هناك ملفات لا يجوز فيها الانفراد بالموضوع وإقصاء الآخرين، ولا يمكن قبول محاولات البعض احتكارها وادعاء امتلاك معارفها وعلومها، أو الاستئثار بالقدرة على تلبية متطلباتها وحماية حقوق أصحاب المصلحة فيها. ومن أبرز تلك الملفات التى لا يجوز احتكارها: ملف تشريعات الإعلام؛ وذلك لأسباب عديدة، فى مقدمتها: تعدد وتنوع أصحاب المصلحة المباشرة واتساع مجال انتماءاتهم الاجتماعية والفئوية، وتعدد أدوات تمثيلهم من تنفيذى حكومى إلى قانونى إلى أكاديمى إلى جماعات غير حكومية، ثم يأتى فى ذيل القائمة العاملون فى الحقل الإعلامى. وتشريعات الإعلام شراكة بين كل القوى المجتمعية الحكومية وغير الحكومية، كونها ذات صلة وثيقة بمؤسسات الدولة من ناحية والمستثمرين من ناحية ثانية والعاملين فى المهنة ومؤسساتهم النقابية من ناحية ثالثة، وجميعهم يعملون لتوفير متطلبات العنصر الأهم فى المعادلة، وهم المشاهدون. وكما لا يجوز أن تنفرد الحكومة بسن تشريعات الإعلام، لا يجوز أن ينفرد العاملون بالمهنة بسن التشريع أيضاً؛ ففى الحقيقة أن هناك مساحة شاسعة بين الطرفين تمثل الكتلة الكبرى ذات المصلحة الأبرز فى تشريع ديمقراطى ولا يمكن اعتبار هذين الجانبين بمثابة المدافعين عنها كون كل طرف منهم له مصالحه ومتطلباته التى يسعى إلى تحقيقها فى إطار صراع طبيعى ومنطقى بين كل عناصر المعادلة، خصوصاً حينما يصل مجتمع ما إلى حالة تنافر واضحة بين حريات يرى البعض أنها مشروعة وهى فى حقيقتها اعتداء على حق المجتمع. إن اتساع نطاق التمثيل الاجتماعى للمشاركة فى صياغة التشريعات الإعلامية هو الضامن الحقيقى لعدم تغوُّل طرف على حساب الآخر، خصوصاً فى ظل محاولات البعض ادعاء المعرفة واحتكار الحقيقة، وهى فى الحقيقة مقدمات للغلو والتطرف والاستئثار لتحقيق مصالح فئة فى المعادلة على حساب غيرها. الحقيقة الوحيدة فى ملف الإعلام هى أن المطالبة بحماية حريات الرأى والتعبير ليس هدفها الأول توفير المناخ للإعلاميين للعمل، إنما هدفها الأسمى هو حماية حق المجتمع فى المعرفة وتلقى المعلومات؛ لذلك تعتبر الأمم المتقدمة أن حماية حقوق المشاهدين أو المتلقين من جميع النواحى هى الخطوة الأهم والهدف المراد بلوغه فى جوهر التشريع الإعلامى. لذا يكون من المستغرب مشاهدة بدء خطوات التشريع الإعلامى بانفراد العاملين فى المهنة وأصحاب المؤسسات الإعلامية الرسمية والخاصة بسن التشريع، مع الإعلان عن اتجاههم لدعوة بقية الأطراف للمشاركة، وهى بداية معوجة أو قل «هرم مقلوب» يبدأ عكس ما كان له أن يبدأ؛ لذلك فإن تصدى البرلمان لتشريعات مثل هذه يمثل الرؤية الأفضل؛ كون البرلمان تعبيراً عن انتماءات متعددة ومتنوعة تعكس الحالة المجتمعية شاء البعض أو أبى. المسألة المطروحة الآن أن الحكومة لا تستطيع أن تحل ذاتها بديلاً عن الشعب، وفى المقابل لا يجوز لأى طرف غير حكومى أن يعتبر نفسه بديلاً عن الحكومة والشعب معاً، وفى غياب الممثل الشرعى للمجتمع، وهو البرلمان، فإن جميع الأطراف المعنية تظل تحت مراقبة المجتمع لها فى اختبار سيثبت إذا ما كان البعض قد استوعب فشل محاولة الإخوان فى وراثة منهج الانفراد بالقرار والحكم أم أن هذا البعض يعيد إنتاج حالة الانفراد بالسلطة.