مناقشة الكونجرس الأمريكى لمشروع قانون الدفاع للعام المالى 2026 بموازنة غير مسبوقة تبلغ نحو 901 مليار دولار، يطرح تساؤلات عديدة حول ما إذا كانت واشنطن تتحرك فى إطار استراتيجية ردع وقائى أم أنها تبعث برسائل صدام واستعداد لحروب محتملة فى أكثر من مسرح عالمى. فهذا الارتفاع القياسى لا يمكن فصله عن إدراك واشنطن المتزايد بأن العالم يتجه نحو تنافس بين قوى كبرى يتسم بالخشونة العسكرية وتعدد الجبهات، من أوروبا الشرقية لشرق آسيا والشرق الأوسط، وصولاً للفضاء السيبرانى والفضاء الخارجى.. ومن منظور استراتيجى، تعكس الميزانية الجديدة قناعة راسخة داخل المؤسستين التشريعية والعسكرية بأن الردع التقليدى لم يعد كافيًا فى مواجهة خصوم يمتلكون قدرات متقدمة ومتنوعة. فروسيا، رغم استنزافها فى حرب أوكرانيا، ما زالت قوة نووية كبرى، بينما تمثل الصين التحدى الأخطر على المدى الطويل، ليس فقط عسكريًا، بل تكنولوجيًا واقتصاديًا، مع تسارع برامجها فى مجالات الصواريخ فرط الصوتية، والبحرية، والفضاء. أما إيران وكوريا الشمالية، فتواصلان توسيع قدراتهما الصاروخية، ما يفرض على واشنطن ضخ استثمارات ضخمة فى منظومات الدفاع الجوى والصاروخى والإنذار المبكر.. وفى هذا السياق، تبدو الزيادة فى ميزانية الدفاع محاولة لإعادة بناء التفوق العسكرى الأمريكى والحفاظ عليه، لكن فى المقابل، يرى منتقدو هذا التوسع المالى أن الرقم الجديد يتجاوز منطق الردع الدفاعى، ويحمل فى طياته رسالة قوة قد تُفسَّر على أنها استعداد للمواجهة. فزيادة الإنفاق بهذا الحجم، فى ظل توترات قائمة بالفعل، تشعل سباق تسلح عالمى، وتدفع الخصوم للرد بالمثل، سواء بتعزيز قدراتهم العسكرية أو توسيع تحالفاتهم المناهضة للنفوذ الأمريكى. كما يثير المشروع تساؤلات داخلية حول أولويات الإنفاق، خاصة فى ظل التحديات الاقتصادية والاجتماعية التى تواجه أمريكا.. وفى النهاية، يمكن اعتبار الارتفاع القياسى فى ميزانية الدفاع الأمريكية سلاحًا ذا حدين. فمن جهة، هو محاولة واضحة لتعزيز الردع ومنع اندلاع حروب كبرى عبر إظهار التفوق والجاهزية، ومن جهة أخرى، قد يُنظر إليه كإشارة تصعيدية تزيد من حدة الاستقطاب الدولى وتغذى مناخ عدم الثقة بين القوى الكبرى.