سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
"ناريمان" تعيش على الرصيف بعد أن طردتها ابنتها من المنزل: "لو هموت مش راجعة تاني" تنتظر آذان المغرب حتى تكسر صيامها برغيف من الخبز والدعاء على ابنتها العاقة: "مش مسمحاكي"
على رصيف شارع زهراء المعادي، الذي لم تجد مكانًا غيره يؤويها بعد أن تخلَّت عنها ابنتها الوحيدة، تجلس المرأة الخمسينية على قطعة أسفنجية متهالكة، اتخذتها كمسكن يؤويها بعد قرارها النهائي بعدم الرجوع مرة أخرى إلى بيتها، ما بين العطش والجوع تعيش "ناريمان" منتظرة أذان المغرب حتى تكسر صيامها قائلة "مش مسامحاكي"، رغيف خبز بقطرات من الماء هي "الطقة اليومية" التي ارتضت بها أن تدخل جوفها الظمآن طوال اليوم، في مقابل ألا تعيش بين جحود ابنتها التي اعتادت أن تطردها من المنزل بعد وفاة "الأب". شهر ونصف الشهر قضته ناريمان عبدالله على نفس الرصيف، لا تستطيع التجول وسط الشوارع، ولم يعد في إمكانيتها أن تعيش مع ابنتها "سلمى" التي ظلَّت تربيها طيلة 23 عامًا: "معرفش أروح أي مكان لوحدي عشان هتوه، ولا ينفع أرجع البلد بعد ما أبويا وأمي ماتوا عشان مليش حد، واستحالة أعيش مع بنتي تاني بعد إهانتها ليا"، مضيفة "متستهلش أقول عليها بنتي وخسارة فيها تربيتي، طول عمرها مش بحس إنها بتحبني ودايمًا شيفاني عار عليها بسبب جهلي وإني مش متعلمة". "الأدب فضلوه عن العلم، ومش عيب إن أمك جاهلة بس الأهم الاحترام"، الجملة التي كانت دائمًا تقولها "ناريمان" لابنتها في كل مرة تطردها من المنزل، "قبل ما أبوها يموت مكنتش بتقدر تكلمني وكان دايمًا يقولي إنه خايف عليا منها بعد ما يموت، كأنه كان قلبه حاسس إنها بتعاملي ولا كأني مرات أبوها مش أمها"، تكرار طرد الابنة ل"ناريمان" كاد أن يمزق قلبها من شدة قسوة الموقف: "أبوها كتبلها الشقة اللي حيلتنا باسمها ومن يوميها وهي كل شوية بخناقة وتطردني مع أول خناقة، وآخر مرة قررت إني مرجعش أبدًا ولو هموت في الشارع مش راجعة". بدموع محبوسة وصوت حزين، تتألم "ناريمان" من داخلها على حالها الذي وصل إلى إحسان ومساعدات أهالي المنطقة لها: "عمري ما مديت إيدي لحد وطول عمري عايشة بكرامتي، وعشان كده على قد ما بموت وأنا باخد من الناس رغيف العيش عشان أفطر بيه، على قد ما أكرملي إني أرجع لبنتي اللي اتبرت مني عشان جاهلة ومش بعرف أقرا ولا أكتب"، مضيفة "العلام مش كل حاجة، بدليل إني بنتي اتخرجت من أحسن جامعة وباقت دكتورة وفي الآخر رمتني في الشارع"، تنهي السيدة الخمسينية حديثها برسالة إلى صغيرتها التي تبرأت منها في الكبر: "قلبي غضبان عليكي ليوم الدين، ومن اللحظة دي بطني مجبتكيش".