في قرار أثار جدلًا واسعًا، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مشروع دفاعي طموح تحت مسمى "القبة الذهبية"، يهدف إلى إنشاء درع صاروخي متعدد الطبقات لحماية الأراضي الأمريكية من التهديدات النووية والبالستية وفرط الصوتية. وبينما يُروَّج للمشروع أنه قفزة نوعية في مجال الدفاع الجوي، يرى كثيرون أنه قد يفتح الباب أمام سباق تسلح جديد، ويقوّض توازن الردع العالمي، كما أنه يثير أسئلة استراتيجية وأمنية حول مستقبل الردع العالمي، في ظل غياب التنسيق الدولي، وارتفاع التكلفة، وتنامي المخاوف من عسكرة الفضاء وتآكل منظومة الأمن الجماعي. وترى إيرينا تسوكرمان، محامي الأمن القومي الأمريكي وعضو مجلس إدارة مركز واشنطن الخارجي لحرب المعلومات، أنه من حيث المبدأ العام، فإن فكرة "القبة الذهبية" ليست مثيرة للقلق بطبيعتها؛ إذ يحق لكل دولة ذات سيادة أن تطور قدراتها الدفاعية، كما أن حلم امتلاك مظلة حماية لا تُخترق ظل هدفًا أسمى للاستراتيجيات الأمنية منذ الحرب الباردة. وتضيف تسوكرمان خلال حديثها ل"مصراوي"، أن الطريقة الضخمة التي يُسوق بها للمشروع، وافتقاره للتنسيق الدولي، تثير مخاوف مشروعة بشأن ما إذا كان يخدم الأمن العالمي فعلًا، أم أنه مجرد وقود لسباق تسلح جديد. هل المشروع موجه ضد دول معينة؟ رغم أن مشروع "القبة الذهبية" لا يعلن صراحة استهدافه لدول بعينها مثل الصين أو إيران، فإن نطاق تغطيته واعتراضه لصواريخ بعيدة المدى وعالية السرعة يضعه ضمن سياق استراتيجي لا يمكن فصله عن الحسابات الدفاعية المتعلقة ببكين وطهران، وفق تسوكرمان. وتقول محامي الأمن القومي الأمريكي، إنه بينما يُروَّج للمشروع على أنه نظام "دفاعي بحت"، لكن من غير الواقعي افتراض أن القوى المنافسة ستنظر إليه بهذه البساطة، خصوصًا في ظل تاريخه الاستفزازي وسعيه لفرض هيمنة تكنولوجية في مجال الردع الصاروخي. وتذكر تسوكرمان، أن ما يعزز الفكرة هو أنه في منطق الردع العسكري، بناء قبة دفاعية متقدمة يدفع الخصوم تلقائيًا إلى تطوير أنظمة هجومية أكثر تطورًا وأقل قابلية للاعتراض، ما يعيد إشعال سباق تسلح جديد بدلًا من تحقيق أي نوع من التهدئة. وفيما يتعلق بردود فعل بعض الدول الكبرى التي انتقدت المشروع، مثل الصين التي رأت أنه "ينتهك مبدأ الاستخدام السلمي للفضاء الخارجي ويزيد من خطر تحويل الفضاء إلى ساحة معركة، ويهدد بإطلاق سباق تسلح جديد، كما يهزّ أسس الأمن الدولي ونظام الحد من التسلح"، حسبما نقلته مجلة "نيوزويك" الإخبارية عن الخارجية الصينية. وروسيا التي علقت على المشروع قائلة إنه "ُيضِعف توازن الردع النووي ويُقوض مبدأ الأمن المتبادل"، معتبرة أن المشروع "يصب في خانة عسكرة الفضاء وتوسيع الهيمنة الأمريكية على أنظمة الدفاع الاستراتيجي"، وفق الخارجية الروسية. ترى تسوكرمان، أنه من الطبيعي أن تثير مبادرات كبرى مثل مشروع "القبة الذهبية" ردود فعل دولية، سواء من الحلفاء أو الخصوم؛ خاصة في ظل غياب التشاور مع الشركاء الدوليين أو طرح المشروع على نقاشات مؤسسية داخلية. هل ينجح المشروع؟ وُجِهت التساؤلات حول مدى إمكانية نجاح المشروع الذي أعلنه الرئيس الأمريكي، خاصة أنه سيتطلب استثمارًا أوليًا يُقدّر ب 25 مليار دولار، لتصل تكلفته في نهاية المطاف مبلغًا أكبر، يصل إلى 542 مليار دولار على مدى 20 عامًا، على الأجزاء الفضائية من النظام وحده، وفق تقدير مكتب الميزانية في الكونجرس. تجيب إيرينا تسوكرمان، محامي الأمن القومي الأمريكي، على هذه التساؤلات قائله: حتى وإن كان تحقيق المشروع ممكنًا من الناحية التقنية على المدى الطويل، فإن الأسس المالية واللوجستية التي يقوم عليها تبدو بعيدة تمامًا عن الواقع العملي. وتشير تسوكرمان، إلى أن عدد من المطلعين داخل وزارة الدفاع الأمريكية، أعربوا "بشكل غير رسمي" عن شكوكهم بشأن الجداول الزمنية المتفائلة والتقديرات المالية التي تُعد متدنية بشكل غير واقعي. إذ إن بناء درع صاروخي فعّال يغطي كامل الأراضي الأمريكية ليس مهمة تُنجز خلال سنوات، بل مشروع يستغرق عقودًا، ويتطلب موارد هائلة وتخطيطًا طويل الأمد. وتوضح أن تعقيدات المشروع تتزايد مع كل طبقة دفاعية إضافية، ما يرفع من مخاطر الفشل التقني والتداخل مع أنظمة موجودة مسبقًا، إلى جانب تفاقم البيروقراطية داخل البنتاجون. وفي غياب رقابة دقيقة، وخطة طرح تدريجية، وتنسيق فعّال بين الجهات المعنية، قد تتحول "لقبة الذهبية" من مشروع دفاعي طموح إلى رمز صارخ لفشل التخطيط الاستراتيجي والإنفاق العسكري غير المنضبط، وفق تعبيرها. بجانب هذه التحديات المالية الإدارية، فلا يمكن تجاهل مسألة الرقابة، وهي الثغرة الأكبر في مشروع "القبة الذهبية"، حيث ترى تسوكرمان أن هذا المشروع يتقدم على ما يبدو دون إطار مؤسسي واضح يضمن المراجعة المستقلة أو التشاور مع الحلفاء. هذا الغياب للرقابة يثير تساؤلات جدية حول الشفافية والمساءلة في مشروع ضخم كهذا. وتختتم عضو مجلس إدارة مركز واشنطن الخارجي لحرب المعلومات، إيرينا تسوكرمان، حديثها قائلة إنه ما لم تعد الولاياتالمتحدة إلى تبنّي نهج يقوم على وضوح استراتيجي، وانضباط مالي، وتعاون دولي فعّال، فإن "القبة الذهبية" ستتحول من مشروع دفاعي طموح إلى وهم مكلف "لا يحمي البلاد بقدر ما يضعف قدرتها على التصدي لتحديات الواقع".