جاء المشهد فى مدرسة السعيدية الثانوية على عكس المتوقع؛ فالمدرسة صاحبة الإعلان عن إضراب عام للمعلمين فى المدارس، بدت فيها الأمور طبيعية فى أول يوم دراسى فى العام الجديد. «الوطن» تجولت فى المدرسة، لترصد موقف معلميها من الإضراب، الساعة الثامنة صباحاً، هرج ومرج بفنائها الواسع، طلاب يتحركون فى كل اتجاه بشكل عشوائى، حان ميعاد الحصة الأولى، الفصول تمتلئ بالتلاميذ، ولا يوجد فصل بلا معلم، الطلاب يقبلون على شباك تسليم الكتب الدراسية، فى وسط الفناء يقف وكيل المدرسة، الرجل الخمسينى بين الطلاب يجيبهم عن تساؤلاتهم، الأول يسأل عن موقع الفصل، وآخر يبحث عن شباك تسليم الكتب، وآخرون يتحدث معهم الوكيل برفق عن سبب عدم التزامهم بالزى المدرسى، ومدرسون يرحبون ببعضهم ويتبادلون السلام فى الطرقات بين الفصول. الهدوء بدأ يسيطر على المكان، وأعلن جرس المدرسة بدء الحصة الأولى، المعلمون داخل الفصول، أعلنوا رفضهم، فكرة الإضراب فى الوقت الحالى، وأكدوا أن الاعتصام أو التظاهر لا يجب أن يكون فى وقت العمل، حتى لا يؤثر على الحركة التعليمية وعلى مستوى الطلاب، وقال عدد من المدرسين، إن البلاد تمر بوقت عصيب يجب ألا نزيده تأزماً، وأشاروا إلى وجود قنوات شرعية يجب أن يستخدمها المعلمون كالنقابة كى يحصلوا على حقوقهم. ينتقل سيد عبدالوهاب، مدرس لغة إنجليزية، من صف إلى آخر وهو يشرح مادة اللغة الإنجليزية داخل أحد فصول الصف الثانى الثانوى، والطلاب يستمعون بإنصات، يسمح للطلاب بنقل ما كتبه على «السبورة»، ويخرج قليلاً من الوقت، ليؤكد لنا رفضه فكرة الإضراب، قائلاً: «أنا لا أؤيد فكرة الإضراب فى الوقت الحالى، لأن مطالبنا تتحقق على مراحل، ويجب أن نراعى ظروف البلد، ولا نفكر فى أنفسنا فقط». تشاركه فاطمة أبوالعنين، معلمة تربية زراعية، الرأى، وتقول: «دول عيالنا لازم أستقبلهم فى المدرسة ولا أمتنع عن العمل، فلو لم نستقبلهم ونفذنا إضرابنا، أين سيذهبون؟». تلتقط نازك محمود صلاح، معلمة أحياء، طرف الحديث، وتقول: «الطالب ليس له علاقة بالأمور السياسية، أنا أتقاضى أجراً حتى لو كان ضعيفاً يجب أن أؤدى دورى، على أكمل وجه، وإلا ستصبح المدارس فوضى». ويشدد ناصر شعبان، معلم لغة عربية، على أن الاعتصام لا يجب أن يكون فى أوقات العمل الرسمية، وألا يعطل الدراسة، وأضاف: «المعلمون يجب أن ينتظروا قليلاً، وأمامنا عام دراسى كامل، وعلينا أن نتفاوض دون تعطيل سير العمل بالمدارس»، وحذر من تحول الدعوات التى لا تلقى مشاركة كبيرة من كل المعلمين إلى تفاعل ومشاركة منهم، قائلاً: «لو بقى الوضع كما هو عليه ستدخل علينا أيام الامتحانات والتصحيح، وهنا سيتأزم الموقف كثيراً». لم يهتم الطلاب بفكرة الإضراب، فلا يعلم منهم سوى القليل عنه، ويقول الطالب عبدالله مصطفى، طالب بالصف الثانى الثانوى «إن المعلم فى كل الأحوال لا يعطى كثيراً للطالب، لأن أوضاعه المادية ضعيفة، ومش هيفرق الإضراب من عدمه لأن كدا كدا الأستاذ طول ما هو غير راضى عن دخله، ولا يكفيه، مش هيشرح فى الفصل كويس، عشان كدا لازم الدولة تزود راتبه عشان يشرح كويس»، وأضاف: «هناك مدرسون يعملون بالحصة، اشتكوا لنا من قلة الدخل، وأكدوا لنا أنهم يريدون الاستقالة من المدرسة، لأن الوظيفة زى قلتها». جرس المدرسة يعلن انتهاء الحصة الأولى وبدء الحصة الثانية من اليوم الدراسى، يتفقد جمال البهنساوى مدير المدرسة، الفصول، يدخل فصلاً تلو الآخر ويستقبل الطلاب، ويؤكد لهم أن المدرسة، التى تجمعهم، والمقاعد والفصول التى يدرسون بين جناباتها، تعلّم فيها شخصيات بارزة، ويعبر «البهنساوى» عن رفضه لفكرة الإضراب قائلاً: «أنا ومعى المدرسون نرفض تعطيل العمل داخل المدرسة، لأننا أصحاب رسالة، يجب أن نؤديها، ثم نلتفت إلى مطالبنا ونحصل عليها بشكل حضارى ومحترم، دون أن نعتصم، أنا مع كل المطالب لأنها مشروعة وحق للمعلم، لكنى فى نفس الوقت أناشد المعلمين المضربين، أن يغيروا من منهجهم فى المطالب حتى لا يؤثروا على الدراسة والطالب». من جانبه يؤكد طارق حسين إبراهيم، مدير الإدارة التعليمية لجنوب الجيزة أن عدد المدارس التى تقع تحت إشرافه 77 مدرسة لا يوجد بها إضراب، وتسير الأمور على أكمل وجه، قائلاً: «لم يأت الإضراب بشكل مؤثر على المدارس، لأن المعلمون يعرفون مدى خطورة مهنتهم، ويقدرون هذا الظرف العصيب، وأنا مع مطالبهم، لكن حق المدرس وكرامته لن يأتيا بوقوفه على الرصيف، ويجب أن يطلبهما بشكل مشروع عن طريق نقابة المعلمين، وكما له حق عليه واجب داخل المدرسة يجب ألا يقصر فى أدائه».