بهدوء وتركيز، اتخذ مقعده وسط حديقة شارع جامعة الدول العربية، يقرأ الجريدة بتمعن، يقلب صفحاتها وينتقي المقالات والأخبار، لا يقطع حبل قرائته وتركيزه أي شيء، فالوقت ما زال مبكرًا على المضايقات التي اعتادها الحاج محمد النوبي، منذ أن عرفت قدماه السير في شوارع المهندسين صباحًا، قبل أن يذهب إلى مقر عمله في إحدى شركات الصرافة القريبة. "النوبي"، لقبه الأكثر شهرة من اسمه، عرفه الناس به منذ سافر إلى الخليج باحثًا عن الرزق، أكثر من 20 عامًا قضاها في الكويت، ليغادرها زحفا إلى مصر "بتحويشة العمر"، بعد اقتحام صدام لها، لم تكن المرة الأولى التي يهرب فيها، فخروجه من الكويت أعاد له ذكرى تهجيره من النوبة، خوفًا على أهلها من فيضان النيل عند بناء السد العالي، ذكرى ما زالت مؤلمة بخاطره، الوجع لا يزال يسكن وجدانه، يتجدد في كل مرة، يسأله أحدهم: "انت من أسوان يا حاج"، فيرد دامعًا: "لأ أنا من النوبة"، ما تزال ذاكرته تحمل اللغة النوبية التي يعلمها لشباب العائلة القاهريين "الجيل اللي طالع مش عارف اللغة بتاعته عشان اتولد وعاش بعيد عن بلده واحنا بندرس لهم كأنهم في مدرسة بالظبط". أحلام كثيرة قطع الحاج محمد وعودًا لتحقيقها، وفعل "علمت ولادي و بقوا في أحسن مراكز في البترول والهندسة وبنتي دكتورة في الجامعة"، رحلة العمل في الخليج لم تنته بعد غزو العراق للكويت، ولكنه عاد إليها مرة أخرى بعد التحرير "انا ما كنتش عايز أرجع للغربة تاني بس لقيت الحال في مصر ما يسرش، سافرت ورجعت قبل ثورة يناير بأسبوع، بس ما ندمتش المرة دي استكفيت كده". "الشقا"، الكلمة التي عرفتها حياة النوبي، "أنا عندي 76 سنة وماقدرش أقعد في البيت يوم واحد لازم أشتغل"، للعمل في حياة النوبي أهداف أخرى، ليس من بينها المال "أنا الحمد لله مستريح وحالي متيسر لكن بشتغل عشان أعيش وعشان الشوق بيني وبين مراتي يفضل موجود، كفاية وقفتها في البلكونة تستناني لما أروح والفطار والغدا اللي أعمله بإيدي يوم الجمعة، عشان هي ترتاح، راحتها عندي هي الحياة". الأخبار المتعلقة: بالصور| سر الرقم 7.. و"هاشتاج النوبة" في الذكرى العاشرة ليومها العالمي