كشفت مجلة «ذا أتلانتيك» الأمريكية، عن تلاعب صادم من جانب إدارة ترامب بملف الهجرة، حيث إنه في الوقت الذي تلتزم فيه الحكومة الأمريكية بالدقة داخل أروقة المحاكم، يتحدث مسؤولوها في العلن بلغة دعائية تفندها الحقائق وتحرج مُحاميها أمام القضاء الفيدرالي. في جلسة استماع أمام الكونجرس الأمريكي، وجّه وزير الخارجية الأمريكي، ماركو روبيو اتهامًا علنيًا مُثيرًا للجدل ضد السيناتور الديمقراطي كريس فان هولين، زاعمًا – دون دليل – أن الأخير احتسى مشروبًا مع أحد المهاجرين المُبعدين، أبريجو جارسيا، المحبوس في سجن بالسلفادور رغم أمر المحكمة بالإفراج عنه، ووصف روبيو جارسيا بتاجر البشر وعضو عصابة، رغم غياب أي إثبات قضائي. اقرأ أيضًا| صدام بين القضاء والسياسة التجارية.. كيف أربك حكم المحكمة خطة ترامب الجمركية؟ واعترض السيناتور فان هولين بغضب على تصريحات روبيو، مُؤكدًا أن ما قاله غير موثق ويجب عدم تداوله دون شهادة رسمية، وطالب بتحويل تلك التصريحات إلى القضاء الفيدرالي، خاصةً أن روبيو لم يُدلِ بها تحت القسم، ما يُضعف مصداقيتها قانونيًا ويطرح تساؤلات حول صحة هذه الاتهامات. ويكمن جوهر الأزمة في التباين الصارخ بين ما تعلنه إدارة ترامب داخل قاعات المحاكم – حيث تُلزَم بالدقة القانونية – وما تقوله في العلن أمام وسائل الإعلام والرأي العام، ففي الوقت الذي يتم فيه الترويج لقصص جرائم المهاجرين لتبرير عمليات الترحيل، تُغفل الإدارة العنصر الأساسي: «مدى التزامها بالقانون فعليًا». أمام القضاء، يُظهر محامو وزارة العدل صورة أكثر تحفظًا، مُؤكدين التزام الإدارة بأوامر المحاكم. ويقرّون أحيانًا بوقوع أخطاء من إدارة الهجرة، مع تقليل أهميتها، ويقدّمون معلومات دقيقة حول عمليات الترحيل. وهذه التفاصيل لا تُنشر غالبًا للعامة، ما يبرز الفجوة بين الرواية القانونية والرواية السياسية. تناقضات إدارة ترامب أما خارج المحاكم، فيتم تصوير المُرحّلين من قِبل ترامب وفريقه على أنهم مجرمون، حتى دون إدانات رسمية، وإذا جاءت أحكام القضاة مخالفة لنهج الإدارة، يتم تشويههم إعلاميًا، ووصمهم بأنهم "مختلون"، وكأن أحكامهم لا تستحق الاحترام أو التنفيذ. وفقًا لمجلة «ذا أتلانتيك» الأمريكية، تجاوز الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب وفريقه قواعد التعامل مع القضايا الجارية، وأصبح الهجوم الإعلامي جزءًا من استراتيجيتهم، وهذا النهج ليس جديدًا عليه، فقد استخدمه في قضايا شخصية وسياسية سابقة، حيث أوضح أحد المسؤولين أن الإدارة تُقدّم المعركة السياسية على القانونية، وتُفضل مخاطبة الشعب مباشرة لتشكيل الرأي العام. وقال أحد المسؤولين، مشترطًا عدم كشف هويته، إن الهدف هو مقاومة ما وصفه ب"عقبات قضائية" تمنع الرئيس الأمريكي من تنفيذ سياساته، واعترف بأن إصدار تصريحات علنية في ظل دعاوى جارية غير معتاد، لكنه يرى أن جمهور ترامب يتوقع هذا الأسلوب الواضح والصدامي من قيادته. فيما دافعت المتحدثة باسم البيت الأبيض، أبيجيل جاكسون، عن الاستراتيجية قائلة إن إدارة ترامب واثقة من قانونية تصرفاتها، ولن تعتذر عن حماية المواطنين الأمريكيين، لكن بحسب مجلة «ذا أتلانتيك» الأمريكية هذه التصريحات وضعت محامي وزارة العدل في موقف صعب، إذ تتضارب أحيانًا مع الالتزامات القانونية التي يتحملونها في المحاكم. خلال شهادة تحت القسم، اعترف مسؤول في الهجرة بأن ترحيل أبريجو جارسيا إلى السلفادور كان نتيجة "خطأ إداري"، ونقل محامي الحكومة، إيريز روفيني، هذا التقييم للمحكمة، لكنه أكد أنه لم يحصل على إجابات واضحة من مسؤولي الإدارة حول خطوات التصحيح، مما عزز الغموض والارتباك. ورغم الإقرار الرسمي بالخطأ داخل المحكمة، خرج ستيفن ميلر – مستشار ترامب – ليؤكد عكس ذلك علنًا، مدعيًا أن الترحيل كان مبررًا، فيما تبعه جي دي فانس نائب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، متهمًا جارسيا بعضوية عصابة، رغم غياب أي سجل إجرامي ضده، أما بام بوندي، المدعية العامة، فقلّلت من الحادثة ورفضت فكرة إعادته. بعد ذلك، تمت إقالة المحامي روفيني بدعوى عدم حماسه في الدفاع عن إدارة ترامب، وأكدت بوندي أن أي محامٍ لا يلتزم بالتوجيهات السياسية سيواجه العواقب، وبدأت تصريحات المسؤولين، رغم كونها خارج المحكمة، تزعزع مواقف الحكومة القانونية وتقوّض مصداقية الدفاع الرسمي. وفي مقابلة تلفزيونية، أقر الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب بأنه يمكنه الإفراج عن أبريجو جارسيا باتصال واحد مع رئيس السلفادور، ما يتعارض مع ما يقوله محامو إدارته أمام القضاة، حيث يرى محامي جارسيا أن إدارة ترامب تعكس الأولويات، والتي تبدأ من التصريحات السياسية ثم تبتكر لها مبررات قانونية. اقرأ أيضًا| بقانون صادم.. الكونجرس الجمهوري يُعيد تشكيل العقد الاجتماعي الأمريكي لصالح الأثرياء ورأت القاضية الفيدرالية باولا زينيس، أن تصريحات ترامب تناقض مرافعات محاميه، الذين ادعوا عجزهم عن إجبار حكومة أجنبية على إطلاق سراح جارسيا، ولفتت إلى منشورات رسمية تُؤكد رفض إدارة ترامب السماح له بالعودة، واعتبرتها إشارة إلى أن الإدارة لا تنوي الامتثال لحكم الإفراج. وقال محامي الحكومة جوناثان جوين، إن تصريحات ترامب يجب قراءتها "بمرونة"، نافيًا تعارضها مع التزام الإدارة، إلا أن القاضية ردت عليه بسخرية قائلة: "في أي عالم قانوني نعيش؟"، مُعربة عن استيائها من ازدواجية الخطاب بين المحكمة والرأي العام. وفي محاولة مماثلة لتبرير الترحيل، وصفت إدارة ترامب المهاجرين الفنزويليين المحتجزين في السلفادور بأنهم (مجرمون)، رغم أن أغلبهم بلا سوابق جنائية، وكشف تحليل جديد، أن نحو 50 من أصل 240 تم ترحيلهم دخلوا الولاياتالمتحدة بشكل قانوني، ما يدحض سردية الخطر الأمني. وتساءل القاضي بواسبيرج عما إذا كانت تصريحات وزيرة الأمن الداخلي الأمريكية، كريستي نويم، التي وصفت السجون بالسلفادور كأداة ردع، تشير لتحكم الحكومة الأمريكية بمصير المُرحّلين، وعندما سأل محامي الحكومة عن مدى صدق ترامب في تصريحه بشأن جارسيا، أجاب بأنه مجرد "تعبير عن قناعته بنفوذه". وأوضح جيف جوزيف، رئيس جمعية محامي الهجرة الأمريكيين، أن محامو ترامب باتوا يُجبرون على تبرير قرارات سياسية أُتخذت دون استشارة قانونية، ويُضطرون لاختراع مُبررات لاحقة لتفادي الاعتراف بأن بعض الإجراءات غير قانونية من الأساس. ورغم التحذيرات القانونية، لا تعترف الإدارة بخطأها، ما يُجبر محاميها على انتهاج طرق مُلتوية في الدفاع، ويرى جوزيف أن هذا التلاعب يُقوّض مبدأ "الانتظام" في العمل الحكومي، حيث لم يعد القضاء يثق تمامًا في صدق ما تقوله الحكومة أمامه. وبدأ القضاة يشككون بشكل علني في مصداقية ممثلي الحكومة، بسبب التناقض بين أقوالهم العلنية ومرافعاتهم القانونية، وأظهر تحليل «بلومبرج» أن إدارة ترامب تخسر غالبية القضايا المرتبطة بالهجرة، بغض النظر عن ميول القضاة السياسية، ما يعكس فقدان الثقة المؤسسية. ومع تصاعد الخسائر القضائية، ضاعفت الإدارة من تحركاتها السياسية فحتى عندما حكم القاضي مورفي بمنع ترحيل أفراد إلى دول خطرة، حاولت إدارة ترامب ترحيل مهاجرين من لاوس وكوبا إلى بلد أخرى متوترة على مختلف الأوجه، مُتجاهلة الحكم القضائي، وواصفة إياهم إعلاميًا ب"وحوش بربرية". اقرأ أيضًا| ترامب يتحدّى أوامر القضاء.. وواشنطن تُخفي الأزمة الدستورية تحت عباءة القانون