مع إعلان أكاديمية فنون وعلوم الصور المتحركة عن القائمة القصيرة للأفلام المتنافسة على أوسكار 2026 لأفضل فيلم دولى، عاد الغياب المصرى ليتصدر المشهد، رغم ترشيح فيلم «هابى بيرثداى» للمخرج محمد دياب، هذا الغياب لم يعد مفاجئًا، بل أصبح انعكاسًا مزمنًا لأزمة هيكلية فى السينما المصرية: لماذا تفشل مصر، صاحبة أعرق تاريخ سينمائى عربيًا، فى المنافسة الدولية باستمرار؟ «هابى بيرثداى» فيلم إنسانى رقيق، يحكى قصة الطفلة «توحة» وعلاقتها بابنة الأسرة التى تعمل لديها، ويستعرض هشاشة الطفولة والطبقات الاجتماعية بهدوء وحساسية عالية، لكن الخطاب الحالم والهادئ للفيلم يفتقد الجرأة السياسية أو التاريخية، وهو ما تفضله لجان الأوسكار فى فئة الفيلم الدولى، حيث تسيطر الأعمال التى تصدم العالم أو تحمل رسالة سياسية قوية. أحد الأسباب الجوهرية لخروج مصر المتكرر من سباق الأوسكار هو التركيز شبه الكامل على السينما التجارية، فالسوق المحلى يفرض إيقاعه على الإنتاج، حيث تُضخ الميزانيات فى أفلام تهدف إلى شباك التذاكر، وتُهمّش فى المقابل السينما الفنية المستقلة القادرة على المنافسة الدولية. ليست السينما التجارية أزمة فى حد ذاتها، لكنها تتحول إلى مأزق حين تصبح الخيار شبه الوحيد، وحين تغيب الرؤية المؤسسية الداعمة لأفلام تمثل مصر ثقافيًا وإنسانيًا خارج حدودها. النظر إلى الأفلام العربية التى دخلت القائمة القصيرة يوضح الفارق بجلاء: «صوت هند رجب» (تونس) يقدم مأساة فلسطينية معاصرة من خلال تسجيلات صوتية حقيقية، فى عمل صادم وإنسانى وسياسى بامتياز، «فلسطين 36» (فلسطين) و»اللى باقى منك» (الأردن) يشتبكان مع التاريخ والذاكرة والهوية الفلسطينية، ويقدمان سرديات تحمل بعدًا جمعيًا واضحًا، أما «كعكة الرئيس» (العراق) فيستخدم الطفولة لتعرية زمن الخوف والديكتاتورية، فى طرح شديد الجرأة والرمزية. فى المقابل، يظل الفيلم المصرى أكثر محلية، أقل صدامًا، وأكثر حذرًا فى مقاربة القضايا الكبرى، وهو ما يقلل من فرصه فى منافسة أعمال تخاطب ضمير العالم مباشرة، كما أن الإخفاق مرتبط بآلية الترشيح نفسها، حيث تفتقر مصر إلى استراتيجية واضحة، ولجان ترشيح ذات خبرة عالمية، وحملات ترويج قوية، وهو عنصر أساسى فى سباق الأوسكار. غياب مصر عن القائمة القصيرة ليس فشلًا فرديًا للفيلم، بل انعكاس لأزمة أعمق فى الإنتاج والاختيار والتسويق، السينما المصرية بحاجة إلى إعادة تعريف دورها الثقافى، دعم السينما المستقلة، ورؤية جريئة تتناول القضايا الكبرى بلا مواربة، فالأوسكار لا يبحث عن فيلم جيد فقط، بل عن حكاية تصبح جزءًا من ذاكرة العالم.