مع اقتراب موعد إجراء انتخابات أول برلمان بعد انقلاب 3 يوليو، المزمع إجراؤها قبل نهاية العام 2015، وفق تصريحات السيسي ومحلب، تشهد الساحة المصرية تجاذبًا سياسيًّا غير مسبوق، أبرز آلياته ساحات القضاء والمال السياسي، الذي سيكون فارس الرهان الأساس في حسم المقاعد البرلمانية. فيما يبرز نواب الحزب الوطني المنخل، أو ما يطلق عليهم "فلول نظام مبارك"، كعنصر حسم لما يملكه من خبرات سياسية في هندسة الأصوات الانتخابية وشراءها بالمال السياسي. ومن المقرر أن تجري المنافسة على 448 مقعدًا فرديًّا في ظل عدم اهتمام الأحزاب بشكل كبير بالمقاعد المخصصة للقوائم والمقدرة ب120 مقعدًا. عصابة ال7 ويبدو الصراع الانتخابي الذي لا يترك مناسبة لا استغلها، من افتتاح تفريعة قناة السويس الجديدة، ورعاية حفلها أو تمويل مشروعات ومخططات حكومية والمساهمة في تنمية العشوائيات، كما يفعل رجل الأعمال أحمد أبو هشيمة.. وغيره. ساويرس يتصدر مشهد صراع المال السياسي رجل الأعمال نجيب ساويرس، مؤسس حزب "المصريين الأحرار"، حيث يسارع الزمن لشراء نواب الحزب الوطني المنحل وكبار العائلات ومشايخ القبائل في الوجهين البحري والقبلي، بل تؤكد مصادر مقربة منه أنه أعطى توجيهات لأمانات الحزب في المحافظات بإعداد تقارير بأبرز الأسماء التي تمثل ثقلاً في دوائرها الانتخابية، لمحاولة إقناعها بالانضمام إلى الحزب بأي ثمن. وعرض على بعض تلك الأسماء شيكات على بياض للانضمام إليه، فضلاً عن التعهد بفتح القنوات التابعة لساويرس أمامهم، وكذلك تحمل نفقات الحملة الانتخابية كافة، من دعاية ومصروفات غير مباشرة في الدوائر. ولعل تلك المحاولات، أثارت منافسه أحمد شفيق، الذي يراهن على العودة للحياة السياسية عبر البرلمان، ومن ثم تشكيل الحكومة المقبلة، فتقدم أحد أتباعه ببلاغ ضد ساويرس لنائب العام، حيث تقدم رمضان الأقصري، أحد أنصار شفيق وأعضاء حملته الترويجية "معًا تحيا مصر"، التي يغازل بها عبدالفتاح السيسي، بلاغًا إلى النائب العام ضد ساويرس، يتهمه فيه بشراء ذمم أعضاء البرلمانات السابقة عن الحزب الوطني المنحل وضمهم إلى جبهته التي ستخوض الانتخابات المقبلة، والتي لم يتحدد موعد انطلاقها حتى الآن. الأقصري استند في بلاغه المقدم ضد ساويرس إلى خبر نشرته صحيفة "أخبار اليوم" القومية عن تفاوض ساويرس مع رجال الأعمال وأعضاء الحزب الوطني المنحل، ممن لديهم شعبية ملحوظة في دوائرهم. وينتظر ساويرس التحقيق باتهامات ب"محاولة إفساد الحياة السياسية"، بحسب البلاغ. قرطام ويأتي رجل الأعمال أكمل قرطام، عضو لجنة السياسات السابق في الحزب الوطني المنحل، في المرتبة الثانية من حيث المغريات التي يقدمها لنواب الحزب المنحل والشخصيات التي تمثل ثقلاً في دوائرها الانتخابية لضمها إلى "حزب المحافظين"، الذي أسسه بعد ثورة 25 يناير، على أن تخوض هذه الشخصيات الانتخابات باسم الحزب. وتتمحور عروض قرطام حول تحمل نفقات الدعاية الانتخابية للمرشح في حال موافقته خوضَ الانتخابات مع الحزب بحد أقصى 400 ألف جنيه مصري. يذكر، أنّ قرطام سعى، خلال الفترة الماضية، إلى السيطرة على عدد من وسائل الإعلام، من خلال سعيه إلى شراء مجموعة من الصحف الورقية ومحاولة إطلاق إصدارات جديدة. وقام بشراء صحيفة التحرير. كما حاول شراء صحيفة الشروق قبل أن تفشل الصفقة التي عرض خلالها 20 مليون جنيه لشراء الصحيفة، فضلاً عن إطلاقه عدداً من الإصدارات الفرعية، مثل صحيفة "الأهم" وموقع "ويكليكس البرلمان" استعداداً لموسم الانتخابات. بينما ما تزال أوراق قضايا فساده المالي ترزح بالمحاكم منذ عشرات السنوات، بلا حسم، حيث يقول مقربون إن صلاته بأجهزة أمنية وقضائية تعرقل صدور أحكام ضده، بقضية الاستيلاء على أرض شركة أبو عوف للمقاولات على نيل المعادي بالقاهرة، منذ العام 1996. عز الحديد من جهته، يسابق أمين التنظيم السابق في الحزب الوطني المنحل، أحمد عز، المعروف باسم "رجل الحديد"، الوقت للاتفاق مع عدد من أبرز الأسماء في الدوائر، والذين كانت تربطهم به علاقة قوية، حتى يمثلوا ظهيرًا أسياسيًّا له في البرلمان المقبل، يؤمن من خلالهم مصالحه الاقتصادية، ويمثل من خلالهم قوة ضغط سياسية على النظام السياسي. ويستفيد عز من علاقاته القوية، نظرًا لكونه المتحكم رقم واحد في انتخابات البرلمان في مصر، خلال السنوات العشر الأخيرة، في حكم الرئيس المخلوع حسني مبارك. ويعرض عز على الأسماء المستهدفة منحها مبالغ مالية كبيرة وتحمل نفقاتها في الدوائر حتى بعد الفوز في الانتخابات لضمان بقاء قوتها. ويشير مقربون منه إلى توصله للاتفاق مع 50 من نواب الحزب المنحل حتى الآن. البدوي كما يواصل رئيس حزب الوفد، السيد البدوي، جهوده بعيدًا عن مؤسسات حزبه، لمحاولة الاتفاق مع عدد من نواب الوطني السابقين ليدعم بهم قوائم حزبه الانتخابية، بما يضمن له الفوز بعدد من المقاعد في البرلمان المقبل الذي يتصارع عليه رجال الأعمال. ويغري البدوي النواب المرشحين بالأموال تارة، وبتسليط الضوء الإعلامي عليهم من خلال شبكة قنوات الحياة التي يمتلكها تارة أخرى. شفيق "الإمارات" أما حزب الحركة الوطنية الذي يتزعمه المرشح الرئاسي الخاسر في انتخابات عام 2012، أحمد شفيق، يعتبر الأوفر حظاً في السباق نحو نواب حزب الوطني المنحل وكبار عائلات الصعيد، ولا سيما أنّ معظمهم يعدون من مؤسسي حزبه، إضافة إلى علاقاته القوية بهم. ويعدهم شفيق بدعم مالي مفتوح في الانتخابات، حيث ينتشر في الأوساط السياسية حصول شفيق على دعم مالي إمارتي ضخم خلال الانتخابات المقبلة. بدران على جانب آخر ، يتخذ عدد من رجال الأعمال الكبار في السوق المصرية من حزب "مستقبل وطن" الذي يترأسه الشاب، محمد بدران، أحد مسؤولي الحملة المسماة بالرئاسية للسيسي، واجهة لمحاولة السيطرة على البرلمان المقبل، لتقديمه قربانًا للسيسي في ظل خوف النظام الحالي من قوة البرلمان لما يملكه من صلاحيات كبيرة في مواجهة رئيس الدولة، حيث من المفترض أن يراجع البرلمان المقبل نحو 263 قرارًا وقانونًا أصدرهم السيسي في غيبة السلطة التشريعية، خلال ال15 يومًا الأولى، بحسب قانون الانتخابات وتعديلاته اليومية التي يحاول من خلالها السيسي هندسة البرلمان المقبل وتفخيخه لتسهيل حله إن خرج عن سياق ما يريده السيسي، رافعًا سوط عدم الدستورية، الذي أدخلته التعديلات الأخيرة بإلغاء الرقابة المسبقة على قانون الانتخابات، لتيسير الطعون لاحقًا. أبو هشيمة وفي السياق يبرز رجل الأعمال أحمد أبو هشيمة، الذي يمتلك شركة حديد المصريين، ويصفه المراقبون بأنه يسير على خطى أحمد عز في السيطرة على الحياة السياسية، من خلال إنفاقه على عدد من الأنشطة الاجتماعية والتي من بينها تطوير العديد من القرى الفقيرة في صعيد مصر. وبحسب نواب سابقين في الحزب الوطني المنحل، يعرض الحزب المدعوم من أبو هشيمة، مبالغ مالية تصل نحو 500 ألف جنيه ، إضافة إلى وعود بالتغطية الإعلامية في عدد من وسائل الإعلام المملوكة لرجال الأعمال الذين يقفون خلف الحزب، ومن بينها صحيفة اليوم السابع المملوكة لأبو هشيمة. تلك الصراعات تسعى أجهزة أمنية لتغذيتها، لضمان تفتت الكتل البرلمانية التي لا تجتمع إلا على المصالح والبزنس فقط، بينما تغيب الأفكار والمنطلقات الحزبية أو السياسية، ما ينذر بتجريد الحياة السياسية من مضمونها، في إطار صراع المصالح لا صراع الأيديولوجيات والأفكار والنظريات الإصلاحية والمشروعات التشريعية التي سيفقدها البرلمان المقبل، لتعويم السيسي خلال فترتي حكمه، ما لم يسقط بالحراك السياسي المعارض ، وسيدفع الشعب المصري فاتورة باهظة لاختياراته التي تنحصر دائرتها في المفاضلة بين رجال أعمال فاسدين ورجال أعمال أقل فسادًا.. ذلك المأزق يعمق أزمة الدولة المصرية في مراحلها المقبلة!! المطلوب من البرلمان القادم تلاعب أجهزة الاستخبارات والأجهزة الأمنية التي تريد تعويم السيسي، وقوانينه التي تجاوزت ال300 قانون وقرار لا بد من تمريرها، وفقًا للدستور، خلال ال15 يومًا الأولى من أول اجتماع للبرلمان الجديد.. بجانب مساندة السيسي في كل سياساته وقراراته، وعدم التهديد بسحب الثقة منه، وإلا استخدم سلاح عدم الدستورية، بحسب قانون الانتخابات الصادر مؤخرًا، وتعديلات السيسي غير الدستورية على قانون عمل المحكمة الدستورية، وإلغاء رقابتها المسبقة على القوانين. الأخطر في تلك المنافسات غير الشريعة أنها تستبعد الشعب المصري بمشكلاته وآلامه وآماله من المعادلة، كما كان يفعل مبارك، حيث تساعد تلك الأجواء والزواج الكنسي بين المال والسياسة في انتشار الفساد والمحسوبية وحماية رجال الأعمال الذين أفسدوا الحياة السياسية في مصر عبر عقود، من أدوية ومبيدات مسرطنة وغذاء فاسد وعقارات آيلة للسقوط وتعليم بلا قيم وشباب بلا عمل إلا بالسخرة في مصانع رجال الأعمال، فهل يستطيع الشعب وقف هذا المخطط للعودة لدولة مبارك التي ثار عليها الشعب في 25 يناير!!.