■ منى سراج لم يكن «أحمد»، الشاب الهادئ ذو العشرين عامًا، يعرف أنه يمتلك قدرة استثنائية على اكتشاف الأخطاء في الأسطر الطويلة من الأكواد البرمجية، طوال سنوات الدراسة، كان لا يتذكر ما يقرأ بسرعة، لكنه كان يتوقف أمام التفاصيل الدقيقة كأنه يمتلك «عدسة تكبير داخل عقله». في المدرسة اعتبره البعض «منعزلاً»، وآخرون قالوا إنه «يحتاج مساعدة»، لكن اليوم، يجد أحمد نفسه فى معمل تدريبى داخل مقر حديث بقطاع الاتصالات، محاطًا بشاشات تعرض بيانات معقدة، ومدربين يشرحون مصطلحات مثل «الذكاء الاصطناعي» و«اختبار البرمجيات». يقول أحمد، متدرب فى برنامج: «ITIDA–DXC Dandelion» كنت أعتقد أن ما عندى مشكلة، لكن الآن فهمت أنها ميزة. في نهاية نوفمبر الماضى وقّعت وزارتا «الاتصالات والتضامن الاجتماعي» بروتوكولًا جديدًا يبدو بسيطًا فى وقته، لكنه يحمل حلمًا كبيرًا لفئة يقل الحديث عنها غالبًا، وهى فئة ذوى الاضطرابات العصبية المتنوعة. وفى خطوة غير تقليدية نحو دمج الشباب ذوى الاضطرابات العصبية المتنوعة فى سوق العمل الرقمى، أطلقت هيئة تنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات (إيتيدا) وشركة DXC تكنولوجى، برنامج ITIDA–DXC Dandelion، وهو برنامج لا يهدف إلى مجرد تدريب أو توظيف، بل إلى إعادة تعريف مفهوم الإدماج الاجتماعى والاقتصادى، وتحويل القدرات الفردية غير التقليدية إلى مهارات عملية مطلوبة فى سوق التكنولوجيا المتسارع. يستهدف برنامج «ITIDA–DXC Dandelion» 60 شابًا وشابة من ذوى طيف التوحد وفرط الحركة وعسر القراءة، وتتراوح أعمارهم بين 18 و30 عامًا، حيث يمتد التدريب لمدة عامين، ويجمع بين مهارات تقنية متقدمة وبرامج تطوير شخصية ومتابعة مهنية من مدربين مختصين داخل بيئات العمل، ودعم نفسى واجتماعى لضمان دمج فعال. البرنامج هو امتداد لخبرة دولية ناجحة أطلقت أول مرة في أستراليا 2014، وحققت نجاحات فى المملكة المتحدة وإيطاليا وبولندا والفلبين، مع تأهيل أكثر من 350 شخصًا حول العالم وفوزه ب25 جائزة دولية (DXC, 2024). من خلال هذا البرنامج، ستصبح مصر أول دولة في الشرق الأوسط وأفريقيا تطلق نموذج Dandelion، لسد فجوة المهارات الرقمية، ما يمنحها ميزة تنافسية إقليمية ويعزز مكانتها كمركز إقليمى لتكنولوجيا ذوى الهمم. وتقول المهندسة نيفين جلال رئيس مجلس إدارة DXC مصر: «هدفنا هو تمكين هؤلاء الشباب من توظيف قدراتهم بشكل فعلى وتحويل قدراتهم الفردية إلى قيمة ملموسة للشركات وللمجتمع، ونحن نؤمن أن الأفراد ذوى التنوع العصبي يمتلكون إمكانيات فريدة، وهذا يعزز جودة العمل داخل الشركات ويحقق قيمة اجتماعية واقتصادية»، يعكس البرنامج فرصة مزدوجة للشباب لتطوير مهاراتهم والمشاركة الفعالة فى الاقتصاد الرقمى وللسوق لسد فجوات الكفاءات فى التكنولوجيا المتقدمة، خاصة فى الذكاء الاصطناعى وتحليل البيانات. لكن الطريق ليس سهلاً؛ إذ يحتاج دمج هذه الفئة إلى بيئة عمل مرنة تناسب اختلاف أساليب التواصل، ودعم مستمر نفسى وتقنى، وضمان توسع البرنامج مستقبلاً ليشمل محافظات وفئات أكبر. وأكد د. عمرو طلعت وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات أن نجاح القطاع الرقمى يعتمد على دمج كل الطاقات البشرية المتاحة، بينما تمكين هذه الفئة يتيح لنا بناء مجتمع رقمى شامل وأكثر تنافسية ويعزز الابتكار والإنتاجية. هؤلاء الشباب لديهم القدرة على الإسهام فى الاقتصاد الرقمى بشكل غير تقليدى، وهم استثمار فى مستقبل مصر. برنامج ITIDA–DXC Dandelion يجمع بين القصة الإنسانية والتحليل الاقتصادى والإحصاءات الدولية، ليكون بذلك نموذجًا متقدمًا للتمكين الرقمى. ونجاحه لن يعزز فقط مهارات الشباب، بل سيخلق نموذجًا يحتذى به فى المنطقة، ويثبت أن الاستثمار في ذوي التنوع العصبى يمثل مستقبلًا اقتصاديًا ومجتمعيًا مستدامًا. ووفقًا للدكتورة مايا مرسى وزيرة التضامن الاجتماعى فإن تمكين هذه الفئة في سوق العمل ليس رفاهية، بل ضرورة اقتصادية واجتماعية. فالعمل يمنحهم استقلالًا ماليًا ويجعلهم فاعلين فى المجتمع، والآن الاقتصاد الرقمى يفتح مسارات جديدة للشباب ليصبحوا قوة إنتاجية. الدمج المهنى لذوي التنوع العصبي ليس خيارًا، بل ضرورة اقتصادية واجتماعية.