في مشهد يعكس أحد الجوانب الإنسانية النادرة في حرب أنهكت اليمنيين لسنوات، عاد ملف تبادل الأسرى والمحتجزين في اليمن إلى الواجهة مجددًا، باعتباره خطوة قد تحمل دلالات تتجاوز بعدها الإنساني إلى أبعاد سياسية وأمنية أوسع. وبينما رحّبت عائلات الأسرى بهذه الخطوة التي أعادت الأمل لآلاف البيوت، يبقى السؤال الأهم مطروحًا بقوة، هل يمثّل تبادل الأسرى بداية حقيقية لتهدئة مستدامة، أم أنه مجرد هدنة مؤقتة سرعان ما تتلاشى؟. ملف إنساني في قلب الصراع كيف تواجه الحكومة اليمنية محاولات الالتفاف على أنظمة الواردات وسط ضغوط الحوثيين؟ ما دلالات تجديد العقوبات الأممية على الحوثيين؟... جرائم وانتهاكات ترقى إلى مستوى «جرائم حرب» منذ اندلاع الحرب في اليمن عام 2015، تحوّل ملف الأسرى والمحتجزين إلى واحد من أكثر الملفات تعقيدًا وحساسية. آلاف اليمنيين من مختلف الأطراف وجدوا أنفسهم خلف القضبان، في ظل اتهامات متبادلة بعمليات احتجاز تعسفي، وإخفاء قسري، وظروف اعتقال قاسية. وخلال السنوات الماضية، ظل هذا الملف حاضرًا بقوة في جميع جولات المفاوضات، سواء في مشاورات ستوكهولم أو في اللقاءات اللاحقة برعاية الأممالمتحدة واللجنة الدولية للصليب الأحمر. وعلى الرغم من تحقيق اختراقات جزئية، فإن التنفيذ غالبًا ما كان يتعثر بسبب الخلافات السياسية وانعدام الثقة بين الأطراف المتحاربة. اتفاق تبادل الأسرى... ماذا تحقق؟ الاتفاق الأخير لتبادل الأسرى في اليمن أعاد إطلاق واحدة من أكبر عمليات التبادل منذ سنوات، وشمل الإفراج عن مئات المحتجزين من الجانبين، وسط إشراف أممي ودور محوري للجنة الدولية للصليب الأحمر في الجوانب اللوجستية والإنسانية. هذه الخطوة قوبلت بترحيب واسع من المنظمات الحقوقية والإنسانية، التي اعتبرتها تخفيفًا لمعاناة إنسانية طويلة، ورسالة إيجابية تؤكد أن الحوار لا يزال ممكنًا حتى في ذروة الصراع. كما أنها أعادت الأمل لعائلات انتظرت سنوات طويلة لمعرفة مصير أبنائها. أبعاد سياسية تتجاوز البعد الإنساني رغم الطابع الإنساني الظاهر، لا يمكن فصل تبادل الأسرى في اليمن عن سياقه السياسي. فالأطراف المتصارعة غالبًا ما تستخدم هذا الملف كورقة ضغط في المفاوضات، أو كبادرة حسن نية عند الحاجة إلى تهدئة مؤقتة أو تحسين الصورة أمام المجتمع الدولي. يرى مراقبون أن توقيت الاتفاق يعكس رغبة بعض الأطراف في خفض التصعيد مؤقتًا، سواء لأسباب داخلية تتعلق بالوضع الاقتصادي والمعيشي، أو لضغوط إقليمية ودولية تسعى إلى منع انفجار جديد في جبهات القتال. هل يمهد الاتفاق لتهدئة شاملة؟ السؤال المركزي الذي يفرض نفسه: هل يمكن لاتفاق تبادل الأسرى أن يكون بوابة لتهدئة أوسع؟ أنصار هذا الطرح يرون أن نجاح أي اتفاق إنساني يساهم في بناء قدر من الثقة المفقودة، ويفتح المجال أمام مناقشة ملفات أكثر تعقيدًا، مثل وقف إطلاق النار، وفتح الطرق، ودفع الرواتب، ومعالجة الأزمة الاقتصادية. كما يشير هؤلاء إلى أن التزام الأطراف بتنفيذ بنود التبادل دون انتكاسات كبيرة قد يشكّل اختبارًا عمليًا لصدق النوايا، ويمهّد لعودة مسار السلام إلى الواجهة بعد فترة طويلة من الجمود. أم مجرد هدنة مؤقتة؟ في المقابل، يبدي آخرون تشككًا كبيرًا في إمكانية البناء على هذا الاتفاق. فالتجربة اليمنية خلال السنوات الماضية أثبتت أن الاتفاقات الجزئية غالبًا ما تُفصل عن المسار السياسي الشامل، وتستخدم كإجراءات تهدئة مؤقتة دون أن تُترجم إلى حلول دائمة. ويستند هذا الرأي إلى استمرار المعارك في عدة جبهات، وتبادل الاتهامات بخرق الهدن، إضافة إلى غياب رؤية واضحة لمعالجة جذور الصراع، وبحسب هؤلاء، فإن تبادل الأسرى، رغم أهميته، لا يعني بالضرورة وجود إرادة حقيقية لإنهاء الحرب. موقف الشارع اليمني على المستوى الشعبي، استُقبل اتفاق تبادل الأسرى بمشاعر متباينة. فبينما غمرت الفرحة بيوتًا كثيرة، ساد القلق بيوتًا أخرى لا يزال أبناؤها في عداد المفقودين أو المحتجزين. ويؤكد يمنيون أن أي خطوة إنسانية تظل ناقصة ما لم تشمل جميع الأسرى دون استثناء، بعيدًا عن الحسابات السياسية أو العسكرية. دور الأممالمتحدة والمجتمع الدولي لعبت الأممالمتحدة دورًا محوريًا في إنجاح الاتفاق، عبر جهود مبعوثيها المتعاقبين، الذين اعتبروا ملف الأسرى مدخلًا ضروريًا لإعادة بناء الثقة. كما شددت المنظمة الدولية على ضرورة استكمال عمليات التبادل، والكشف مصير المفقودين، واحترام القانون الدولي الإنساني. يبقى تبادل الأسرى في اليمن خطوة مهمة ومؤثرة، لكنها وحدها لا تكفي لإنهاء حرب معقدة ومتعددة الأطراف، فالفرق شاسع بين تهدئة مؤقتة تفرضها الظروف، وبين سلام حقيقي يتطلب قرارات شجاعة، وتنازلات مؤلمة، ورؤية شاملة لمستقبل اليمن. الانشقاقات في صفوف الحوثيين تكشف عن أزمة ثقة عميقة: صلاح الصلاحي نموذجًا حرب مالية جديدة.. هل ينجو النظام المصرفي اليمني من قبضة الحوثيين؟