فى زى صعيدى أنيق، وبوحدة يؤنسها الأمل، يجول فى الشوارع الرئيسية بمحافظة الجيزة، متمتما مع نفسه برباعيات من التراث الصوفى، حركته على الأرض حثيثة تشبه «طرقة» يده على وجه «الرق» الذى يستخدمه فى كسب الرزق، عمره المتقدم يجعل خطواته ضيقة، تجنبا للتعب والإجهاد من الطواف فى الشوارع، الرجل العجوز يغنى بصوت يصعب تفسير كلماته من «رنة الرق»، فتمسكه بالمبدأ يمنعه من مد يده للسؤال، فى نفس الوقت لا يرفض أو يرد عطية أحد، «أنا مش بأقول لحد هات.. بأمشى كده واللى عاوز يدى يدينى» يقولها عم «عبدالغفار أبومحمد» مبعدا عنه شبهة طلب المساعدة. لا يقارن عم «عبدالغفار» نفسه بالمداحين المشهورين، ونظر لنفسه أنه الأكثر كفاءة منهم «كل المداحين عارفينى.. وبيخافوا يقولوا حاجة قدامى لإنى حافظ وفاهم أكتر منهم»، منتقدا طريقتهم فى إقامة الحفلات والليالى «كده بيحاولوا يتربحوا ويعملوا لنفسهم دعاية وأنا مش عاوز»، يغنى «مداح الشارع» أشعارا لأشهر شعراء الصوفية مثل: عمر بن الفارض وماضى أبوالعزايم، فمنذ تركه مدينة «أبوتيج» بأسيوط، وهو يمدح الرسول فى الموالد والمناسبات الدينية وفى الشوارع، ولا يشترط مبلغا محددا «مش بنزل البلد غير زيارات بسيطة، وجيت القاهرة من 20 سنة ومن يومها باشتغل بالرق بس»، مفسرا لغز اعتماده على آلة «الرق» منفردة: «دى بتاعة الطرب الصوفى.. أما المزيكا دى مش بتاعتنا». «يا نور النبى.. يا حبيبى يا نبى» يرددها «الرجل العجوز» وهو سائر، مميزا بين المتحدثين معه من لهجاتهم، قائلا «أنت لغوتك كذا»، ويفتخر «ابن الصعيد» بانتمائه للطريقة البرهامية، إحدى الطرق الصوفية، يقول «أنا صوفى وبروح كل الموالد بتاعتهم وعند مساجد آل البيت»، مؤكدا سعادة الناس بشعره وغنائه الذى يردده فى الهواء الطلق «فيه ناس بتتصل بيا على التليفون وبروحلهم مكان ما يكونوا». «الكلام والعلام من عند العلى الأعلى» يقولها «المداح العجوز» وهو يشير بأصبعه إلى السماء، مؤكدا أنه يمدح لوجه الله وليس الناس، ويفضفض فى عجالة وهو يسير على جانب الطريق، شاكيا من عدم صلاح أبنائه الأربعة فى التعليم، وفشله فى تعليمهم فن المدح والإنشاد، «رفضوا ومرضيوش يخلونى أعلمهم.. وياريت نفعوا فى المدارس»، يتباهى «الرجل الستينى» بمنحة الله له بالحفظ عن ظهر قلب بقوله: «بأعمل ده ومعرفش أمضى اسمى.. ومحدش بيقرالى ولا يكتبلى»، بلهجة صوفية عميقة محفوفة بالتعجب .. ينصت برهة ويجيب عن سؤاله عن حفظ القرآن الكريم: «سبحان الله.. سيبها على الله».