القضية الأبرز التى ثارت فى الحوار العام فى الفترة الماضية بخصوص المعونات الأجنبية تتعلق بمسألة السيادة، والحساسيات التى تثيرها المعونة الخارجية، خاصة فى مرحلة ثورية تسعى مصر فيها لإعادة صياغة علاقتها الخارجية على أرضية من الاستقلالية. فى الوقت نفسه كان تناول المعونات الاقتصادية العربية يتم بروح مختلفة شعبياً ورسمياً باعتبارها تتم فى إطار من الأخوة والتضامن، مع تنامى التوقعات -المبالغ فيها أحياناً- حول قيام الدول الشقيقة بتقديم العون أو «النجدة» للاقتصاد المصرى المأزوم. والحقيقة أن المعونات الاقتصادية يحكمها منطق المصالح، إلا فيما ندر، وإن تدخلت فى المساعدات العربية اعتبارات الأخوة والمصير المشترك، إلا أنها ليست دائماً المحدد الرئيسى، وإنما تتأثر بالكثير من الحسابات مثلها مثل أى شأن اقتصادى تحكمه إما اعتبارات الرشادة الاقتصادية أو طبيعة العلاقات السياسية أو مزيج من الاثنين. ومع أن مصر كانت على مدى العقدين الماضيين من أكبر المستفيدين من المساعدات الاقتصادية العربية، فإن تدفق المساعدات من عدة دول خليجية منذ أوائل التسعينات قد ارتبط بحدث سياسى وهو مشاركة مصر فى حرب تحرير الكويت، بعد فترة من الانقطاع إثر توقيع مصر لمعاهدة السلام. بعبارة أخرى، فقد تم قطع المعونات بناء على موقف سياسى، كما تمت مضاعفتها نتيجة لقرار سياسى آخر وهو موقف مصر من الاحتلال العراقى للكويت. الأمر لا يقتصر على مصر، فعقب أزمة الخليج الثانية، أصبحت الدول التى رفضت الغزو العراقى للكويت أو شاركت فى تحرير الكويت متلقية أساسية للمعونة الخليجية خاصة المغرب وتركيا. وتأتى المغرب كأكبر متلقٍ للمعونة العربية تراكمياً بنسبة تقارب 8% من إجمالى المعونات، تليها مصر بنسبة 7?5% ثم سوريا فى المرتبة الثالثة بنسبة بلغت 6%، بينما تأتى الجزائر فى المرتبة الرابعة وتونس فى المرتبة الخامسة، تليهما الأردن واليمن ثم السودان فى المرتبة الثامنة. واللافت أن الدول الأكثر نصيباً من المعونة العربية ليست هى أكثر الدول حاجة من الناحية الاقتصادية بالضرورة، بما يشير إلى دور العوامل السياسية فى قرارات تخصيص المعونة العربية، سواء لمكافأة الحلفاء أو تعزيز علاقات الشراكة الاستراتيجية. من ناحية أخرى فإن التعويل المفرط على المعونات العربية كمصدر أساسى أو وحيد للمساعدات الاقتصادية الخارجية يجافى ما جرت عليه الأمور من أن المنح العربية - العربية لا تشكل نسبة حاكمة من إجمالى ما تحصل عليه الدول العربية من منح وقروض خارجية، حيث لم تزد عام 2005 عن حوالى 10% من إجمالى المعونات الخارجية، بينما زادت النسبة قليلاً عام 2007 بسبب تراجع المعونات الأجنبية غير العربية، مع ثبات المساعدات الاقتصادية العربية عند مستوياتها. التوقعات والتقديرات التى يغلب عليها الطابع العاطفى إذن والتى تفرق بين معونة أخوية محمودة ومعونة أجنبية مذمومة لا تتفق مع منطق العلاقات الاقتصادية والسياسية بين الدول التى لم تكن المعونة العربية - العربية خروجاً عليه فى أطوارها المختلفة.