سميحة شتا عقدت مجموعة مدريد المعنية بحل الدولتين الأسبوع الماضى اجتماعها الثانى وسط سياق إقليمى ودولى بالغ التعقيد، يتميز بتصاعد التوترات فى الأراضى الفلسطينية، واستمرار الجمود السياسى بين الجانبين الفلسطينى والإسرائيلي، وتراجع الاهتمام الدولى الفعلى بحل الدولتين رغم تكرار الدعوات الدبلوماسية. وقد جاء هذا الاجتماع محاولة لإعادة إحياء المسار السياسى ضمن إطار دولى متعدد الأطراف، تمهيدًا لاجتماع أوسع فى نيويورك تأمل المجموعة أن يشكل نقطة تحول باتجاه استئناف عملية سياسية جدية. اقرأ أيضًا | لبنان.. تراجع الهيمنة الحزبية التقليدية فى انتخابات البلدية وقد حرصت مجموعة مدريد على تثبيت موقفها الموحد لصالح حل الدولتين باعتباره الإطار الأكثر واقعية وقانونية لإنهاء النزاع، وفقًا لقرارات الشرعية الدولية. اجتمعت عشرون دولة فى العاصمة الإسبانية لمناقشة سبل دبلوماسية لإنهاء الحرب المدمرة التى تشنها الدولة اليهودية على القطاع الفلسطينى منذ أكثر من عام ونصف العام، وإلى جانب إسبانيا، شاركت عدة دول من الاتحاد الأوروبى (فرنسا، ألمانيا، أيرلندا، إيطاليا، وسلوفينيا)، ودول أوروبية أخرى (النرويج، أيسلندا، والمملكة المتحدة)، بالإضافة إلى الدول العربية (السعودية، مصر، الأردن، المغرب، وتركيا)، بالإضافة إلى مبعوثين من جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي. وتقول صحيفة Eunews الإيطالية أن الأسابيع الأخيرة قد شهدت تصاعدًا دمويًا للحملة العسكرية الإسرائيلية على غزة، فى حين دأبت قوات الدفاع الإسرائيلية على منع وصول المساعدات الإنسانية إلى المدنيين بشكل منهجى منذ ما يقرب من ثلاثة أشهر، وعندما تتمكن قوافل المساعدات من دخول القطاع، فإنها تُعرّض نفسها لخطر الهجوم. وأضافت الصحيفة أن وزير الخارجية الإسبانى خوسيه مانويل ألباريس، قال إن ما تشنه إسرائيل فى غزة هو «حرب ظالمة وقاسية وغير إنسانية»، وقال أن زيارة إسرائيل «جرحٌ مفتوحٌ للإنسانية»، وإن صمت العالم «متواطئٌ فى هذه المجزرة»، وأضاف أن الشاحنات المحملة بالمساعدات للسكان المدنيين يجب أن تدخل «بأعدادٍ هائلةٍ ودون قيدٍ أو شرطٍ أو حدود»، مؤكدًا أنه «لا ينبغى لإسرائيل أن تتحكم» فى إدارة العملية برمتها. وكان المبعوث الخاص لبروكسل إلى الخليج، لويجى دى مايو، المسئول المؤقت عن عملية السلام فى الشرق الأوسط، موجودًا أيضًا فى مدريد، نائبًا للممثلة العليا للاتحاد الأوروبى كايا كالاس، ووفقًا لتقرير المتحدث باسم المفوضية، أكد الوزير الإيطالى السابق على «ضرورة وقف فورى لإطلاق النار فى غزة، وإطلاق سراح جميع الرهائن، واستئناف وصول المساعدات إلى غزة بشكل كامل وفوري». وقال ألباريس إن إسبانيا ستحث شركاءها على فرض حظر على بيع الأسلحة إلى تل أبيب نصف القنابل التى تُلقى على القطاع أوروبية، وفقًا لرئيس الدبلوماسية السابق جوزيف بوريل والدفع نحو «التفكير فى فرض عقوبات» لأنه من الضرورى «التفكير فى كل شيء لوقف هذه الحرب»، ومع ذلك، فى بيرلايمونت، يقولون إن قضية العقوبات شائكة لأنها تتطلب إجماع الدول الأعضاء السبع والعشرين . ليس جديدًا أن تتخذ مدريد مواقف متشددة تجاه تل أبيب، وخاصةً منذ عودة بنيامين نتنياهو إلى السلطة، وقد وصف رئيس الوزراء الإسبانى بيدرو سانشيز إسرائيل ب» دولة إبادة جماعية» فى خطاب ألقاه أمام البرلمان الوطنى الأسبوع الماضي، مما أثار موجةً من الجدل والانتقادات. قال ألباريس أيضًا إنه لا ينبغى استبعاد فرض عقوبات فردية على من «ينوون تدمير حل الدولتين إلى الأبد»، وهذا الأخير هو أحد المواضيع المحورية فى عمل ما يُسمى بمجموعة مدريد (المعروفة أيضًا باسم مجموعة الدول الخمس زائد واحد). ومع ذلك، فهو فى الوقت الحالى مجرد حلم بعيد المنال، نظرًا للمعارضة الواضحة من رئيس الوزراء الإسرائيلى وشركائه فى الحكومة اليمينية المتطرفة المتشددة لإقامة كيان دولة فلسطينية. كان اجتماع الأسبوع الماضى بمثابة تحضير لمؤتمر الأممالمتحدة رفيع المستوى المخصص لحل الدولتين، والمقرر عقده فى 17 يونيو فى نيويورك، وتنظمه فرنسا والمملكة العربية السعودية، ويأمل ألباريس أن تُمهد قمة الشهر المقبل الطريق لأكبر عدد ممكن من الدول للاعتراف بفلسطين كدولة مستقلة. يأمل رئيس الوزراء الفلسطينى محمد مصطفى أن يلعب الرئيس الأمريكى دونالد ترامب دورًا محوريًا فى حلّ هذه اللعبة المعقدة، وقال إنّ جهود واشنطن لوقف إطلاق النار فى القطاع «محل تقدير»، آملًا أن « يساهم التزامٌ أمريكيٌّ ملموسٌ وإيجابيٌّ فى إحلال السلام والاستقرار فى المنطقة». فى الأممالمتحدة، اعترفت 147 دولة من أصل 193 رسميًا بدولة فلسطين، من بينها عشر دول أعضاء فى الاتحاد الأوروبي، ولكن فى القارة العجوز، لا تزال فرنساوألمانياوإيطاليا وهولندا والمملكة المتحدة، بالإضافة إلى كندا والولايات المتحدةالأمريكية من وراء المحيط الأطلسى غائبة. نظريًا، ينبغى للدولة الفلسطينية المستقبلية أن تمارس سيادتها على ما يُعرف الآن بالأراضى المحتلة: غزة والضفة الغربية. لكن على أرض الواقع، يبدو هذا الوضع مستحيلًا. إن القطاع هو مسرح للعملية العسكرية الأكثر دموية فى التاريخ الحديث (ما لا يقل عن 54 ألف قتيل، وفقاً لأرقام وزارة الصحة التى تقودها حماس)، وقالت إسرائيل إنها تخطط لاحتلالها عسكرياً بمجرد انتهاء الحرب، متراجعة عن الانسحاب التاريخى من الجيب فى عام 2005. أما بالنسبة للضفة الغربية فإن المستوطنات غير القانونية للمستوطنين الإسرائيليين تستمر فى التوسع، كما هو الحال مع العنف المستمر ضد المجتمع المحلي، والذى تصاعد مؤخراً إلى الاعتداء على وفد دبلوماسى يزور مخيم جنين للاجئين، والذى أدانته كلاس ووصفته بأنه «غير مقبول»، وأخيرًا، كرّر ألباريس طلبَ اللجنة التنفيذية فى مدريد بتعليق اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبى وإسرائيل، مع أن هذا يُمثّل على الأرجح معركةً ضدّ طواحين الهواء، ويتطلب إيقافها، مجددًا، إجماعَ الدول الأعضاء. ومع ذلك، أعلن مجلس الاتحاد الأوروبى مؤخرًا انفتاحه على مراجعة الاتفاقية، مُسلّطًا الضوء على العزلة السياسية المتزايدة لنتنياهو. لقد أثبت الاجتماع الثانى لمجموعة مدريد أن الإرادة السياسية لإحياء حل الدولتين لا تزال قائمة، رغم الظروف المعقدة، لكن الرهان الآن معقود على اجتماع نيويورك، الذى سيكون محكًا لمصداقية المجتمع الدولي، وقدرته على الانتقال من مجرد التعبير عن النوايا إلى تبنى خطوات عملية تقود إلى حل دائم وشامل يحقق تطلعات الشعبين الفلسطينى والإسرائيلي، ويعيد الاستقرار إلى المنطقة.