فخامة الرئيس القادم الذى لا يعلمه إلا الله وحده.. دعنى أقدم لك أسفى على أى كلمة قلتها من قبل تكون قد تسببت فى تعكير صفو فخامتكم.. عندما لمّحت إلى بداية ونهاية عهد كل من فخامة الرئيسين مبارك ومرسى، فلست من هواة ترديد أو إطلاق أوصاف المخلوع أو المعزول أو الفلول أو الطابور الخامس، وربما يكون ذلك حرصاً وخوفاً ورعباً مما قد يطلق عليكم مستقبلاً.. فخامة الرئيس القادم.. يوماً جلس أنور السادات على عرش الفرعون، قيل على لسان أحدهم إن السادات فوجئ بملفات البلاد التى تحمل هموم وآلام وأنين الوطن.. فنظر نظرة آمرة لمن حمل له المظالم قائلاً له.. إنكم تريدون أن تقضوا علىَّ كما قضيتم على ناصر بها فمات ناصر بسببها كمداً وهماً.. لكن أعتقد يا فخامة الرئيس أنه وعند جلوسك على عرش الفرعون ستجد وفوداً لا حصر لها من كل صنف ولون.. ففى معتقدهم أنك الملاذ الذى ستحمى لهم ثرواتهم من عائدات مص دم الملايين من البسطاء.. حولوها إلى أرصدة من دولارات وذهب وماس، لا تستطيع دولة سيادتك عدها ولا حصرها.. وستدهش من براعة كل منهم فى أسلوب السيطرة -ولا علماء التنويم المغناطيسى- على فكر وعقل فخامتكم بمنتهى نعومة ملمس أرق الأفاعى.. هكذا هم فى كل عهد وفى كل وطن ومع كل حاكم إلا من رحم ربى.. وأولى خطواتهم التعمق فى كيفية الفصل بينك وبين رعاياك من الشعب المقهور بكهنة حكامهم.. وخضوع الفرعون لهم.. من هنا تطمئن قلوبهم.. ويتجرأون وصولاً للأبناء.. فيبرعون فى رسم خطوات مستقبل أنبل من أنجبهم البشر.. أليسوا من نسل الفرعون.. ألم يقل أحدهم يوماً لمبارك فى مجلس لرجال الأعمال إن جمال كفاءة وشباب وعلم فلمَ لا يكون ولىّ العهد؟.. هكذا قال رجل السيراميك.. أما رجال القصر.. لا بأس، فسينالهم من الحب جانب.. حينها يا فخامة الرئيس لن تتحمل أذنك ضجيج الشعب من الجوع والفقر والقهر والمرض والجهل.. فإذا قرأت مقالاً عن سكان المقابر سينقلون لك مشاهد من مارينا وماربيلا ولسان الوزراء وشرم الشيخ وقصور الساحل الشمالى.. وإذا شاهدت منشآت أصابها الإهمال وأصبحت كالخرابات أمامها طوابير من البشر وآخرين نائمين على الأرصفة بعد أن ضاق بهم بلاط العنابر ويعيشون وهماً أنهم داخل مستشفى رغم أن المكان أحقر ما رأت العين.. وكل رفيق هؤلاء هو المرض.. فلا أسرّة ولا دواء.. فعلى الفور سينكر الكهنة ويقنعونك بأفخم مستشفى خُصص لعلاج قلوب مافيا البشر.. فما كان صاحبه إلا تاجراً لأعضاء البشر.. وإذا حدثك مهموم بأمر الوطن عن أطفال الشوارع وبناته الذين ضاقت بهم الأرصفة وبلاط الكبارى وأزقة الحوارى.. فقبل أن تجول بنظرك ستجد أبناء المحظوظين فى نوادٍ لا يستطيع أحد الاقتراب منها ولا تعرف لعملة البلاد اسماً ولا تعاملاً.. وإذا وصف لك أمين كيف تمكّن الجوع من الفقراء، رد عليك الكهنة قائلين.. كيف هذا والطائرات تحمل كل ما لذ وطاب.. وإذا حدثك أحد عن استجواب لمعارض فى البرلمان حول انحراف حكمك ردوا عليك بأدبيات نواب الزور والبهتان.. وإذا استيقظ ضمير كاتب متحدثاً عن إهدار حقوق الإنسان أتوا لك بقصائد من رؤساء التحرير لتسبّح بمجدك وعهدك الذى نال الإنسان فيه كل حقوقه وفاق حقوق الآخرين.. إذا حدثك أحد عن فظائع السجون وحجز الأقسام، أقنعوك بأن هذا زمانه قد رحل.. لأن السجون فى عهدك تحولت إلى فنادق خمس نجوم.. ألم تسمع عن أجنحة أقصد زنازين كبار اللصوص.. إذا نبهك الآخرون بوجود معارضة جادة، على الفور يقدم الكهنة إليك أحزاب الأنابيب.. وإذا حدثك أحد عن أن إسرائيل عدو، ولا عهد لها ولا التزام، حدثك الكهنة عن السلام وأوهامه.. وإذا حذرك الناس يوماً من المتظاهرين وأنهم يوماً ثاروا على حكامهم، طمأنك الكهنة بأن جلادى الشعب ومعذبيه لم يكونوا تدربوا جيداً حينها على إبادة المعارضين أو حصلوا على دورات فى تشويه الصعاليك.. فخامة الرئيس القادم الذى هو فى علم الله وحده.. لا تقلق فإن الفاسدين والمستبدين إذا تمكنوا من كهنة عرشك الفرعونى.. حينها لن تكون إلا «فرعون» أو مخلوعاً أو معزولاً أو...... الله أعلم.