اعتبر خبراء وسياسيون وفاة رئيس الوزراء الإثيوبى ميليس زيناوى أمس فى إحدى مستشفيات لوكسمبورج، بالتزامن مع مجىء الرئيس مرسى ونيته الاهتمام بالقارة الإفريقية ومنطقة أعالى النيل، فرصة جيدة لمصر لاستعادة دورها ونفوذها فى منطقة حوض النيل بعدما لعب زيناوى وكينيا دورا سلبيا ضد النفوذ المصرى هناك، واستطاع زيناوى أن يؤثر على دول حوض النيل بإقناع بوروندى وأوغندا وكينيا وتنزانيا ورواندا، بتوقيع الاتفاقية الإطارية الجديدة لتقاسم مياه النيل عام 2011، التى تهدد أمن مصر المائى وتسمح ببناء سدود على مجرى النيل تقلص حصة مصر. ورجح الخبراء أن يتراجع دور إثيوبيا مستقبلا فى القارة الإفريقية، بعدما لعب زيناوى دور الشرطى الأمريكى فى المنطقة وغزا الصومال –لصالح أمريكا- لضرب الحكم الإسلامى الذى أقامته (المحاكم الإسلامية) هناك، كما فتح الباب أمام تزايد النفوذ الصهيونى فى منطقة أعالى النيل، واستقدم شركات إسرائيلية لبناء سدود فى إثيوبيا على مجرى النيل، وهو ما سيؤثر على حصة القاهرة والخرطوم من مياه النيل، وتنسف الاتفاق القديم الموقع عام 1959، وذلك لانشغال القادة الجدد على الأرجح بضبط الأوضاع الداخلية للبلاد. وفى خطوة تصب فى هذا التوجه، قرر الرئيس محمد مرسى إيفاد وفد مصرى على مستوى عال لأديس أبابا للمشاركة فى تشييع جنازة رئيس الوزراء الإثيوبى ميليس زيناوى برئاسة رئيس الوزراء، أو وزير الرى، بحسب ما أعلنه الدكتور ياسر على، المتحدث باسم رئاسة الجمهورية. ويؤكد الدكتور حمدى عبد الرحمن -خبير الشئون الإفريقية وأستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة- أن مصر أمامها فرصة سانحة لاستعادة دورها فى القارة الإفريقية، وإعادة رسم حدود دورها الإقليمى فى المنطقة وذلك لو أحسنت استغلال الفرصة هذه المرة، بعدما أهمل النظام السابق إفريقيا لمدة 30 عاما، ما جعل هناك حالة رأى عام إثيوبى نتيجة السياسات الخاطئة لمصر على مدار 30 عاما ماضية، وينظرون لمصر نظرة كراهية ويزعمون أنها "تسرق" مياه إثيوبيا!!. وأضاف –فى تصريح ل(الحرية والعدالة)– أن وفاة زيناوى إضافة إستراتيجية للدور المصرى، وفى مصلحة التفاوض مرة أخرى، وإعادة الدور المصرى الإقليمى لتصبح مصر طرفا فاعلا فى إفريقيا، مشيرا إلى أنه ربما لن يحدث اختلاف كبير فى النظرة الإثيويبة لملف المياه لوجود توافق فى الرأى بين الحكومة والمعارضة حول هذا الأمر، كما أن هناك اتفاقية (الإطارية) تم التوقيع عليها من قبل 7 دول من دول حوض النيل يجب أن تأخذها الإستراتيجية المصرية فى الاعتبار وهى تتعامل مع الخليفة الجديد لإثيوبيا. وأشار إلى سيناريوهين بعد زيناوى: (الأول) لو تم حسم المسألة بالخلافة السياسية بشكل يضمن بقاء الأوضاع على ما هى عليه عبر اختيار أحد أعضاء حزب زيناوى المقربين من أفكاره، (والثانى) أن يحدث صراع على السلطة لن يحسم قريبا، علما أن زيناوى تخلص من الكثير من معارضيه. وينبه إلى أن رؤية زيناوى ربما لن تتغير؛ لأنه كان لديه مشروع إمبراطورى للاستفادة من مياه إثيوبيا مقابل دور إقليمى كبير لبلاده، وهو ما تحقق نسبيا، خصوصا أنه أصبح الوكيل الحصرى لأمريكا ضد "الإرهاب" فى إفريقيا، مما أعطاه قوة إقليمية أدى إلى تحول إثيوبيا لمركز القوة فى شرق إفريقيا بدلا من كينيا. وفى هذا الصدد أكد هانئ رسلان -رئيس مركز دراسات حوض النيل بمركز الأهرام للدراسات- أن وفاة رئيس الوزراء الإثيوبى ميليس زيناوى ستؤدى إلى إحداث خلل فى التوازنات الدقيقة والحرجة التى يعتمد عليها النظام الإثيوبى. وأشار رسلان -فى تصريحات ل(الحرية والعدالة)- إلى أن زيناوى وضع كل مقاليد الأمور بالبلاد فى يد قوميته وقبيلته التى لا تمثل سوى 12% من سكان البلاد، وحوّل المسلمين إلى أقلية على الرغم من أنهم يمثلون أكثر من 50% من تعداد السكان، وأن غيابه عن الساحة الإثيوبية سيؤدى إلى حدوث خلل بهذه التوازنات والتحول إلى مرحلة من الاضطراب والفوضى؛ سعيا للوصول إلى توازن جديد، وهو ما سيعنى انشغال النظام الإثيوبى بالشأن الداخلى والمحلى، والتراجع عن فكرة لعب دور إقليمى بالمنطقة. وقال "رسلان": إن هذا سيعنى أيضا أن الدور الإثيوبى بالمنطقة سيضعف ويتراجع كثيرا، وسيقل الاهتمام بقضية مياه النيل، واتفاقية عنتيبى، وهو ما سيفتح المجال لمصر لاستغلال هذه الفرصة، والوصول إلى مواقف تفاوضية جديدة بشأن مياه النيل واتفاقية عنتيبى، خاصة أن إثيوبيا كانت تضغط على دول الحوض للتوقيع على هذه الاتفاقية. إلا أن الدكتور محمود أبو زيد -وزير الرى والموارد المائية الأسبق- يرى بالمقابل أن "الوضع لن يتغير كثيرا فى قضية مياه النيل بعد رحيل ميليس زيناوى رئيس الوزراء الإثيوبى"، ويؤكد ل(الحرية والعدالة) أن إثيوبيا دولة مؤسسات لن تتأثر برحيل شخص، مشيرا إلى أن زيناوى أسس مدرسة سياسية فى النظام الإثيوبى سيعتمدها مَن سيخلفه، لافتا إلى أن وزير المالية والخارجية من خريجى مدرسة زيناوى السياسية. وتوقع أبو زيد أن تظل علاقة إثيوبيا بدول حوض النيل ومصر كما هى، لافتا إلى أن التعاون والتقارب المصرى مع أديس أبابا المتمثل فى زيارة الرئيس والوفود الشعبية قد يحدث تغيرا نوعيا فى نظرة الزعيم القادم لإثيوبيا للقاهرة. ومن جانبه أشار د. طلعت عبده -أستاذ الجغرافيا السياسية بكلية الآداب جامعة الأزهر- إلى أن رحيل زيناوى قد يشكل نقطة فارقة فى السياسة الإثيوبية فى التعامل مع قضية مياه نهر النيل وحصة مصر منها. موضحا أن زيناوى تمكن من التأثير على دول حوض النيل، وإقناع بوروندى وأوغندا وكينيا وتنزانيا ورواندا، بتوقيع الاتفاقية الإطارية الجديدة لتقاسم مياه النيل عام 2011، حاملا لواء العداوة لحصة مصر من مياه النيل. وكان زيناوى قد دخل فى مواجهة مفتوحة مع مصر فى عهد النظام السابق، وقرر منازعة مصر فى حصتها التاريخية بمياه النيل، وعدم اعترافه باتفاقية نهر النيل الموقعة عام 1959 التى تحدد حصص كل دولة من دول حوض النيل فى مياه النهر، وأقنع 7 دول من دول حوض النيل ال11 بالتوقيع على ما سمى "الاتفاقية الإطارية الجديدة" لتقاسم مياه النيل عام 2011، التى لا تعترف بحق مصر فيما يسمى "الفيتو" على بناء أى سدود على مجرى النيل، وحقها فى حصة 55.5 مليار متر مكعب من مياه النيل التى تقدر بقرابة 144 مترا مكعبا قابلة للزيادة فى حالة إقامة مشروعات مائية لزيادة الاستفادة من حجم الأمطار المتساقطة على الهضبة الإثيوبية. واستغلت "تل أبيب" هذا فى فتح الباب لعلاقات أوسع مع إثيوبيا، وعرض خطط لبناء وتمويل سدود إثيوبية على مجرى النيل بلغت قرابة 22 سدًّا، وأصبحت العلاقة وثيقة بين نظام زيناوى و"الموساد"، وتحولت أديس أبابا إلى واحدة من أقوى قواعد الموساد فى إفريقيا ومعبر تل أبيب للتغلغل فى غرب ووسط القارة الإفريقية، تحت ستار تصدير تكنولوجيا الرى والزراعة -التى تتفوق فيها الدولة العبرية- إلى القارة السمراء. كما تعاون زيناوى مع أمريكا فى استئصال نفوذ الإسلاميين فى الصومال ومنطقة القرن الإفريقى، وغَزَا الصومال عام 2011 بدعم جوى أمريكى أوروبى.