بعد قرابة 33 عاما من انسحابها، باتت دولة المغرب قاب قوسين أو أدنى من العودة مرة أخرى إلى الاتحاد الإفريقي بقرار يُنتظر أن يصدر عن القمة ال28، المقرر عقدها على مدار اليومين المقبلين، في ظل مؤشرات إيجابية ذهبت إلى هذا الاتجاه، بعد الجهود الدبلوماسية التي بذلتها الرباط في الآونة الأخيرة، نجحت خلالها في اقتناص موافقة 43 دولة حتى الآن على هذه الخطوة. هذا التفاؤل بعودة المغرب إلى الاتحاد القاري عززه أيضا انتهاء ولاية رئيسة مفوضية الاتحاد الإفريقي، دلاميني زوما، التي اتهمتها الرباط في وقت سابق بأنها "تعد مناورات سياسية جديدة، تسعى من خلالها إلى عرقلة قرار عودة المملكة باستعادة مكانها الطبيعي والشرعي داخل أسرتها المؤسساتية الإفريقية". وانسحبت المغرب عام 1984 من منظمة الوحدة الإفريقية (الاتحاد الإفريقي حاليا)، احتجاجاً على عضوية "الجمهورية الصحراوية" التي شكلتها جبهة "البوليساريو" من طرف واحد، وتطالب بانفصال إقليم الصحراء عن المملكة. واشترط مسئولون مغاربة سابقا عودة بلادهم إلى الاتحاد بسحب عضوية "الجمهورية الصحراوية"، لكن مسئولين في المنظمة اعتبروا ذلك غير ممكن؛ لأن لوائح تأسيس الاتحاد تحصر إسقاط العضوية في الوصول إلى السلطة بطرق غير دستورية (انقلابات عسكرية) فقط. غير أن المغرب تراجعت عن شرط طرد "الجمهورية الصحراوية"، وقال وزير خارجيتها صلاح الدين مزوار، في نوفمبر الماضي، في تصريحات صحفية: إن بلاده لم تربط دخولها إلى الاتحاد الإفريقي بطرد "البوليساريو" من هذه المنظمة. وعقب الرسالة التي وجهها العاهل المغربي إلى القادة الأفارقة في قمة كيغالي، في يوليو العام الماضي، وعبّر فيها عن رغبة بلاده استعادة عضويتها بالاتحاد الإفريقي، رحبت آنذاك 28 دولة بالطلب المغربي، إلى أن وصل عددها حتى الآن 43 دولة، بحسب مصادر دبلوماسية في الاتحاد. وقالت تلك المصادر للأناضول، إن 35 رئيس دولة إفريقية وقّع بالموافقة على عودة المغرب للاتحاد، إضافة إلى توقيع 8 وزراء خارجية باسم بلادهم، كما خرجت دول بشمال إفريقيا العربية من الحياد وأعلنت عن دعمها للطلب نفسه. مصدر دبلوماسي في الاتحاد الإفريقي وصف خطوة رفع ملف عودة المغرب إلى رئاسة القمة مباشرة، ب"المتطورة التي من شأنها أن تدعم الرباط بصورة أكبر". وقلل في الوقت نفسه من تحفظات رئيسة مفوضية الاتحاد على عودة الرباط، والتي أتت في ظل ما أسماه ب"المكايدات" من قبل البعض داخل هذه المؤسسة الإفريقية، جراء تباين وجهات النظر بين كتلتين، إحداهما تقف مع عودة المغرب، وأخرى تخالف الرأي، مشيرا إلى أن "زوما" ستغادر المنصب مع انعقاد القمة الحالية، ما سينزع فتيل ذلك الخلاف. وسبق أن أبدت رئيسة مفوضية الاتحاد الإفريقي التي ستغادر المنصب مع انعقاد القمة ال28 الحالية، تحفظات على عودة المغرب، بحسب بيان صادر عن الرباط، اتهمت فيه الأولى بعرقلة قرارها العودة إلى الاتحاد. وإلى جانب ملفات إفريقية أخرى ملحة وهامة، يتصدر ملف عودة المغرب لعضوية الاتحاد أجندة القمة الإفريقية التي ستعقد بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا. وبات من المؤكد قبول القمة عودة الرباط لصفوف الاتحاد الإفريقي؛ نظرا لما تمثله دولة المغرب من ثقل سياسي واقتصادي، ولموقعها الاستراتيجي داخل المجموعة الإفريقية. وكان للجهود التي بذلتها الرباط على مستوياتها التنفيذية والدبلوماسية، والتي قادها العاهل المغربي محمد السادس خلال جولات قام بها إلى دول إفريقية شملت إثيوبيا (حيث مقر الاتحاد الإفريقي) ورواندا وتنزانيا ونيجيريا، دور كبير في نجاح مساعي بلاده للعودة لاستعادة عضويتها. السفير الصومالي السابق عبد الله طاهر اعتبر في تصريحات للأناضول، أن الجهود التي بذلها المغرب بمختلف أجهزته التنفيذية والتشريعية، هي التي دفعت بالملف إلى أن يتحول مباشرة ل"رأس القمة". وقال طاهر، وهو خبير في قضايا الاتحاد الإفريقي: إن "المغرب حققت خطوة كبيرة داخل أروقة الاتحاد أكدت قوة التأثير الذي تتمتع به دبلوماسيتها"، مشيرا إلى أن "عودتها للاتحاد أصبحت مؤكدة". وحول السيناريوهات المتوقعة في ظل وجود قوى إفريقية داعمة وبقوة للطرف الآخر من الأزمة، والمتمثل فيما تسمى "جمهورية الصحراء" التي أعلنتها جبهة "البوليساريو" من جانب واحد، قال طاهر إنه لا يستبعد أن تُحدث عودة المغرب للاتحاد "تباينات وتجاذبات داخل أروقة الاتحاد لكنها لن تؤثر على المنظمة القارية". ولفت إلى أنه "وفي ظل اختلاف السياق التاريخي والسياسي، والتطورات الإقليمية والدولية، تلوح في الأفق عدة احتمالات وتداعيات داخل أروقة الاتحاد في قمته القادمة؛ بسبب تداعيات عودة المغرب". ولم يخف عدد من الدبلوماسيين الأفارقة عن قلقهم، في أحاديث مع الأناضول، من احتدام المواجهة داخل مجموعة شمال إفريقيا التي تظل تشهد تباينا في المواقف فيما بينها. وعكست تصريحات الوزير الجزائري للشئون المغاربية والإفريقية والعربية، عبد القادر مساهل، حجم الاحتقان الذي يتوقع أن تشهده مجموعة شمال إفريقيا، حيث أعلن أن بلاده لن توافق على إخراج "جمهورية الصحراء" من الاتحاد. وأضاف الوزير الجزائري، في تصريحات له مؤخرا لقناة "الشروق نيوز" الجزائرية (خاصة)، أن "المغرب غادرت الاتحاد الإفريقي منذ 33 سنة، وحاولت مؤخرا العودة إليه مقابل إخراج الصحراء الغربية ولكنه لن ينجح". وبحسب قانون المنظمة، فإن الاتحاد الإفريقي ينظر في اعتماد عضوية الدولة المتقدمة بالطلب بعد تصويت أكثر من ثلثي أعضاء الاتحاد البالغ عددهم 53 دولة (52 بدون المغرب)، فيما لا تزال "جبهة البوليساريو"، متمسكة برأيها أن "للمغرب حق العودة، لكن عليها احترام قرارات الاتحاد والأمم المتحدة بشأن الصحراء الغربية". وبدأت قضية الصحراء عام 1975، بعد إنهاء الاحتلال الإسباني وجوده في المنطقة، ليتحول النزاع بين المغرب و"البوليساريو" من جهة، وبين هذه الأخيرة وموريتانيا من جهة ثانية إلى نزاع مسلح، استمر حتى عام 1979 مع موريتانيا، التي انسحبت من إقليم وادي الذهب، قبل أن تدخل إليه القوات المغربية، بينما توقف مع المغرب عام 1991، بعد توقيع اتفاق لوقف إطلاق النار. وأعلنت "البوليساريو" قيام "الجمهورية العربية الصحراوية"، عام 1976 من طرف واحد، اعترفت بها بعض الدول بشكل جزئي، لكنها ليست عضوا بالأمم المتحدة، ولا بجامعة الدول العربية.