بملابس متسخة وممزقة لا تتغير، يجلس «خالد» على رصيف شارع المدبح بالجيزة، يبتسم فى وجه من يراه، لا يمد يديه لأحد ولا يطلب المساعدة، لا يؤرقه أنه لا يملك قوت يومه، فالرازق هو الله، قدر ما تؤرقه نظرات الخوف التى تلاحقه من آن لآخر، فكلما مر أمامه أهالى المنطقة ابتعدوا خوفاً منه «شكله مجنون، من ساعة ما ظهر فى المنطقة محدش بيحاول يقرّب له». يرتدى خالد «بلوفر»، صيفاً وشتاءً، لا يملك غيره، بعد أن تخلى عنه شقيقه «أنا يتيم الأم، وأبويا كان عادل وعلمنى أنا وأخويا أحسن تعليم، لحد ما دخلت هندسة وأخويا الأكبر بقى دكتور، أبويا مات وأخويا طلّع شهادة إنى مجنون وطردنى من البيت عشان ياخد الشقة». 20 عاماً، قضاها الرجل الأربعينى بين الأرصفة والشوارع، ينتظر أن يمد له أحد أقاربه يد العون، لكنه فى النهاية لم يجد سوى الشارع، وطفل صغير لا يتجاوز الخامسة من عمره، يأتيه يومياً برغيف خبز، يعطيه إياه فى صمت ثم يغادر إلى منزله، «أنا مش مجنون زى ما الناس فاكرانى، بدليل إنى عمرى ما عملت حاجة فى أحمد اللى اعتبرته زى ابنى، هو أحنّ واحد علىّ بعد ربنا، على قد ما هو صغير، بس دايماً بسمعه يتخانق مع أبوه عشان يطلع يدينى الرغيف». علاقة أحمد بخالد ليست سهلة على الأم، كانت ترى إصرار ابنها على مساعدة ساكن الرصيف، ويقتلها الخوف عليه «بقيت أراقبه من بعيد لحد ما اتأكدت إنه مش بيؤذى الولد، فسمحت له يروح يوماتى يسلم عليه ويديله الرغيف، وكنت فرحانة إن ابنى جواه إنسان وبيحس بالغلبان». يرفض خالد مساعدات أهالى منطقته، ولا يقبل سوى رغيف الطفل أحمد «مش هاخد حاجة من حد خايف منى، وفاكرنى شحات ومجنون، لو كملت تعليمى كنت هبقى مهندس قد الدنيا بس النصيب والدم اللى بقى ميّه».