بات التضارب بين رؤى المراقبين والمتابعين للحرب الروسية الأوكرانية حادا؛ فبعضهم يرى تعثرا ميداينا روسيا متصاعدا، يضاف إليه حجم العقوبات التي فرضت عليه غربيا، مقابل رؤى أخرى بأن الأوضاع لم تُحسم بعد ، فوزارة الدفاع الروسية تعلن أنها ستضرب مركز الهجوم الإعلامي للمخابرات الأوكرانية في كييف بأسلحة عالية الدقة. وتعتمد الرؤى الأخيرة أيضا إلى تصريحات أوكرانية للرئيس زيلينسكي الثلاثاء موجها خطابا للاتحاد الأوروبي "إذا سقطت أوكرانيا فستكون القوات الروسية على حدود حلف الأطلسي" محذرا من أنه "على الشركاء التحرك سريعا وإذا كان شركاؤنا لا يريدوننا في الناتو، فنحن بحاجة إلى ضمانات أمنية". بالمقابل، قال الرئيس الأمريكي بايدن أنه يمسك بطرف الحرب وليس أوكرانيا، فتحدث في تصريحات له الثلاثاء 1 مارس 2022، قائلا: "هناك فرصة حقيقية أن يدفع بوتين ثمنا باهظا لهذا الغزو على المدى البعيد وسيفشل في نهاية المطاف، وثمة تبعات سلبية كبيرة على روسيا جراء خطوة بوتين غزو أوكرانيا ، بينما استفاد المعسكر الغربي منها، والمنعطف التاريخي الذي نعيشه الآن سيؤدي لتغيرات كبرى في العقد المقبل وهو أمر لا يحدث كثيرا". ونفى بايدن أن يكون الناتو في تراجع قائلا "عملت منذ اليوم الأول لإدارتي على جمع كلمة الناتو وأوروبا ووضعته تحديا أساسيا أمام بلادنا". رؤى الفريقين أنصار الفريق الأول يشبهون ما يحدث لروسيا بحالة العراق إبان حكم صدام حسين مطلع التسعينيات، عندما حشر في الزاوية وأضاع أوراقه وبلاده، مستندين إلى تصريحات مسؤولي البنتاجون المتواصلة ومنها أن "عددا من الجنود الروس يعانون من انعدام إمدادات الطعام، وهناك من يستسلم بدون استخدام العلم الأبيض". د . محمد الجوادي قرأ النتيجة بين الفريقيين وقال إنه "إذا انتصر بوتن انتهى الاتحاد الأوربي ، وانحل حلف الناتو ، و زالت مجموعة العشرين وأُلغيت عملة اليورو ، وعدنا للمارك والفرنك والليرة و الدرخمة ، و سلمت أمريكا النمر كما يقولون في المرور المصري ". أما الإعلامي أحمد منصور فقال: "رقعة الحرب تتسع وكثير من الدول أصبحت مشاركة فيها حتى سويسرا المحايدة وهي الحرب الأولى منذ الحرب العالمية الثانية التي تستخدم فيها كل الأدوات والوسائل بلا أخلاقيات أو ضوابط أولا نظام عالمي ولا جيوش نظامية ، فالمرتزقة واليمين المتطرف أصبح لهم جيوش رسمية أمريكا نجحت في استخدام الجميع". المقامرة العسكرية وبالنظر إلى التعامل الأمريكي مع الأزمة توقع مراقبون أن بوتين وقع في شرك صنعته له الولاياتالمتحدة أو ربما صنعه بنفسه، وقال الصحفي أحمد حسن الشرقاوي "مغادرة بايدن البيت الأبيض وتوجهه لقضاء عطلته الأسبوعية في منزله بولاية ديلاوير،له دلالات من بينها أن بايدن نجح في توريط بوتين في مستنقع أوكرانيا، كما أنه وضع أول مسمار في نعش الرئيس الروسي. ورجح أن "بوتين لن يكون أصعب من نتنياهو، وقد فعلها من قبل ، واضح أن بايدن يحاول تنظيف العالم من هؤلاء الطغاة". وخلص الدكتور خليل العناني أستاذ العلوم السياسية إلى أن "بوتين قام بأكبر مقامرة عسكرية وسياسية منذ الحرب العالمية الثانية وهي مقامرة إما أن تعيد روسيا إلى المسرح العالمي كقوة عظمى أو تقضي عليه وعليها". وشاركهما الإعلامي بقناة الجزيرة عبدالفتاح فايد الرؤية قائلا: "تتوسع الحرب وتأخذ طابعا دوليا، باتت حرب عالمية بأسلحة تقليدية، ولا يستبعد أن تستخدم الأسلحة غير التقليدية في وقت لاحق، كل أوروبا تقريبا تشارك فيها بشكل غير مباشر بالأسلحة والحصار وقد تتطور إلى ما هو أبعد، الأرجح أن تطول وقد تتحول أوكرانيا إلى ثقب أسود في قلب أوروبا، الدب دخل المصيدة".
تأثير اقتصادي مدمر وعن التأثير الاقتصادي للعقوبات على روسيا قال الخبير الاقتصادي د.محمود وهبة المقيم بنيويورك: "قلعة الاحتياطي الأجنبي الروسي تنهار، روسيا كان لديها احتياطيات تعدت 630 مليار دولار ، وديونها الخارجية أقل بحوالي 200 مليار دولار وعندما قرر بوتين غزو أوكرانيا كانت هذه القلعة من أهم أسلحته، ولكن أمريكا والغرب منعت استخدام روسيا للدولار فتجمدت الأموال داخل القلعة وأصبحت غير ذات أهمية في معاملاتها الخارجية، وحتى التهرب من هذا القرار لن ينجح لأن الدول التي تخالفه وتتعامل مع روسيا ستقع أيضا تحت الحصار، هذا مثال لاستخدام أدوات الاقتصاد لإسقاط النظام، ولكنه في حالة روسيا لن يكفي كما هو بمصر". حرب استنزاف ورغم أن الكاتبة د.أميرة أبوالفتوح من أنصار أن بوتين وقع في الشرك ، إلا أنها تحدثت عبر فيسبوك عن حرب استنزاف ، وهو ما يعني تعادل كفتي الترجيحات العسكرية وقالت: "دخول روسيا في حرب استنزاف طويلة سيسهم في إخراجها من ساحة التأثير الدولي، بما يسمح للولايات المتحدة والغرب بالتركيز على الصين، خصمهم الإستراتيجي الرئيسي؛ إذ أن استنزاف روسيا سياسيا وعسكريا ودعائيا سيعني بالضرورة تجاوز الغرب للمعضلة الروسية، وسيكون الطريق ممهدا لتعزيز الإستراتيجية الأميركية لمواجهة الصين وإحكام التحالفات حولها، خاصة في المحيطين الهادي والهندي وبحر جنوبالصين". وكانت "أبوالفتوح" كتبت قبلها بساعات أن المراقبين تسرعوا في إدانة الغرب على موقفه المتخاذل تجاه أوكرانيا، مضيفة أن أوكرانيا لا تهمها الآن بقدر ما يهمها الصيد الثمين، روسيا بوتين، وقع في الفخ الذي نصبه له الغرب، لقد اشتغلت أمريكا بذكاء وخبث شديد لأن تجره إلى هذه الحرب والتي تصور أنها مجرد نزهة لسويعات يعود بعدها بالغنيمة ويقطمها في مضغة واحدة، فإذا بها تتحول لحرب استنزاف، تستنزف معداته العسكرية وموارده الاقتصادية، والأسلحة تتدفق على أوكرانيا من كل حدب وصوب، وسيصل إليها مقاتلون من كل أنحاء العالم، ولا نستبعد أن يرسل الغرب جنودا تحت بند متطوعين، وهو بعد أن تورط وغرق في المستنقع لا يمكنه التراجع، لذلك يلوح بالنووي، لقد فقد البلطجي عقله، وربما يتحول إلى نيرون الجديد ويحرق موسكو، مرجحة أن بوتين انتهى". هل انتهى؟ كان السؤال الذي أجابه المفكر الجزائري المقيم بالغرب محمد العربي زيتوت فكتب "انتهى بوتين ولوبعد حين، حتى لو انتصر عسكريا وهو أمر ليس أكيدا، فقد انهزم معنويا وإعلاميا واقتصاديا وإستراتيجيا، وهو اليوم مدان من أكثر أهل الأرض الذين يشاهدون بذعر وغضب قتل المدنيين وتدمير بلد بمن فيه وتأتي الإدانة حتى من آولئك الذين تعرضوا ويتعرضون للهيمنة الغربية قديمها وحديثها".
حرب إعلامية ثالثة المحلل السياسي في الشؤون الخارجية محمد جمال عرفة، رأى أن ما يحدث يجر إلى حرب عالمية ثالثة بسبب تصرف الأمبراطور بوتين الذي يتقمص دور أمير حرب من العصور الوسطى، واعتبر أنه من أبرز الأدلة وأخطرها؛ خروج ألمانيا من مبدأ حيادها عسكريا وعدم بناء جيش قوي بعد جيش هتلر، لأول مرة تقرر ألمانيا بناء جيش قوي وتخصص مبلغ رهيب 113 مليار دولار لذلك، والأعجب أن من اتخذ القرار هي الحكومة الجديدة بقيادة حزب الخضر وأنصار البيئة والمناخ الفائزين في الانتخابات يعني مش حزب نازي". ومن الأدلة الأخرى اليابان التي قررت أيضا التحرك خطوة جبارة لاستعادة جيشها الإمبراطوري السابق ، وزادت الإنفاق العسكري بصورة غير عادية". أما الدليل الثالث فهو تحول في الدول المحايدة فأشار إلى فنلندا وبولندا والسويد وغيرها التي بدأت تساعد أوكرانيا علنا وتنقل لها طائرات أمريكية ليقودها الأوكران ومرتزقة أوروبيين ربما يكونون جنودا نظاميين يجري إخفاؤهم للتحرك من هناك لضرب روسيا. طابور عسكري روسي طوله 64 كيلو مترا ، مكون من ثلاثة صفوف في كل طابور يتقدم نحو العاصمة الأوكرانية الأن بحسب ما رصده القمر الصناعي لشركة "ماكسار" الأميركية.