواطنين، ضمن سلسلة جرائم عصابة العسكر بحق المسالمين من أهالى سيناء، حيث شنت قوات أمن الانقلاب حملة اعتقالات ببئر العبد في الساعات الأولى من صباح اليوم السبت، دون ذكر الأسباب بشكل تعسفي. وقال شهود العيان إن الحملات طالت منازل أهالي قريتي (قاطية وأقطية)، وروعت النساء والأطفال والأهالي العزل قبل أن تعتقل عددًا كبيرًا من أبناء القريتين وتقتادهم جميعًا لجهة غير معلومة، دون ذكر أسباب اعتقالهم. كانت قوات أمن الانقلاب قد واصلت، أمس الجمعة، حملات المداهمة والاعتقال التعسفي لأهالي سيناء، واقتحمت قرية بالوظة التابعة لمركز رمانة، واقتحمت عددًا من المنازل بحثًا عن بعض الأهالي.